عن حفل توقيع رواية "شرفة رجل ثلج"

السبت 22 آب 2009

بقلم يارا شعبان

الساعة تقارب الخامسة والنصف مساءً. اقتربت من باب المكتبة التي تتأهب – في مخيلتي على الأقل – لحدث ثقافي هو حفل توقيع رواية “شرفة رجل الثلج” و الديوان الشعري “لو أنني كنت مايسترو” للشاعر و الروائي ابراهيم نصر الله. وأتحفظ على استخدام كلمة “حفل”، فالترجمة لهذه الواقعة الأدبية هو “حدث” حيث أن الحفل عندنا أصبح يزاوجه إما إطلاق عيارات “من النوع الثقيل” أو إعلان ساحة حرب لونية سماوية. على الأقل كان هناك أو بالأحرى سيكون هناك توزيع لمشروبات باردة غير غازية (عصائر طازجة). وهذا –طزاجة المشروبات- في قاموسي الشخصيّ أو العمّاني، دليل على رقي، ترقّي، أو محاولة لطبع صورة الرقي على هذا الحدث.


ما علينا! كثير من الضجة، معظمها عبارة عن صوت دفع طاولات توهمت أنها سوف تعبأ بالكتب المدعوّة للتوقيع، وقليل من الحاضرين. لم أستغرب هذا كثيراً أو لربما استغربته، فقد تبقّى على حفل التوقيع ساعةً ونصف. كعادتي، استبقت نهاية الشهر ونهاية المصروف ونهاية مدة الانتظار وأسرعت لشراء كتابين ليسا كتابيّ “الحدث”؛ الأول يدور حول فلسفة المكان، والآخر هو مجموعة من الرسائل الأدبية الغرامية قد استلذذت فيه فكرة التطفل على هذه الخصوصية المنشورة. دفعني الندم على طاقتي الشرائية -غير المبرمجة زمنياً- إلى الإنتظار على الأقل لسماع مختارات من الديوان الشعري الجديد، فهذا ما قرأته في الصحف؛ توقيع وقراءات مختارة.


قاربت الساعة السابعة، وقد استطعت التعرُف على الكاتب في إحدى زوايا المكتبة من الصورة المنشورة على إحدى الويبّات الثقافية العربية المحدودة، لا أدري إن كانت هالته الأدبية هي ما استرعى انتباهي أم تدافع الأصوات من ناحيته، لكني لم أتمنى أن أقف حيث يقف هو.


تسارعت الخطوات وعلت الأصوات الآن. الكاتب يجلس خلف طاولته المحددة مسبقاً بين كاميرا الفيديو ذي الإنحناء الهندسي المدروس ومصورين أو أكثر -لم أنتبه تماماً- يلتقطون بعضاً من الحدث ويخفون أغلبه. وأغلبه هو أن الحضور ما بين وجوه فنيه – أو هكذا ما ألقته علي ذاكرتي- وبعضاً من القراء المخلصين وقد استشففت إخلاصهم من حقيقة أنهم على غير عادة معظم القراء، كانوا قد قرأوا بالفعل جميع أعمال الكاتب. و هذا الإخلاص -بالرغم من اختلاف الأذواق الفنية والصياغات الأدبية- لا بد أن ينم عن قدرة الكاتب وموهبته الأدبية. وهذا إستنتاج شخصي محض من معطيات الموقف.


أستوقف حديثي هنا لأعلن أن جهلي غير المبرر بهذا الكاتب يقف على حيرةٍ من أمره. فالذنب ذنبي، فقد قرأت ما وجب قراءته عن كتبه وشعره وإنجازاته ومدحه وذمه وتاريخه ومعاناته وأفكاره في ساعة واحدة لا أكثر من خلال الشبكة العنكبوتية. كما أن إسمه قد غافل نظري من على طبعات كتبٍ عربيةٍ يتيمة في معظم -وأكبر- مكتبات عمان الغربية. فلذلك أنا أدرك أن بعد كل هذا وبعد أن يتجاوز المرء سن البلوغ -وهل يبلغ أو يعقل الإنسان بالفعل في هذا الوطن؟- أن جهلي هو ذنبي وحده.


المهم. أين كنت أنا؟ نعم! الحضور كانوا كما يقال المثل: من كل بستان زهرة، وللدقة في الوصف كان هناك ثلاثة بساتين: مخلصون، وكعادة المخلصين هم قلائل وندر، وحياديون مثلي أنا، وبعض الوجوه التلفزيونيه أو الثقافيه ولا أستطيع أن أحدد بالضبط ما الفرق بينهما.


بعد بضعة توقيعات وقليل من هذا الحديث وذاك، قاربت الساعة الثامنة ولم يوحي تبعثر الحاضرين بأي تنظيم لقراءات شعرية. وقد تأكدت بالفعل أن هذا لن يحدث، ثم بدأ الحماس يخفت وأثبتت الكاسات البلاستيكية الفارغة وجودها بقوة بين الحضور.


اقتربت بخجل من الباب، وبررت لنفسي عودتي باكراً إلى المنزل، وتسللت من خلف الباب إلى خلف المقود. لا أعلم لماذا لم “تطبّ” علي الشهامة واندفعت -كعادتي طبعاً- لشراء الكتابين وطلبت بتوقيعي المعروف صيغته مسبقاً. هل السبب هو تحليلي أني لم أستحق هذا الوقت وهذا التوقيع لأن كلماته ما زالت غائبة عني، أم لأنه هو لم يستحق مثل هذا “الحفل”؟ لا يهم، فقد قررت ضمنياً ونهائياً أن أنتظر حفلاً أخراً مع مشروبات طازجة أخرى.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية