عمان: كرنفال وأزمة هوية

الإثنين 26 تموز 2010

بقلم لينا شنك

بحسب ما جاء في مقدمة كتاب “عمان: مدينة الحجر والسلام”، فإن السائح الذي زارها في الأربيعينيات من القرن الماضي اعتقد أنها في كرنفال مستمر لكثرة اللهجات والعادات المتعايشة فيها بسلام “فالتعدد الموجود في المدينة يفوق مثيله في أي مكان آخر”، ويشهد على هذا التعدد كل من عاصر نموّ المدينة.

في أحاديثنا اليومية، كثيرا ما توصف عمّان بأنها “المدينة التي كبرت بفضل نكبات ومصائب الآخرين، فقد كبرت وهي تستقبل اللاجئين من كل صوب”، ولطالما كان هذا التعدد مبعث فخر للمتحدثين الذين يسردون حكاياتهم وحكايا المناطق التي كانت خاوية وأصبحت اليوم من أكثر أحياء عمان اكتظاظا بالسكان والأنشطة الاقتصادية.

بيد أن تعدد عمّان لا يحمل دائما تلك الصورة الزاهية عن تسامح الأعراق والأديان وتآلفها في “واحة السلام” وكثيرا ما يطرح الأسئلة حول “هويتها المتأزمة”. في مقابل الصورة التي ينقلها د. جواد العناني بقوله أن عمّان فيها ما لا يقل عن 52 اثنية عرقية وجغرافية تعايشت وانصهرت في “بوتقة واحدة” ليصبح لهؤلاء السكان “هوية عمانيّة”، يجادل الكاتب الصحافي ابراهيم غرايبة ويقول أن عمّان تفتقر إلى مجتمع يشار اليه على أنه عمّاني، وتقتفر إلى ثقافة شعبية عمّانية، ويستشهد بأن أهل عمان لا يعرفون بأنفسهم على أنهم من عمان، بل يعود كل منهم إلى المنبت والأصل في التعريف.

عمّان التي يهجرها نصف سكانها يوم الانتخابات – على حد تعبير غرايبة – ليدلوا بأصواتهم في قراهم ومدنهم الأصلية، هي المدينة ذاتها التي تثير حسد المحافظات الأخرى بسبب الاعتقاد السائد بانها وحدها تستفرد بالاهتمام الحكومي والخدمات والمشاريع بينما يعيش أبناء المحافظات الأخرى في تهميش مستمر.

لماذا تفشل عمّان في استقطاب انتماء أهاليها؟ لا أملك أي دراسة موثقة حول السبب ولكن من وحي تجربة لا زلت أخوضها يوميا في نقاشات عقيمة، استنتجت خلاصة مفادها أن الكثير من أهل عمان لا ينقصهم الانتماء لها، ولكن تنقصهم جرأة الاعتراف بهذا الانتماء أمام شريحتين تزدادان اتساعا، واحدة لا تحبذ هذا الانتماء وتفضل الانتماءات الأولية، وشريحة أخرى لا تثق في هذا الانتماء مهما قدموا من حجج.

عندما أقول أن مدينتي هي عمّان، تنهال الأسئلة من قبيل “هل يكفي أن أكون من مواليد مدينة حتى أنتمي اليها؟”، “هل يكفي أن أنعم بأمن مدينة حتى أنتمي اليها؟”، الخ من أسئلة تحقق في انتماء يراه الكثيرون على أنه “غير مشروع”، نحن غارقون في البحث عن اجابات لأسئلة تدور حول معيار الانتماء وفلسفته، هل هو مكان الولادة والاقامة؟ هل هو المنبت والأصل فقط؟ هل هو الاثنين معا؟ هل نقبل بالانتماء القطري وننسى أننا كنا يوما أمة واحدة؟

ثم ننتقل لمعتقدات وصور نمطية تصور أهل “مدينة المهاجرين” على أنهم “ركاب ترانزيت”، ليسوا بالكفاءة والانتماء الكافيين للوقوف في وجه اي خطر يلحق بمدينتهم وبالأردن، أذكر أن أحد زملائي السابقين كان يجادل بأن أجداده وأهل مدينته الأصلية هم وحدهم سيتصدون لأي عدوان خارجي، “أهل عمان بدهم يوقفوا للأردن؟ أهل عمان يا دوب يلحقوا يلموا شناتيهم ويسافروا!”

في نظرة سريعة على المدينة، تبدو وكأنها كما جاء في الكتاب لا تزال تعيش الكرنفال، ولكن بنظرة أقرب تبدو لي وكأن كل ساكن فيها يعيش “أزمة هوية” تعمقها سياسة وقوانين تحتم عليه الانتماءات الأولية، لربما نحتاج اليوم لقوانين وممارسات تحتوي التعدد الذي ينحني له زوار الأردن وتقبله، نحتاج للإعتراف بعمّان كمدينة شرعية تستحق الحياة وتستحق من أهلها الانتماء. عمّان مدينة تستحق اليوم أن نقول أننا منها دون أن نرى ملامح الحيرة والتخوين في وجوه الآخرين.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية