لماذا يتم تسييس أحداث القويسمة؟

الثلاثاء 14 كانون الأول 2010

بالطبع، فقد سبق “أحداث القويسمة” عنف مشابه في “أحداث السلط” و”أحداث حي الطفايلة” و”أحداث العقبة” عندما اعتصم عمال الموانئ وغيرها من الحالات التي شهدت استخداما مفرطا للقوة. بيد أن ردود الفعل التي تلت المباراة بين فريقي الوحدات والفيصلي تدفعنا رغما عنا لتسييس القضية.

فقد عبًرت جميع التعليقات والمواقف عن السجالات ذاتها التي تتعلق ب”أزمة الهوية”، فوجدنا وسط الحديث عن العنف وضرورة فتح التحقيق من يصر على الزجً بموضوع “التوطين” في القضية، ومن يعتقد أن من ينتقد قوات الدرك يجدر به أن ينتقد القوات الاسرائيلية أولا، ومن يعتقد أن العنف غير مبرر ولكن لا يزال ينتقد فريق الوحدات ومشجعيه لأنهم بحسب ادعاءه “رفعوا العلم الفلسطيني وكأنه عيد وطني فلسطيني”.

مرة أخرى، أوكد أنني لم يسبق لي أن شاهدت مباراة لأي من الفريقين، كما أنني لا أهتم بتشجيع أي منهما خشية أن أحسب على طرف ضد آخر ولأنني لا أفهم حتى هذا اليوم وبعد أن تعرضت للسؤال ذاته ملايين المرات مغزى التقسيم على أساس الأصل.
بالمناسبة، لأن قصة “هويتنا” معقدة، فإننا نتعصب لنادي الفيصلي ونعتبر أنه يعبر عن الهوية “الشرق أردنية” مع أن العديد من أبرز اللاعبين فيه هم من أصول فلسطينية، وكثيرا ما كنت أفكر كيف يعود هذا اللاعب لمنزله وينام قرير العين وقد أثار نعرات عنصرية حتى ولو كانت بدون علمه أو بدون قصد!

ولأن “هويتنا” معقدة، فهي أيضا غير قابلة للحسم وفقا للون العلم المرفوع واذا ما كان يحوي النجمة السباعية أم لا، فأود تذكير المعلق الغاضب من رفع مشجعي الوحدات للعلم الفلسطيني أن فريق الوحدات كان قد زار غزة في التسعينيات من القرن الماضي، وعندما فاز على فريق آخر ركض اللاعبون في الملعب في غزة وهم يحملون العلم الأردني!

ويزيدها تعقيدا أننا نمارس العصبية والعنصرية أحيانا ونقسم بعضنا إلى فئتين، فلدينا فئة أردنيين من أصل شرق أردني يشجعون “الفيصلي” ولدينا أردنيين من أصل فلسطيني يشجعون “الوحدات”، أو على الأقل فإن هذه هي التصنيفات المعروفة، وبين هاتين الفئتين من المشجعين الذين يمثلون مصغرا عن المجتمع ما يقارب ال550 ألف –بحسب احصاءات أصدرت منذ عدة سنوات- حالة زواج بين أبناء الضفتين ولكن لا بد أننا بارعون في التقسيم، فقد استطعنا أن نقسم بمهارة حتى نقول أن لدينا فئتين من “الأعراق النقية”!

من هنا، استفزتني كثيرا المواقف التي تلت المباراة، فما معنى أن يخاطب جمهور الوحدات شخصا يعرف بأنه “ممثل” هذه الفئة في البرلمان؟ أتفهم أنه قد يكون شخصية مقبولة لديهم، أو أن له حضور قوي في المخيمات تماما كما يلعب شيوخ العشائر دورا في تهدئة الأمور عندما تصل حد الأزمة، ولكن ردة الفعل الأولية لدي كانت سلبية، لأنني أحسست وكأنه يتبع القول “منهم وفيهم وبيمون عليهم”، وهو ما يكرس مرة أخرى الانقسام وايجاد ضمير “نحن” وضمير “هم”!

واستفزني أيضا من يريد أن يسمع فورا من رئيس نادي الوحدات استنكارا مشابه لمواقف اسرائيل وأعمالها الاجرامية، قد أتفهم موقفه من منطلق أنه يستعمل الحجة ذاتها التي استعملت في مواقف مختلفة وتقضي بأن” العدو هو اسرائيل وليس الحكومة الأردنية” وأن “مشكلة الأردنيين من أصل فلسطيني” بغض النظر عن نوع المشكلة ومكان حدوثها والأشخاص المعنيين أو المذنبين ، فإن المشكلة هي “مع اسرائيل”!

من الناحية المبدئية، لا نختلف على أن اسرائيل هي أساس مشكلة الهوية، ولكنها بالطبع لها أبعاد أخرى. هذا الانتقاد الذي يوجهه الكاتب هو الانتقاد ذاته الذي يكرر في كل النقاشات المحتدمة، وهو مؤشر على مفهوم راسخ لا يعترف بمواطنة فئة واسعة من المجتمع الأردني، فبينما ينتقد بعض المواطنيين الفساد والقمع والعنف ويجادلهم الآخرون ويقدمون الحجج، عندما أجادل أو أنتقد أي ظاهرة، كثيرا ما يتم تذكيري بأنني “ضيفة” و”اذا مش عاجبني فالله معي”!

الأصل أنني مواطنة، كغيري من المواطنين، أحمل الرقم الوطني وأتأثر بكل ما يتأثر به المواطنون الآخرون، فعندما تنتهك حقوقي في هذا البلد، يحق لي أن أطالب كغيري من المواطنين الذين تنتهك حقوقهم، بمحاسبة المسؤولين دون أن أنتظر حل الصراع العربي الاسرائيلي ومن ثم أتقدم بطلب اعتراض على انتهاك حصل لي وأنا في بلد أعدها بلدي قبل أن أعي معنى الوطن البديل وأسماء منظريه ومؤتمراتهم وأسماء معارضيه والمقاومين للمشروع الصهيوني.

قبل أشهر، كنت أجادل أحد زملائي في موضوع التقسيمات، وأقسم لي وقتها أنه غير متحيز لأي فئة ولكن عندما تحدث مثل هذه التقسيمات في الجامعة، كان يجد نفسه مضطرا للاصطفاف إلى جانب طرف ضد آخر، كنت أجادل وقتها بأن هذا هو تماما السلوك الذي يجب أن نتخلص منه، فحتى يتم التغيير يجب ان يكون هناك عدد كاف من الناس الذبن يقفون في المنطقة الوسط. لماذا نرث موقف سلبي لأحد أفراد عائلتنا ولا نتوقع مثلا أن شخصا منهم من الممكن أن يكون بنى هذا الموقف على أساس خاطئ؟ لماذا نسأل أجدادنا عن تاريخ أحداث مثيرة للجدل ونسلم بروايتهم ومن ثم نمضي في التعصب الأعمى؟ لماذا لا نقر بأننا جميعا أخطأنا ولكن هناك ما يستحق أن ننسى كل تلك الأحداث؟

هذا الشاب وغيره، حتى وان لم تكن “أحداث القويسمة” موجهة ضد طرف معين، سوف يجدون حجة مقنعة للاستمرار في التعصب ولن تجد نصائح أي كان نفعا ما لم نجب على كل أسئلة الهوية بوضوح وصراحة!

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية