من هو المهمش؟

السبت 19 شباط 2011

بعد أن كثرت البيانات والمواقف التي تخاطب جلالة الملك أحيانا، والحكومات أحيانا أخرى أو تتوجه إلى “جمهور مستهدف” يحدده البيان ويكون من أبناء فئة معينة، فإن أكثر ما يستوقفني في البيانات الصادرة عن جهات متعددة والتعليقات التي تليها أن الجميع يشعر ب”التهميش”، حتى أن الصورة باتت معقدة فكل أطراف المعادلة أصبحوا من “المهمشين”.

على سبيل المثال، عندما أصدر المتقاعدون العسكريون بيانهم الشهير في العام الفائت، أتبعوه ببيان آخر ودعوا المواطنين “الشرفاء” إلى مقاطعة الانتخابات الأخيرة في عام 2010، وذلك بسبب ايمانهم بأن المطلوب، على حد تعبيرهم، هو برلمان يصادق على قرارات تضر بمصالح الأردن، كما أن المقاعد الاضافية التي منحت للزرقاء وعمان واربد حيث يوجد “ثقل سكاني للأردنيين من أصل فلسطيني” كما جاء في تحليلات قانون الانتخاب كان برأي المتقاعدين “مقدمة للمحاصصة والتوطين”. وقد عبر المتقاعدون وغيرهم ممن يشاطرونهم الآراء ذاتها عن “التهميش” الذي يتعرض له أبناء العشائر مرارا، ويعد مقال روبرت فيسك “لماذا يعد الأردن محتلا من الفلسطينيين” مثالا واضحا على هذا الشعور.

في المقابل، فقد جاء يوم الانتخابات والتي من المفترض أن تفرز تمثيلا ومشاركة أقوى لمدن مثل عمان وأخواتها، وثبت أن الاقبال على صناديق الاقتراع في عمان بالتحديد كان ضعيفا، وهو ما جعل وزير الداخلية السابق يتهكم ويصف أهل عمان بـ”المدللين” وبأنهم لا يستيقظون باكرا على عكس أهالي القرى والبوادي. وحتى ساعات العصر، لم تبد عمان حماسة للمشاركة وذلك وفقا لنسب الاقتراع التي استعرضها المذيع محمد الوكيل وقرر اهداء أهالي عمان أغنية مستفزة ليحثهم على المشاركة، وذلك بعد أن تعالت قهقهاته على دلال أهل عمان.

لا أعرف لماذا لا يبدي أهل عمان حماسا للمشاركة، فهي مسألة معقدة بالتاكيد، إلا أنها تشكل مفارقة على اعتبار أنهم بحسب رأي آخرين أصبحوا يتمتعون “بنفوذ متزايد”، وأصبح أهالي باقي المحافظات يشعرون بأنهم “غرباء في وطنهم” بسبب سيطرة آخرين على المقاعد النيابية والوزارية وغيرها من المناصب العليا. ثم جاءت نتائج الانتخابات وكان تعليق المراقبين بأنها انتخابات “أحكم فيها متنفذون ورجال عشائر قبضتهم على مجلس النواب” وهو تعبير لم أشارك في صياغته ولا يعبر عن وجهة نظري الشخصية وانما تكرر في كل القراءات التي تلت الانتخابات.

كما يبدو أن العديد من محافظات المملكة تشكو من “التهميش”، ففي كل يوم نقرأ في الصحف أن “أهالي القرية/ المحافظة يشكون من تدني مستوى الخدمات” ويشكون من “إهمال المسؤولين لهم”، وعندما يزورهم جلالة الملك يقولون للجميع بأنهم يسكنون “منطقة منسية” لا يعرفها المسؤولون الذين يسكنون في “أبراج عاجية” على حد تعبير المواطنين من مختلف المحافظات، كما يبدو ذلك جليا في هتافات أخرى تتسائل “هم مين واحنا مين، هم ولاد السلاطين واحنا ولاد الحراثين”.

وعندما تندلع أحداث عنف في أي من المحافظات، كثيرا ما يردد المراقبون أسئلة من قبيل “متى يفهم المسؤولون أن الأردن ليس عمان الغربية فقط؟” وهي أسئلة مشروعة تماما مثل مطالب أهالي المحافظات الذين يطالبون على لسان المعلقين والكتاب ومن خلال مخاطبتهم للجهات المعنية بـ”التوزيع العادل لمكتسبات التنمية” وبإعطاءهم حصتهم من “المشاريع والخدمات التنموية”، وما إلى ذلك.

ويعتقد المراقبون أن هذه الأحداث التي تسجل تعديا على هيبة الدولة تدق “ناقوس الخطر” للتنبيه إلى أمور متعددة أهمها الابتعاد عن سياسة “الاقصاء والتهميش”. وليس ذلك فحسب، فإن أهالي المحافظات يعتقدون بأن اختيار الشخصيات ذاتها لتمثيلهم في كل المناصب يساهم في خلق المزيد من التهميش، وهو ما عبر عنه أهل معان مثلا، عندما وجهوا رسالة لجلالة الملك بطلبون فيها عدم حصر تمثيل المحافظة بالشخصيات ذاتها. وعبروا عن رغبتهم في خدمة الأردن والحصول على فرص متساوية. ووافقهم الرأي العديد من المعلقين الذين تسائلوا عن سبب “استثناء الطفيلة ومعان من التعيينات في الوزارات وفي مناصب مثل السفراء”.

وتكاد الصورة تتعقد عندما نجد أن أهل عمان أيضا لا يشعرون “بعدالة التمثيل” كذلك، مما يترجم إلى شعور بالاحباط أحيانا وباللامبالاة أحيانا أخرى. وهو ما يبدو واضحا عندما لا يعرف طلبة مدارس في عمان اسم رئيس الوزراء مما يدلل على أنهم لا يشعرون بأنهم معنيون بالسياسة، فلا يستطيعون تقديم اجابة لمتطوع أراد أن يحدثهم عن أهمية المشاركة السياسية، إلا أن أحد الطلاب اقترب من الاجابة وأعطى اسم رئيس وزراء سابق شغل المنصب منذ أكثر من 8 سنوات، ولم يعرف الطالب الاسم لمتابعته أعمال الرئيس بل فقط لأن حفيد “دولته” وهو زميل الطالب كثيرا ما كان يتباهى ب”برستيج جده”! قد يكون السبب هو لامبالاة الطلاب أنفسهم، ولكن حتى شعور اللامبالاة ينجم عن “الاغتراب السياسي” والذي هو بدوره من نتاج التهميش أيضا. ولولا الشعور بالتهميش لما ولد اصطلاح “الحقوق المنقوصة” بغض النظر عن السجال الذي يدور حول المصطلح ذاته، إلا أن التيار الذي ينادي به ما كان ليرى النور لولا على الأقل الشعور بانعدام العدالة حتى لا نقول بأنها معدومة فعلا ونخوض في سجالات عقيمة!

أهل المحافظات بحسب استطلاعات الرأي هم “الأكثر انتقادا للحكومات مع أنهم الأكثر مشاركة” وفقا لرأي مشرف الاستطلاع في مركز الدراسات الاستراتيجية. ومن المشاهدات الأخرى نرى بأن أهل عمان ينامون يوم الانتخابات ومنهم من لا يستطيع أن يعدد 5 وزراء حاليين، أو على الأقل فإن هذه هي الانطباعات المتناقضة التي تقودنا للتساؤل الأكبر!

عندما احتدم السجال حول “الهوية” في العام الفائت والذي زاد من حدته اجراءات سحب الجنسية، كتب أستاذ جامعي مقالا وافتتحه قائلا “لا يحتاج الأمر لأي محلل أو خبير للاستنتاج بأن هناك اقصاء وتهميش للأردني من أصل فلسطيني”، وفي مقابله كتب سياسي آخر رأيا مختلفا اعتبر فيه أن كل أزمات الأردن هي مؤامرة مدبرة “لتهميش العشائر وتمرير الوطن البديل”.

وسط كل هذه التناقضات، فإن السؤال الذي كان دوما يدور حول “من هو الأردني” يجب أن يضاف اليه الآن سؤال “من هو المهمش؟”.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية