أنا حر، أنا أغيّر، إذا أنا موجود

الجمعة 11 آذار 2011

بقلم علاء طوالبة

ملاحظة: أنا لا أنتمي إلى أي حزب أو حركة سياسية. أنا لا أدافع عن أو أدعم أي حركة ثقافية أو فكر معين غير بعض المدارس الفلسفية و أهمها الوجودية.

أنا شاب أردني متحمس لما يقوم به الشباب في الوطن العربي  و أريد أن أفكر بصوت عال لا أكثر، وفي حالة تقاربت أفكاري مع أي حركة أو فكر فذالك لمحض الصدفة ومن الممكن حدوث التقارب لأنني لن اخترع الذرة.

كفرد أردني و عربي الآن و هنا أعاني من مشكلتين: الحرية ومشكلة الهوية وأقصد بها الهوية الاجتماعية وليس الهويات السياسية أو القطرية.

ما يحدث الآن في الشارع من حراك يدل على وعي الشباب بحريتهم وقدرتهم على التغيير. لا أريد أن أتحدث أو أنظر للتغير السياسي حيث يوجد من هم أجدر مني بهذا الموضوع لكن أريد مناقشة الحرية بشكل أعم.

خلال فترة قصيرة نسبيا بدا الشباب الذي كان يتهم سابقا بتفاهته ولا مبالاته بحركة احتجاج و تعبير عن الرأي بوسائل حضارية وراقية لأعلى المعايير ونتج عن هذا الحراك تغيير في الأنظمة فشل الجيل السابق بكل ايديولوجياته وكتبه و تنظّيره من القيام به. ويدل ذلك على التغيير في وعي الشاب من حيث نظرته إلى مكانته في المجتمع والنظام السياسي والاقتصادي، نحن تعودنا وربينا على أن نكون تابعين للسلطة في مجتمع أبوي، أكانت سلطة العائلة ممثلة بالأب أم السلطة الدينية ممثلة بالمشايخ والمفتين والسلطة  السياسية ممثلة بالأنظمة الحاكمة أو التبعية لفكر حزبي معين، وكانت الحرية الشخصية بالتفكير والاختيار مقيدة بالحلول والخيارات المقدمة من السلطات المذكورة.

الحراك الشبابي العفوي الغير مسيّس و بدون أي إيعاز من أي السلطات السابقة يدل على بداية الفهم لمعنى الحرية والقيام بأفعال على أرض الواقع معبرة عن تلك الحرية. الفهم الحالي للحرية هو الانعتاق من القيود أكانت  السياسية، الاجتماعية أو الدينية التي توارثناها عن الأجيال السابقة. نستخدم مصطلح أنا حر عادة عندما نريد أن نتمرد على القوانين أو التعليمات و نخالف المعروف.

بوجود هذه الحالة من التمرد وبداية الإحساس بالقدرة على التصرف بحرية أريد أن أناقش مفهوم الحرية لتعميقه أكثر في وعينا والانتباه إلى الإمكانيات المتوفرة أمامن أبعد من التغيير السياسي والاقتصادي الآني. لا أدعو لوقف أي من الحركات الجارية لكن أود النظر إلى التطور والتغيير على المستوى الفردي و الاجتماعي  بطريقة موازية.

الحرية هي الأساس لتكوين ماهية الوجود البشري، نحن نوجد ثم نقوم بخلق و تشكيل ماهيتنا باستخدام الحرية المطلقة التي نمتلكها. كما يقول سارتر الوجود يسبق الماهية، ببساطة شديدة إنني اوجد و املك كامل الحرية لتكوين نفسي من خلال الخيارات التي أقوم بها، و أنا أتحمل المسؤولية الكاملة عن خياراتي ونتائجها،  وأثناء تكويني لماهيتي أساهم بتكوين الماهية الشاملة الإنسانية. أي عندما أقوم باختيار خيار معين فكأنني أقوم بالخيار عن الإنسانية جمعاء وأشارك بتكوين وتحديد ما هي ماهية وجوهر الإنسانية.

إذا الحرية أكثر من مجرد الانعتاق من القيود، الحرية مأصله في وجودنا الإنساني. الحرية هي أساس حياتنا اليومية. نحن نختار بحرية حين نقرر الذهاب إلى العمل كل يوم. نحن نختار الخروج والتظاهر وفي نفس الوقت نختار السكوت والتخاذل. نحن نملك القدرة على تغيير كل الواقع من حولنا، على الأقل نملك القدرة على اختيار التغيير والعمل من اجل التغيير، وإعادة تشكيل  أنفسنا  وهويتنا بأنفسنا كل يوم.

نحن أحرار من الماضي، القرارات التي اتخذناها سابقا ساهمت في تشكيل الواقع الحالي لكننا  نملك القدرة على تجاوزها، نملك القدرة على إعادة تشكيل وخلق أنفسنا وواقعنا بشكل جديد، نحن قادرون على تجاوز البنى الفكرية المتآكلة، قادرون على التخلص من الخطابات السياسية للأحزاب المنقرضة والبدء بخطابنا الخاص بتشكيل وعينا الخاص والبنية الفكرية الخاصة بنا.

و الأهم نحن قادرون على تشكيل هويتنا.

لا نحتاج إلى أي من التنظيرات السابقة والمصطلحات الجوفاء والخطابات الصماء  أو أي من المدارس القديمة أو الحديثة لكي تقول لنا من نكون و كيف نكون.

نحن الآن وهنا بكامل وعينا نثبت وجودنا ومكاننا في المجتمع ونستطيع بناء هويتنا من جديد نملك القدرة على الاختيار، اختيار ما يناسبنا من تاريخنا وبناء ما يلزمنا من مستقبل.

لو نبتعد قليلا عن التقاليد والمعتقدات وما نتعامل معها كمسلمات، ننظر حولنا ونبدأ بإعادة تشكيل هويتنا كأفراد بالنظر إلى المخزون الثقافي التاريخي الخاص بنا كمجموعة والمعلومات المتاحة لنا من خلال التقنيات الحديثة والاختلاط بالمجتمعات الأخرى ونكون أفراد مستقلين يصنعون هويتهم بأنفسهم بدون أي شروط مسبقة أو مسلمات نحترم حرية الآخر واستقلاليته واختلافه.

في النهاية  لابد من أن نتلاقى في نقاط معينة، نقاط التلاقي هذه ستكون نواه الهوية الاجتماعية لنا كمجموعة والتي سنتمكن من تكوينها بحيث تكون ديناميكية قابلة للتغيير والتطوير دائما وأبدا.

لنبدأ بفهم معنى الحرية التي لا يمكننا التخلص منها لأنها مؤصلة في وجودنا الإنساني، والحراك بناء على هذه الحرية وبنفس الوقت تحمل المسؤولية الملازمة لهذه الحرية. لنصلح أنفسنا نعيد بناء أنفسنا وهويتنا كأشخاص ثم كمجتمع وأمة.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية