الاصلاح والمظاهرات وأشياء تقلقني

الأربعاء 16 آذار 2011

بقلم محمد الحشكي

لا تقلقني مظاهرات الاصلاح، شاركت في عدد منها وكانت منظمة وسلمية ومنها ما كان موجها لدعم الاشقاء في الدول المجاورة.
ولكن يقلقني ما أقرأ من تعليقات حول المظاهرات، و تتمحور معظمها حول التالي:

“بلد الأمن والأمان”
بالرغم من أنني متأكد أن أحدا ممن يقولون هذه الكلمات (بمن فيهم صحفيونا الأعزاء) لم يكلف نفسه حتى أن يبحث قليلا ليتأكد من هذا الكلام، طبعا من منطلق اننا بلد الامن (خاوة) حتى لو قالت الارقام شيئا آخر.
الاردن بلد آمن و لكنه ليس الأكثر أمانا في العالم ولا في العالم العربي، وفقا للإحصاءات (التآمرية طبعا) فالأردن يسبقه في الأمان، قطر، المغرب، الجزائر، مصر، البحرين، عمان، الامارات، الكويت، تونس، وحتى ليبيا. لاحظوا أن الأمان ليس مؤشرا لنوعية حياة أفضل ولا حتى لرضى الناس في الشارع.

ولكن كون الاردن والاردنيين يقدرون الجيش والعسكريين فمجرد الكلام عن هذا الموضوع يعتبره العديدون تلقائيا اهانة للمؤسسة العسكرية والامنية وكأن الأمان ترف علينا أن نبوس ايدينا عليه وليس حقا لنا كمواطنين.

“شو بدكوا بهالحكي خليكوا في بيوتكوا”
طيب خليك إنت في البيت، الجمعة بعد الصلاة روح على بيتك وكل مع أطفالك و إحضر مسلسل تركي. شو بدك في الناس اللي طالعين؟ الناس اللي طلعوا هم الذين أسقطوا حكومة الرفاعي، ومنعوا أسعار البنزين من الارتفاع وجابوا العشرين دينار زيادة. و لما يصير ضرب سوف يتأذون هم وليس حضرتك، فبالتالي ما الذي تريده؟ لو صار هناك مكاسب لهذه المظاهرات، تخفيض للضرائب أو رفع للرواتب أو انتخابات تفرز نوابا جيدين و ليس مثل بعض الشخصيات الموجودة حاليا، أو حتى محاسبة للفاسدين الذين سرقوا أموالك وهربوها للخارج، لو حصلت هذه المكاسب فأنت المستفيد وعلى البارد المستريح. فخلي هالناس يصرخوا بلكي صار إشي! و خليك في البيت مرتاح، بس على الأقل دعم معنوي.

“المظاهرات تعطل أشغال الناس”
يا سيدي عالحنان والتكافل الاجتماعي! الله الله… لو الساعة السحرية اللي تحدث فيها هذه المظاهرة هي التي تؤمن المكسب الشهري لمحلات وسط البلد فأنا مستعد للمطالبة بإلغائها! بس مجنون يحكي و عاقل يسمع، يوم جمعة الساعة 12 الظهر هو يوم التسوق للمواطن؟ و بصراحة اللي بدو يفتح يفتح، مين مانعه؟ و على كل معظم المحلات مسكرة الجمعة وقليلون جدا قالوا أن المسيرات تؤثر على أرزاقهم في إحد التقارير التي شاهدتها على التلفزيون.

و من ناحية اخرى لماذا لم يعترض أحد على المسيرات الموالية (كما يطلق عليها) التي يتم تحضيرها للانطلاق من نفس الموقع؟ ولَا هاي المسيرات لا تؤثر على الأرزاق؟

“لا نريد جر الأردن الى سيناريوهات مماثلة لما حولنا”
مع أن المتظاهرين أصلا قالوا أكثر من مليون مرة لا نريد إلا الإصلاح.
كل ما يريده هؤلاء هو الاصلاح. عمل حقيقي ضد الواسطة و المحسوبية، عمل حقيقي للوحدة الوطنية و مكافحة الغنى الفاحش والفساد، تعديلات دستورية لاعطاء قوة أكبر للشعب! من ضد هذا؟ و ليسأل الجميع نفسه، متى كانت آخر مرة حصلت حقك بدون واسطة أو بدون أن تستسمح أو ترجو؟ إسأل نفسك من أين سيدرس أولادك في الجامعة بعد أن أصبح العادي والموازي واحد تقريبا؟ اسأل نفسك من في هذا الزمن يكفيه راتبه لنص الشهر؟

“الشعب الاردني غير جاهز للدمقراطية”
مع أن هذا الكلام مهين وغير منطقي، و خاصة عندما يردده مواطنون يقولون عن أنفسهم أنهم لا يستاهلون الديمقراطية!
ولكن… من هو المسؤول عن عدم جاهزيتنا للديمقراطية (على فرض يعني)؟ أليست الممارسات الحكومية نفسها؟ و لذلك، كل نظام هذه الحكومات يجب أن يتغير، وأن يستلم الدولة أشخاص يؤمنون فعلا بالوعي السياسي وضرورته لمستقبل البلد.
وبعدين، خلونا نبلش، سوف يحصل أخطاء و لكن في النهاية سيكون المواطن مسؤولا عن مشاركته، و السلطة مسؤولة عن تصرفاتها، و المخطئ سيحاسب كائنا من كان.

“اللي بنزلوا كلهم كم ألف و لا يمثلون الشعب، وأصلا كلهم إسلاميون”
يا سلام! عدد المشاركين في الانتخابات النيابية كانت حوالي 450 ألف فقط! أي حوالي 13% ممن يحق لهم التصويت! إذن ضمن ذلك المنطق كل النواب في المجلس الموقر عليهم أن يستقيلوا! بعضهم نجح في الانتخابات ببضع مئات من الأصوات (يعني ما بيعبوا مدرسة ابتدائي!)، و مع هذا تتم قبول مشروعيتهم. كما أن الموضوع أصلا ليس أكثرية أو أقلية، فحتى لو كان هؤلاء أقلية فمن الواجب احترامهم و حماية حقوقهم.
أما موضوع الاسلاميين فهو فعلا مضحك، متى صار الاسلاميون بعبع بنخوُف فيه الصغار؟ هؤلاء مواطنون و لهم الحق مثل أي مواطن بالمشاركة في الحياة السياسية، مع أنني لا أتفق معهم مطلقا، ولكن الغاءهم هو انتقاص للديمقراطية والمنطق وللآلاف الذين يؤيدونهم.

“البديل هو الفوضى”
هذه الاسطوانة المشروخة سمعناها في مصر و تونس و ليبيا، و معناها أن الخيارات هي إما الوضع القائم و إما الفوضى الشاملة، و كأن الأردنيين مجموعة من المراهقين اللي بس مستنين طوشة! والموضوع بسيط، فعندما تسود سلطة القانون فعليا، على الكل وبالتساوي، أي مواطنة حقيقية متكاملة، لن يكون هناك داع للطوشة المرتقبة، الكل سيحصل على حقه كمواطن بدون اعتبارات خفية مثل مين واسطته، أو من أبوه، أو كم يملك، أو حتى ما هو منصبه! الكل سواسية (عن جد) أمام القانون، و كل من يعارض هذا فهو إما مستفيد من الفساد و يجب ضربه على إيده، أو مش فاهم و لازم يفهم!

“أعطوا الحكومة فرصة”
أية حكومة؟ الحكومات عندنا لعبة كراسي، والاردنيون يتكلمون عن هذا من زمن، بعض الوزراء في حكوماتنا استمروا شهرا واحدا فقط! يعني الكرسي تحته ما حمي. ومعظم الوزراء و المسؤولين هم أولاد فلان باشا و علنتان بيك، حتى أنه هناك أردنيين زعلانين لماذا لا يوجد وزراء من عشائرهم. هذا هو نتائج عمل الحكومات السابقة، شرذمة الهوية الوطنية الأردنية إلى أن أصبح الطموح السياسي للمواطن الأردني هو أن يصبح أحد أفراد عشيرته ذو منصب! و مشان شو مش فاهم.

نريد وزراء لا يملكون قصورا و سيارات، وزراء يذهب أولادهم لمدارسنا حتى يعرفوا ما الذي يحصل للتعليم، وزراء ركبوا الباصات حتى يعرفوا ماذا تعني الأزمة، وزراء يراجعون المستشفى الحكومي حتى يعرفوا معنى الخوف من عدم توفر العلاج… وزراء منا!

“وضعنا أحسن من غيرنا”
مع أن هذا ليس مبررا لأن الطموح هو للأفضل و خاصة في ظل وجود الفساد والواسطة. و لكن خط الفقر في الأردن هو 500 دينار. فكم واحدا من الزعلانين راتبه 500 دينار؟ الجوعى في الأردن هم 4% من عدد السكان (الجوعى و ليس الفقراء). و نسبة البطالة ترتفع سنة بعد سنة، و مرة أخرى الشغلة مش عباطة و لا خاوة، من يقول فعلا أن وضعنا أحسن من غيرنا فليحضر الأرقام، و بلاش منه الحكي تبع “التعليم الأردني مطلوب ومهم” و”الطب الأردني هو الأفضل” و “نحن مهد الحضارة و أصل التاريخ” و “بلدنا مستهدف بسبب موقعه الاستراتيجي و تجربته الفريدة” لأنني أقسم لكم أنني سمعت هذا الكلام من شباب مصر وتونس واليمن والبحرين وعمان وسوريا، نفس الحكي بنفس الطريقة بنفس الكلمات و كأننا جميعا درسنا نفس المنهاج.

أضف إلى ذلك مئات قضايا الفساد التي لم تحل و لم يحاسب أصحابها و كلنا نعرفها، من أكبر وزارة لأصغر بلدية، واسطات ومحسوبيات وصفقات مشبوهة وبيعات أقل ما يقال عنها أنها غبية، قبل فترة فقط تم الإفراج عن شاهين المحكوم ثلاث سنين في قضية رشوة المصفاة لأنه مريض، بينما أقسم مواطنون أنهم كانوا يتوسلون مليون مرة حتى يدخلوا الدواء لمساجينهم و لم يقدروا، طبعا شاهين مفروض يتعالج برة ويرجع (وابقى قابلني!)

“الاجندات الشخصية”
طبعا نفس كلام مصر و تونس و ليبيا و اليمن… الأجندات الشخصية للمتظاهرين هي كذا و كذا…
طيب هؤلاء المتظاهرين أليسوا أردنيين، ألا يحق لهم أن يقولوا رأيهم؟ ولَا كل من يختلف معنا في الرأي فهو صاحب أجندات و عميل و مدفوع؟؟
و بعدين مسلسل التخوين إذا بدأ فلن ينتهي، فبكل بساطة يستطيع المتظاهرون أن يقولوا بأن من يعارضهم هم منافقون و أذيال و مدفوعين من السلطة! و بالتالي ما رح نخلص!
الي مبسوط بحياته يضل مبسوط، و الناس ظروفهم مختلفة و طموحاتهم مختلفة، و لكن على الجميع أن يدافع عن حق الكل بالتعبير عن رأيه، و لو من باب “أكلت يوم أكل الثور الأبيض”.

“اللي مش عاجبه يطلع”
هذا النوع من الخطاب موجود في كل بلاد الدنيا على فكرة، و الرد بسيط، على الجميع أن يفهم و يقتنع بأن الأصل في المواطنة هو حسن النية اتجاه الوطن، بمعنى أنا ومن يعارضني نريد مصلحة الوطن ولكن نختلف في الرؤية لتحقيق ذلك، ويبقى الحكم هو نظافة اليد وحسن السيرة للمتكلم، فالفاسد و المرتشي لا يستطيع التكلم عن مصلحة الوطن لا معارضة ولا موالاة.

المواطنة ليست حكرا على أحد، والتاريخ أثبت أن “السحيجة و المطبلين” هم الأخطر لأنهم معاهم معاهم عليهم عليهم، هذا هو نفسه الذي يصرخ على كل من ينتقد الوضع و يطلب الإصلاح، ثم يلتفت و يبصق على شارع الوطن نفسه! المواطنة ممارسة وعمل وليست سواليف.

“في ناس كبار ماسكين البلد و فاهمين اللي بعملوه”
المشكلة التي أراها فينا كشعوب عربية، ولسبب ما متأصل ربما في تاريخنا و شخصيتنا اللتين استعمرتهما دول عديدة، هي أننا نحب أهل السلطة، فيكفي أن يصبح فلان نائبا حتى يحول بين ليلة و ضحاها إلى إنسان مهم! مهما كانت القصص التي يتداولها الناس عنه، في نفس الوقت يتعاملون معه باحترام لأنه وزير أو مدير، والحقيقة هذه مصيبة، فالوزير موظف والنائب موظف والمسؤول العسكري موظف، و بالتالي لا فرق بينه و بين أي معلم في مدرسة صغيرة، وإلى أن نفهم ذلك سيبقى الناس يعتبرون الوزارة أو النيابة أو الادارة تشريفا وفرصة لممارسة التسلط و التكسب بدلا من أن يرتعب الناس و يفكروا ألف مرة قبل أن يقبلوا تحمل المسؤولية.
و هذا جزء من الإصلاحات، تساوي المواطنين يعني كل المواطنين، من هم في الحكومة ومن هم خارجها، و يعني بالضرورة أن يتحمل الكل مسؤوليته، و يفهم أن الشعب سوف يأكله إن أخطأ أو قصَر.

لا يجب أن تكون الشعوب خائفة من حكوماتها.
بل على الحكومات أن تخاف شعوبها.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية