نظام مأزوم؟

الإثنين 28 آذار 2011
تصوير سالم حسيني

عنف لفض اعتصام صغير، تشويه للحقائق، اتهامات عبثية وتوتر وارتباك على وجوه الناطقين الرسميين: النظام الاردني يثبت بأنه للأسف يواجه أزمة حقيقية.

في ردة فعل الاولى بعد الوصول إلى دوار الداخلية في حالة من الحزن والإحباط في أعقاب “تحرير الدوار”  اتفقت مع استنتاج نسيم الطراونة بأن الاردن قد يكون فعلاً غير جاهز للإصلاح وبأن هذا الشعب الذي أهانه صالح القلاب بادعائه أنه لم يصل إلى مرحلة وعي المواطن البريطاني في القرن الخامس عشر بعد فعلاً لا يريد الإصلاح، وبأن كل ما حاولنا استنتاجه بأن هذا الشعب المثقف والمتعلم أصبح جاهزاً لإصلاح نظام منتهي الصلاحية كان مجرد أوهام. فالسنوات الطويلة من التعبئة والتجهيل أفرزت جموعًا هائلة ممن ما زالوا مستمتعين بانتهاك حقوقهم وإعادة توزيع فتاتها عليهم بشكل اعطيات ومكرمات. مشاهد الاحتفال التي تلت “التحرير” التي إختلطت فيها هذه الجموع من حاملي الهراوات وأبطال الحجارة مع رجل الأمن بزيه الكامل الذي تعلوه حطة على الكتفين مع رجال مدنيين يحملون عصي مماثلة تماماً للتي يحملها رجال الأمن كانت مخيفة لدرجة جعلت فكرة “بلا إصلاح بلا زبالة” هي الفكرة الطاغية حتى لدى أكبر الواثقين من أن الانتقال التدريجي من نظام الحاكم الفردي إلى شكل أكثر عصرية هو مجرد مسألة وقت قصير. باختصار: إذا كان الاردن أقرب إلى النموذج الليبي أو اليمني منه إلى النموذج المصري أو التونسي (من ناحية القدرة على إحداث تغيير سلمي يحافظ على الرموز والانجازات مقابل الفوضى الكاملة) فلا يا عمي بلا إصلاح بلا بطيخ وخلينا على الأقل نحافظ على الوضع على ما هو عليه وبفرجها الله “من هون لخمسين سنة لحد ما نصير بني آدمين”.

لكن بعد زوال الشحنة العاطفية من الاحباط والخوف هناك ملاحظان سريعتان للبحث والنقاش:

١- أن الطريقة التي تعامل بها النظام مع الاعتصام والمظاهر التي تبعت فضه تهدف بشكل أساسي  إلى إجهاض الدعوات الإصلاحية
كان يمكن للأمن والدرك فض الاعتصام مساء الخميس أو حتى الجمعة بعد الصلاة، وبأقل الخسائر وباستعمال نفس الحجج والمبررات (سوء اختيار المكان أو تعطيل السير أو عدم سماح التعليمات بالمبيت، وغيرها من حجج لن تكون بأي حال أكثر سخافة مما سمعناه في المؤتمرات الصحفية). لكن الطريقة التي تم فيها التعامل مع الموقف بتحشيد طرف ضد أخر وخلق تمثيلية “الصدام بين طرفين من وجهتي نظر مختلفتين” ومن ثم القيام بفض الاعتصام (بدون أدنى درجات المهنية)  والاحتفال بذلك على مدى يومين تهدف إلى:

أ-خلق الانطباع  أن مقابل كل شخص يطالب بالاصلاح على خجل (أو حتى يستجديه من الحاكم) هناك ألف شخص إن لم يكن أكثر (بين مدني وأمني وما بينهما) مستعد أن يدافع عن الوضع القائم باستخدام كافة الوسائل وأقذرها. إذاً على هؤلاء الأقلية التي تطالب بالاصلاح أن “يقعدوا ويسكتوا” وإلا…فهم وما يطلبوه لا يمثلون الأردنيين. (تقزيم وتخويف).

ب – خلق الانطباع  بأن صوت الشتائم هو الصوت الحقيقي للاردنيين وبأن أبناء الأردن الحقيقيين هم هؤلاء من يقذفون الحجارة ويلوحون بالعصي والسكاكين وحتى المسدسات في شوارع عمان وبالتالي خلق قناعة بأن الاردن ما زال بعيدًا جداً عن التغيير لجهل ابناؤه وتخلفهم، وأن الحل كالعادة هو بوجود حاكم أوحد عاقل حكيم يستطيع السيطرة على هذا الشعب الغوغائي ويسبقه “بمراحل”، بحسب جملة الوزراء المفضلة والمجترة. (إحباط وقبول بالأمر الواقع).

٢- أن الطريقة التي تعامل بها النظام مع اعتصام صغير ومحاولة إجهاض المطالب تثبت أن هذه المطالب تخيف النظام

خلال الأشهر الماضية تعاملت الأصوات المطالبة بالاصلاح مع النظام باعتباره لا يعاني من أزمة: فهناك شبه اتفاق على ضرورة هذا الإصلاح وهناك اتفاق على خطواته وهناك نقاش مفتوح حول سقف هذا الإصلاح، وحتى ضرورة الإسراع بتنفيذه. مظاهر التعبير عن المطالبة بهذا الإصلاح سلمية للغاية سواء كانت على شكل تجمعات أو نقاشات وجميعها تطرح مطالب معقولة جداً، باستثناء بعض الأصوات الأكثر حماساً والتي عادة ما يتم إهمالها للتركيز على الاهداف المعقولة، لتحقيق إصلاح تدريجي. كل هذه الدعوات تطالب النظام بالأخذ بزمام المبادرة والقيام بالإصلاحات طوعياً  بمعزل عن أي ضغط ولما فيه خير البلد على المدى القصير والطويل . لكن طريقة فض الاعتصام وغيرها من أحداث على مدى الأسبوعين الماضيين (مسيرات الولاء، تغطيتها في التلفزيون، الإيعاز لبعض وسائل الاعلام بما يجوز ولا يجوز نشره…) تثبت أن هذه المطالب تخيف النظام، مما يفتح السؤال حول  إذا ما كانت هذه المطالب الإصلاحية تتعارض أصلا مع تكوين النظام وشكله. فحتى أبسط الاصلاحات (إصلاح التعليم وقانون إنتخاب يفرز مجلس قادر كأمثلة) قد تكون ذات نتائج تهدد النظام بشكله الحالي (مثلاً نظام تعليم يبني فكرة تقبل الآخر ومدارس حكومية لا يعلوها ثلاث صور ضخمة تحدق بالطالب كل صباح لن ينتج جموعًا من أبطال الحجارة تهتف للفساد وتطالب بحل الأحزاب)، ناهيك طبعاً عن الإصلاحات الدستورية ومكافحة الفساد مثلاً التي تهدد أركان النظام ومكاسبها. وإلا ما هو سبب هذا القلق والتوتر والتخبط في التعامل مع تجمع صغير، إلا إذا كان النظام يجد في مطالبه واسلوبه وتنوع فئات المشاركين فيه خطر حقيقي؟!

بالمحصلة، فإن المكاسب التي تحققت خلال الأشهر الماضية من رفع سقف الحوار وكسر الخطوط الحمراء والارتقاء بأساليب التعبير عن المطالب سواء من خلال اللقاءت العامة والاعتصامات الراقية هي إنجازات مهمة لن تنجح طريقة التعامل معها بعقلية الأحكام العرفية لا بإرهابها ولا بإجهاضها. وإذا كان الوقت غير مناسب لرفع سقف المطالب في هذه اللحظة، فإن أقل ما يمكن فعله هو التمسك بالمطالب وتجنب العودة إلى الوراء خوفاً وإحباطاً.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية