متى نطوي الصفحة؟

الثلاثاء 29 آذار 2011

بقلم لينا شنك

تصوير روان دعاس

تعقيبا على أحداث الجمعة، كان المذيع في برنامجه الصباحي يتحدث بلغة أقل ما توصف بأنها سوقية، كي نبتعد عن جو “البلطجية” قليلا، وكان يتحدث إلى نفسه ويفكر بصوت عال، يشتم ويخون المتظاهرين في دوار الداخلية، يصفهم بأنهم “مخنثون” و “خونة”، وحذرهم من المساس بدوار الداخلية وتحويله إلى ميدان تحرير آخر، ودعا من يريد الاعتصام إلى التجمع في “ساحة اللي خلف أبوه”!

شكرا.. عزيزي المسؤول الأردني، لست من المتظاهرين في ميدان جمال عبد الناصر، ولست من أتباع حركة هؤلاء الذين “يغطون على أهدافهم”، ولكنني مع الاصلاحات التي ينادون بها قلبا وقالبا، ويوم الجمعة لم تخاطب الاسلاميين عندما اتهمتهم “بجر البلاد إلى الفتنة” فقط، بل وجهت رسالة إلى كل أردني، فاسمح لي بأن أفسر الرسالة كما وصلتني والأسئلة التي لا زلت أحملها.

أتمنى من أي مسؤول أن يحمل موقفا مشرفا وهو على رأس عمله، أتمنى لو أن أحدا يخرج علينا ليخبرنا بما حدث والحقيقة الكاملة الآن ونحن في خضم الآحداث، وليس في قاعات المحاضرات التي يدعى اليها بعد استقالته من منصبه ويقول فيها الكلام الجريء ويسمي الأمور بمسمياتها! أتمنى أن نجد مسؤولا لا يستخف بعقول الناس ولا يتحدث من منبر التلفزيون الأردني وكأن الناس لا تستطيع ربط الأمور منطقيا! اذا كان المسؤولون الأردنيون يتهمون الجزيرة بأنها “مغرضة” ولها “غاية في نفس يعقوب”، ويتهمون وسائل اعلام أخرى بتضليل الناس وتضخيم أحداث “تحدث في كل مكان في العالم”، والمسؤولون أنفسهم لهم باع طويل في الكذب، والتلفزيون الأردني لا يهتم كثيرا بالأحداث لأن التحف الأندونسيية لها قيمة أعلى من قيمة أشخاص يضربون في بلدهم، فمن أين لنا بالحقيقة الكاملة؟

ثم انني لا أفهم موقف الحكومة من الاسلاميين، فبالرغم من أنني لست من أتباع الحركة الاسلامية ولكنني لا أجد فيها ما يرعبني وما تحاول الرسائل الحكومية ايصاله لي حتى أفضل الوضع الحالي على أن أكون في “غزة ثانية” وتجربة “حماسية” ثانية. وهذا ليس دفاعا عن الحركة الاسلامية، ولكنها فقط مجموعة من التساؤلات، فتارة، تعد الحركة الاسلامية بذراعها السياسي “حزبا أردنيا مرخصا” يعمل وفق القانون والدستور الأردني، وتارة هو “شريك في الحوار” ولا أقصد الحوار الأخير، وتارة “رقما لا يستهان به”، ومرة أخرى “ذات أهداف مخفية وأجندات مشبوهة وتحاول جر البلاد واستثارة مشاعر الناس بعواطفهم الدينية” وتارة هم الاسلاميون المكروهون لأنهم لا يهتمون بالشأن الداخلي وينصب جل اهتمامهم على القضايا الخارجية التي ينظمون لها الحوارات والمهرجانات، ومن ثم يتمنى منهم أحد المشككين بنواياهم أن يتظاهروا لأجل قضية محلية مثل ارتفاع الأسعار والحريات والفساد في الأردن وغيرها، ثم يعتصمون في الشارع (على افتراض أن المعتصمين من الاسلاميين) ولا يسمع لهم لأنهم “الاسلاميون”!

اذا كنا لا نريد أن نعترف أن حركة 24 آذار ضمت اليسار والاسلاميين والمستقلين وأولئك الذين وصفوا بأنهم “لا يفقهون شيئا في السياسة”، فلنتفق بأنهم اسلاميون، فعلى الأقل، هناك نظرية، وإن كان البعض يعتبرها سطحية، تشير إلى أن الأفراد عادة ما يلجؤون للدين بسبب الاحباط، وعند الحديث للشبان المنضمين للحركة الاسلامية، فإن العديد منهم تحدث في تقارير صحفية عن “سر” انضمامهم للحركة وقالوا بأنها توفر لهم احساسا بالمساواة والعدالة لا يجدونه خارج اطار الحركة الاسلامية، واذا عرف “السر”، فإن الوصفة ليست سحرية، اذا كان انضمامهم للحركة الاسلامية لا يعجب البعض وهو الذريعة التي تعطل الاصلاح، فليعمل على تحقيق المساواة ولينافس الاسلاميين في جذب الولاء! على سذاجة الوصفة، ولكنها تقدم حلا سريعا.

واذا كان المسؤول لا يريد التحاور مع الشباب لأنهم “غير ناضجين ” سياسيا، فإنني أتساءل ان كانت سذاجتنا السياسية هي ذنبنا نحن فقط، فمدارسنا لا تعلمنا شيئا عن السياسة المحلية، ودستورنا نتعرف عليه الآن على المواقع الالكترونية وعلى “الروابط المفيدة”، مناهجنا تخلو من تاريخنا الذي يحكى كما هو، وتخلو من معلومات دقيقة حول أهم الأحداث التي مرت بها بلدنا، وجامعاتنا تحرم العمل السياسي والحزبي، وذاك الذي يروج لأفكار سياسية يعامل على قدم المساواة مع الذي “يروج لأفكار عنصرية” بحسب أنظمة التأديب المعمول بها في الجامعات، واعلامنا شريك في تضليلنا بأفكار منها ما لا يمت للحقيقة بصلة، ثم نتوقع أن ينشأ “جيل واعي سياسيا” وقادر على “ادارة الحوار” مع الدولة! على فرض أن بعض المعتصمين ليسوا أكفاء للدخول في حوار، وهو افتراض يظلم الأردن قبل أن يظلم الواعين والمثقفين، فهلا بدأنا بتغيير المناهج في المدارس واصلاح جامعاتنا واعلامنا لنخلق جيلا “ناضجا” بعد سنوات؟

ثم نأتي على “البعبع الأكبر” وهو ما يسمى بـ”الوطن البديل” الذي يفترض أنه “دفن يوم معاهدة وادي عربة” بحسب مروجي اتفاقية السلام، ويفترض أنه “غير موجود في قاموس الأردنيين” ويفترض أن الأردن “أقوى من أن يفرض عليها الحل” ولكنه ما يزال يطل برأسه في كل مرة يتفوه أي مواطن بكلمة “اصلاح”! اليوم هو ليس يوم “اثارة الفتن والنعرات”، وقد قيل لي مرارا بألا أتحدث في موضوع “الهوية” وحقوقي “المنقوصة” لأنها تجرنا إلى المزيد من الخلافات بينما نحن في أمس الحاجة إلى نقطة التقاء، ولكن الحدث الأخير أثبت أننا يجب أن نجيب عن الأسئلة التي تؤرقنا الآن حتى لا تستخدم كورقة تعطيل للاصلاح، وحتى لا تستخدم أيام الجمعة لتفسد ما نصنعه خلال الأسبوع.

ما معنى أن تأتي جماعة، ولا أوجه اتهاما لأي جهة، وتهب للدفاع عن الأردن من الاصلاح الذي يؤدي إلى “الوطن البديل”؟ ما معنى أن تهب ذات الجماعة وتتصرف وتقول بأنها “تحمي الأردن من أيلول أسود ثاني”؟

ألا يستحق كل ذلك من المسؤولين الأردنيين التعليق على الموضوع؟ لم لا يخرج علينا جميعا مسؤول يقنع الطرفين؟ ببساطة، فإما أن ننتهي من المساحة الرمادية التي تخلقها تصريحات المسؤولين المتناقضة أو نعترف بأنها خلقت لتكون ذريعة.

إما أن يقول المسؤول للجماعة التي تعتبرني خائنة أن رقمي الوطني يكفي وأن حقوقي الدستورية مكفولة، وإما أن يتوجه لي بالقول بصراحة، “والله لم أعن ما قلت عن المساواة، الوحدة الوطنية ليست كما فهمتي”، أو أن يقول مثلا، “أعزائي، الأردن للجميع، والمساواة لا تعني الوطن البديل” أو أن يقول “الاصلاح في الأردن هو الوطن البديل، ولذلك لن نسير فيه، فوفروا الجهد والوقت وأرواحكم بعد هذا الحادث”! اليوم، ليس هناك متسع للمنطقة الرمادية.

عزيزي المسؤول، أنا لست من الاسلاميين، وان كنت لا اعتبرها تهمة، ولست من المعتصمين أساسا، لأن أفكار أجدادنا الأوائل لا تزال عالقة في أذهاننا ولا زلنا لا نجد ما يدحضها، ولست من “مروجي الفتنة”، وقد آلمني جدا أن أسمع نشرات الأخبار تبدأ بخبر “مقتل مواطن وجرح العشرات في الأردن”، آلمني أن يخيل لي بأنني أسمع عن بلد آخر ولكن الحادث على بعد أميال فقط من منزلي. يؤلمني أن يهتف البعض لخروجي من بلدي، ويؤلمني أن أضطر في كل يوم لتكرار ذات العبارة وأن أقسم بأنني لا أريد إلا الخير للأردن للرد على من يشكك بانتمائي.

عزيزي المسؤول، كل ما أريد هو أن أجد عدالة أكبر في كل المحافظات وليس عمان فقط، في التعليم، في الخدمات، في الحريات والتمثيل السياسي. أريد أن أرى الأردن وقد انتهى من مرحلة المقارنة مع الدول “الأسوأ” في سجل الحريات وقطع شوطا باتجاه أن يكون “نموذجا” حقيقيا، حيث لا يخاف أكثر من 75 % من المواطنين من انتقاد الحكومة علنا بحسب استطلاعات الديمقراطية الصادرة عن مركز الدراسات الاستراتيجية، ولا يشعر 44 % منهم بأن مبدأ المساواة في الحقوق غير مصان بحسب المركز الوطني لحقوق الانسان، وكلها أرقام معتمدة رسميا ولا أظنها تعبر عن أجندات خارجية! أريد أن أرى الناس تعبر عن رأيها في مالها العام، وتشارك في تحديد الأولويات حتى لا تصرف مئات الألوف ( حتى لا أقول ملايين) على مشاريع ثم يعلق أحد المواطنين بالقول “طب صلحوا جهاز التصوير اللي معطل في المستشفى صارله أشهر بالأول”.

عزيزي المسؤول، متى نطوي الصفحة؟

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية