سلطانة

الخميس 28 نيسان 2011

بقلم مياسي /

ملاحظة: هذا المراجعة قائمة على رؤيتي الشخصية وآراء أخرى جماعية أدلى بها أعضاء نادي إنكتاب.

من لقاء انكتاب لمناقشة سلطانة

“تتحدث بنات جيلها عن سلطانة قبل أن تبلغ الرابعة عشرة من عمرها. كان أبوها دائما مريضا، ولم يكن لها أخ يردعها، ويلزمها البيت، فكانت تفعل ما تشاء. تذهب مع الصبية، لتصطاد العصافير، وكان لها فخ مصنوع من أصلاك معدنية، مثل بقية الصبية، تنصبه مغرية العصافير بحبة قمح إذا اقترب العصفور وانفلت السلك نصف الدائري، وضغط عنق العصفور. وعلى الفور تقوم سلطانة بخلع رأسه عن رقبته وشويه على نار تشعلها في المكان ذاته”.

قد تلخص الفقرة السابقة جل ما ترمي إليه رواية سلطانة للكاتب الأردني غالب هلسا، فسلطانة هي الأنثى التي ترعرعت دون رقابة أبوية أو ذكورية فكان لها أن تنطلق متحررة دون حواجز أو حدود.

سلطانة هي رواية تتقاطع شخوصها في أماكن وأزمنة مختلفة، بين حياة القرية البسيطة المركبة في آن معا والتي تحمل براءة وخبثا ساذجا لا يرقى إلى ذلك الذي تمارسه المدينة في وقاحة على قاطنيها. فشخصية جريس التي تفتتح بها الرواية – وهو يرمز إلى غالب نفسه فيما يشبه سردا للسيرة الذاتية-تتنازعها أهواء ورغبات وطهرانية تجاه المرأة وأخرى جسدية وحسية، فالمرأة أما وحبيبة وراعية ومومسا تظهر في جميع خطوط الرواية مما يحيلنا إلى سؤال بخصوص هوس الراوي بالمرأة، وهو سؤال أجاب عنه أحد الحاضرين بقوله: إن جريس يمثل فكرة الرجل الشرقي والأردني خصوصا تجاه الأنثى، فهي إما حبيبة أفلاطونية –ترتفع عن كونها موضوعا جنسيا- أو عاهرة ولا غير ذلك.

جريس يدرس في عمان الأربعينات ويعود إلى قريته في أيام الإجازة، يحكي لنا غالب على لسان شخصيا روايته أحداثا مرت بها المدينة التي كانت تتشكل شيئا فشيئا أيامها، ونشاطا يقوم به الشباب وحركة سياسية نشطة تتمثل في انضمام جريس للحزب الشيوعي وحذر المنتسبين إليه وفلسفات وتنظيرات الحزب ومفكريه,
بين أم جريس وأمه الروحية آمنة التي تفرد لها الرواية جزءا لا بأس به ولهوس جريس العفيف بها-وهي المسلمة التي تدلل علاقتها بأم جريس على سمو العلاقات الإنسانية التي لا تخضع لعوامل دينية أو طائفية- وحتى فتيات وبنات القرية اللواتي يمكن أن نصفهن بأنهن يصلحن ليكنّ موضوع حب متجدد لدى جريس، فهو يشبه شبابا كثر يظنون بأنفسهم الحب حين تقع أعينهم على فتيات جدد أو حين تبتسم إحداهن خجلى أو في جرأة.

وإذن من هي سلطانة؟
يقول البعض أن سلطانة في الرواية كانت رمزا للبلد أو الأرض فسلطانة هي الأردن. هي البلد التي بدأت حرة ودون قيود لتنتهي آسفة مستغلة لأوضاع أخرى-وهو ما تصفه خيبة أمل جريس بها حين تأتيه مجلة من البلاد فيرى حبيبة الأمس وقد تحولت إلى امرأة أعمال تتحدث عن دعم الآخرين من غرب النهر لتتاجر بالقضية، سلطانة وجميع الشخصيات النسائية في الرواية عموما تمثل الشخصية الإيجابية القوية، هن شخصيات ذوات بأس فلا ترى بينهن شخصية مقموعة أو مستكينة، على رأسهن تأتي سلطانة التي لم يقيدها أب ولا أخ فكانت رمزا.

رأى البعض في الرواية وصفا ممطوطا ومملا في بعض الأحيان فقد عني هلسا بالتفاصيل الدقيقة إلى أبعد حد، غير أني استمتعت بوصفه للقرية وحياتها ومدى الحرية الني كان يحياها الفلاحون-وهو وصف لطالما سمعته من كبار السن حولي- فحياة القرية لمن لم يعشها لا تخلو من حرية وانفتاح فرضتها ظروف العمل في الأرض والفلاحة والمرابعة وما غير ذلك، فالمرأة في مثل هذا المجتمع هي عنصر عامل وفرد يضاف إلى آلة الإنتاج لا عنصر تكريم وتغليف.
وفي القرية، نجد أيضا بدوا يوفر لنا غالب شرحا لأصول بعضهم ومصطلحاتهم وحياتهم وتقاليدهم، ولا يمكن أن نغفل العلاقة المسيحية المسلمة في الرواية، فجريس مسيحي وسلطانة كذلك، غير أن أبا سلطانة الطبيعي مسلم وأختها آمنة أيضا. وقد كان هذا السرد الذي تطرق أيضا لبعض العادات المسيحية ولقصة الخوري صليبا الذي ابتدأ حياته سرسري ومن ثم نصب نفسه خوريا بالغصب ولكنه لا يتورع عن مطاردة النساء وإقامة العلاقات ولوم الأرثوذكس على مصائب القرية والبلد، وهو لوم يتكرر أيضا في ذكر أهل القرية للفلسطينيين الذي سيسخط الله أهل البلد بسببهم وبسبب انفتاحهم –ونلاحظ هنا سياسة تحميل الذنب لشخص ما في النهاية.

تمضي علاقات سلطانة برجالها غير وجلة ابتداء من الخوري ومرورا بجريس وهي العلاقة التي شابها لبس فكانت غير واضحة تماما وانتهاء بالشيخ- في رمز واضح لمرحلة جديدة وصلتها سلطانة-تنتقل سلطانة إلى المدينة عمان وتبني بيتا في جبل اللويبده وتعمل في تهريب الماس والحشيش إلى إسرائيل!., وتشوب علاقة سلطانة بابنتها أميرة غيرة وتنافس.

سلطانة قصة عن مجتمع يبشر بقدوم المرأة أو يتمنى ذلك، عن مجتمع كان ذا وجود قبل أن تأتي الإمارة، وليس بمجتمع قامت الإمارة بتأسيسه، لقد تذكرت حينها مقولة اليهود التاريخية عن فلسطين:
“أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”، غير أن الشعب الأردني كان هناك، إلا أن هناك من قد نسي أو تناسى أن يذكر ذلك!.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية