في مقاومة التطبيع… وليس في إنكار الواقع

الأربعاء 20 نيسان 2011

مسرح البلد – إن الثورات العربية المعاصرة إن علمتنا شيئا فهو أن الشعوب العربية، ككل شعوب العالم، تطالب بالعدالة الاجتماعية، والمشاركة الشعبية في صياغة السياسات وبناء المجتمع، وبحكم القانون. مع ذلك، ما زلنا نجد من بيننا من يستخدم اسم الشعوب والمشاعر الوطنية، دون أن يكون منتخبا منها أو مشركا لها في حواراته، ليقوم بالتغوّل على النشطاء الثقافيين باستخدام فزاعة “التطبيع” دونما تبرير أو مسوغ.

فعلى خلفية أسبوع “أرض وكرامة” الذي نظمه مجموعة من الشباب والشابات الأردنيين الملتزمين بالقضية الوطنية بالشراكة مع مسرح البلد ومؤسسات أخرى، أصدرت ما يسمى باللجنة التنفيذية العليا لحماية الوطن ومجابهة التطبيع بيانا اتهمت فيه منظمي هذا الأسبوع ومسرح البلد بالتطبيع، دون التطرق إلى تعريف التطبيع ومسوغاته، ودون النظر إلى الهدف من هذا الأسبوع والخلفية الوطنية لمنظميه، أفرادا ومؤسسات. وفي البداية تركز هجوم اللجنة، وبعض المحرّضين ممن استقووا بها، على “عناوين” بعض الندوات وعلى دعوة السيدة حنين الزعبي للمشاركة في حوار خلال الأسبوع، وكون مسرح البلد شريكا “مطبّعا” لأنه يحظى بتمويل من الاتحاد الأوروبي ومن السويد، ومن ثم، حين واجههم الشباب بأن كل ذلك لا ينضوي تحت تعريف التطبيع، لم يبق لديهم سوى أن ينادوا باسم “مسرح البلد” وكأن الاسم لوحده كفيل بأن يقنع الناس بأنه التطبيع بعينه. ويغيب عن هذه اللجنة التاريخ الوطني لمسرح البلد والقائمين عليه، ويغيب عنها الإشارة إلى تعريف ومعنى ومفهوم التطبيع لأنهم لو قاموا بذلك لتبين أنه لا ينطبق على أي من الأمور المذكورة أعلاه (والمشار إليها في بيان اللجنة) كما لا ينطبق على رؤية أو توجه أو نشاطات مسرح البلد.

فحسب تعريف الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل: “التطبيع هو المشاركة في أي مشروع أو مبادرة أو نشاط، محلي أو دولي، مصمم خصيصا للجمع (سواء بشكل مباشر أو غير مباشر) بين فلسطينيين (و/أو عرب) وإسرائيليين (أفرادا كانوا أم مؤسسات) ولا يهدف صراحة إلى مقاومة أو فضح الاحتلال وكل أشكال التمييز والاضطهاد الممارس على الشعب الفلسطيني. وأهم أشكال التطبيع هي تلك النشاطات التي تهدف إلى التعاون العلمي أو الفني أو المهني أو النسوي أو الشبابي، أو إلى إزالة الحواجز النفسية. ويستثنى من ذلك المنتديات والمحافل الدولية التي تعقد خارج الوطن العربي، كالمؤتمرات أو المهرجانات أو المعارض التي يشترك فيها إسرائيليون إلى جانب مشاركين دوليين، ولا تهدف إلى جمع الفلسطينيين أو العرب بالإسرائيليين، بالإضافة إلى المناظرات العامة. كما تستثنى من ذلك حالات الطوارئ القصوى المتعلقة بالحفاظ على الحياة البشرية، كانتشار وباء أو حدوث كارثة طبيعية أو بيئية تستوجب التعاون الفلسطيني-الإسرائيلي.”
أما لجنة مقاومة التطبيع في مجمع النقابات المهنية فتعرف التطبيع بما يلي:” كل فكر أو قول أو فعل أو عمل اختياري أو صمت أو قبول لفكر أو قول أو فعل أو عمل يؤدي إلى أو يعمل على إزالة حالة العداء مع المحتل الصهيوني الدخيل”.

ومن الواضح أن كلا التعريفين لا ينطبق على الأنشطة العربية- العربية ومن المستحيل أن ينطبق هذا على الفلسطينيين الذين يعيشون داخل الخط الأخضر لأنه يعني أن يمحوا أنفسهم عن الوجود أو أن يتركوا بلادهم ويهاجروا إلى بلد آخر يتمكنوا فيه من الامتناع عن التطبيع.

يبدو إذا مما سبق أن اللجنة لديها منطق خاص في تعريفها للتطبيع، إذ نجد أنها لا تتطرق أبدا في أي من بياناتها إلى التطبيع “الحقيقي” المشار إليه أعلاه، بل تستخدمه ذريعة لفرض رقابتها على كل نشاط ثقافي وطني: أولا: فرض رقابة على الحوار الداخلي (انتقاد العناوين والمواضيع بغض النظر عن المضمون)، وثانيا فرض حظر على كافة الفلسطينيين الصامدين في فلسطين التاريخية من الحوار مع الفلسطينيين والعرب، وثالثا فرض حظر على التعامل مع كل المؤسسات التي تحظى بتمويل أوروبي (وهذا يمكن أن يشمل كافة مؤسسات الدولة وبشكل خاص التعليم الرسمي ومنشآت البنية التحتية وعلى كافة خريجي الجامعات الأوروبية الذين تمكنوا من الدراسة بمنح من الدول الأوروبية!) إنه لمن المستغرب أن تختار اللجنة التمويل الأجنبي كمسبب لتهمة التطبيع (مع أنه لا يرد في اي تعريف للتطبيع)، والأوروبي تحديدا وليس الأمريكي، بينما من المعروف أن أمريكا هي التي تقدم الدعم الأكبر لإسرائيل (ماليا ومعنويا). أما مواقف السويد تحديدا من القضية الفلسطينية فهي مواقف متقدمة ومشهود لها في دعم الصمود الفلسطيني ومؤسساته الثقافية. ومن المستغرب أيضا ان اللجنة لا تعرف الفرق بين وكالات التنمية الحكومية والمؤسسات الأهلية، ولا تعرف أن المؤسسة الوطنية تستطيع أن تحافظ على استقلاليتها ووطنيتها حين لا تقبل التمويل المشروط وتضع برامجها بناء على أولوياتها المجتمعية والثقافية بغض النظر عن التمويل المتاح. إن من يعرف مسرح البلد يعي بأنه قائم على جهود متطوعيه ودعم جمهوره، ولم يقبل أي تمويل مشروط ولم يرفض يوما تمويلا أردنيا ً أوعربيا ليأخذ تمويلا أجنبيا. لكن اللجنة ليست معنية بالحقائق لأنها لم تسأل ولم تستفسر بل سارت وراء المحرضين الذين يمتهنون رمي الحجارة على المبادرين الشرفاء، وتقمصت شخصية الحاكم المستبد، فاتهمت، وحاكمت غيابيا، وأصدرت الحكم بالإدانة.

إن الواقع الذي لا يقبل الجدل هو أن مسرح البلد مؤسسة ثقافية وطنية لها مبادئ إنسانية راسخة وتعبر عن التزام عال بكافة القضايا الوطنية والإقليمية والعربية والعالمية، وتقوم بعملها بكل شفافية وديمقراطية معبرة عن قيم إنسانية عريقة، وتهدف إلى تقديم فضاء ثقافي مستقل يقوم على ممارسة المقاومة الثقافية المرتكزة على احترام التنوع والتعددية وحرية التعبير منطلقين من قناعة بوحدة الأرض الفلسطينية كاملة والشعب الفلسطيني في مشروع التحرر الوطني ومواجهته للاحتلال وتثبيت حق العودة وكافة الحقوق الثابتة والمشروعة للشعب الفلسطيني في كل انحاء العالم. ولن نسمح لأي جهة كانت ان تزاود علينا في وطنيتنا، وستبقى أيدينا مفتوحة لكل التيارات الوطنية الاردنية والعربية والعالمية، رافضين ان نزج في زاوية تحت مسمى ” التطبيع ” في وقت علينا ان نحاسب انفسنا جميعا على تأخير مشروع الحرية والمواطنة والتعددية والديمقراطية في كل أنحاء الوطن العربي وفي فلسطين العزيزة الغالية على قلوب الأردنيين والعرب أجمعين . إن أي إنكار لهذه الحقائق لن يتعدى كونه آلية دفاعية يستخدمها الشخص حين لا يستطيع قبول واقع فيرفضه ويرفض الاعتراف به حتى لو كانت كل الأدلة والمؤشرات التي لا تقبل الجدل تؤكد على هذا الواقع. وفي هذه الحالة، فما على المريض إلا السعي وراء العلاج، وما علينا سوى الاستمرار في العمل والبناء.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية