حجارة و"موالاة" ومعارضة

الإثنين 04 نيسان 2011

ياسر قبيلات

يبدو أن الأحداث في غير ما بلد عربي، في الأردن واليمن وغيرها، انحرفت عن مسارها بعض الشيء؛ وبات الاستقطاب في الشارع يتجه نحو تصنيف لقوى المجتمع بين قطبي: “موالاة” و”معارضة”، في حين يجري تصوير “الموالاة” معسكراً يمثل الانتماء وينتصر للوطن، فيما يتم تقديم “المعارضة” باعتبارها تمثل “أجندات غامضة”، والمقصود خارجية.

وفي منتصف الطريق تضيع مطالب الإصلاح، التي يفترض أن يلتف الجميع حولها، وأنها تصب في صالح الوطن بمجمله: شعباً ودولة؛ فهي لا تمنح حقوقاً وحسب، بل وتجدد دماء النظام السياسي كذلك.

وهذا مؤشر على التخريب الذي تعرضت له الحركة الاحتجاجية، من خارجها، وتحديداً من قوى الشد العكسي المقاومة للإصلاح والتغيير، ومن بعض قوى المعارضة التي ثبت أن لديها ميلاً للانشداد وراء القوى الأولى؛ وهو التخريب الذي لم تتمكن من تحقيقه كتائب البلطجة المدججة بالحجارة والسكاكين في بعض البلدان والجمال والخيول في بلدان أخرى!

هذا الاستقطاب بين “موالاة” و”معارضة” مثير للانتباه، ويستدعي التأمل العلمي والتمحيص؛ فهو يعطي انطباعاً بأننا إزاء لاعبين سياسيين يقفان على قدم المساواة والندية إزاء بعضهما البعض في منظومة الحكم.

والواقع، أن الذي يقف في الطرف الآخر من “المعارضة” (أي معارضة) هي الحكومة القائمة. أما “الموالاة” فلا يمكن فهمها إلا على أحد وجهين:

الأول؛ قوى مناصرة، أو مجرد أنصار. وهم بالتالي ممثلون حكماً بالحكومة القائمة، أو قابلون بتمثيلها لهم؛ وعليه، فهم جزء من طرف سياسي موجود، وليسوا طرفاً في حد ذاته.

الثاني؛ حالة من التأييد للحكومة القائمة من قبل فئات اجتماعية وتكون بالعادة ذات طابع أخلاقي (حالة معنوية)؛ وهي بهذا المعنى كذلك ليست لاعباً سياسياً، وليست كياناً مستقلاً، بل مجرد حالة معنوية تؤشر على مدى شعبية الحكومة القائمة.

من المفروغ منه أن المنطق السليم لا يتيح للحكومة القائمة (لكونها حكومة قائمة) اللجوء إلى الأساليب الاحتجاجية، وأن هذه الأساليب هي من أدوات “المعارضة” وفئات الشعب التي لا تمتلك القرار، ولكنها تمتلك الحق (كامل الحق) في التأثير فيه.

ومن المفروغ منه، كذلك، أن ما ينطبق على الحكومة في هذا المضمار ينطبق كذلك على “الموالاة”، التي تمسك بالقرار من خلال الحكومة القائمة، ومن خلال تأييدها لهذه الأخيرة.

وبناء على ذلك، فإن نزول “الموالاة” لشارع الفعل السياسي في مظهر احتجاجي باعتبارها جمهوراً وكياناً سياسياً، يشي بالكثير؛ وفي صدارة معاني ذلك أن الحكومة القائمة تقر بأنها حكومة فئوية ولا تمثل أغلبية مريحة، وأنها تعاني مشكلة في شرعيتها الشعبية وتفتقر إلى الغطاء الأخلاقي المقنع.

ومن الملاحظ أن “الموالاة” تنزل إلى ساحة الفعل الاحتجاجي، عموماً، بعد زخم احتجاجي لقوى “المعارضة”، سواء كانت أحزاباً أم فئات شعبية غير مؤطرة تنظيمياً. وأنها تهتف بالعادة بشعارات تناقض شارعاً احتجاجياً بعينه (شارع المعارضة) في ردة فعل مباشرة على زخمه؛ وبذلك، فإن هذا الفعل الاحتجاجي، بالنظر لطبيعة “القوة” التي تقوم به ولطبيعة ارتباطها بالحكومة القائمة، لا يعدو كونه فعلاً قمعياً يرتدي لبوساً شعبياً وجماهيرياً مزيفاً.

ومن المؤكد أنه من غير المقبول أخلاقياً وسياسياً أن تلجأ حكومة ما إلى استخدام شعبيتها، إن وجدت، في قمع وتهميش القوى “المعارضة”؛ إذ يفترض أن هذه الأخيرة جزء من منظومة الحكم. ولكننا نعرف أن الأنظمة المشوهة تقصي “المعارضة” من منظومة الحكم، وتستبدلها بـ”الموالاة”.

الملاحظة الأكثر أهمية، في هذا السياق، أن لجوء الحكومة القائمة لتحويل الموالاة إلى جندرمة سياسية، يعني دون أدنى شك أنها لم تعد تستند إلى إجماع وطني، وهو ما يفضي بها إلى الاستقواء بجزء من شعبها على جزء آخر. وحينما يكون هذا الجزء الآخر رافعاً راية الإصلاح والتغيير، فإن الحكومة القائمة لا تستطيع أن تدعي أنها جزء من قوى الإصلاح.

والحقيقة، أن الحكومة القائمة تكون بذلك قد حسمت موقفها ضد الإصلاح؛ وإذا كانت الحصافة السياسية تدفعها باتجاه تبني شعارات إصلاحية، فإنها كما يمكن يبدو ظاهراً ستوجه جهدها نحو تقنين شعاراته، ووضع سقف له، والبحث عن آليات تسحب الولاية على هذا المطلب الشعبي من الشارع و”المعارضة” إلى أروقة المؤسسات المسيطر عليها.

ومن الواضح هنا أن هذا المسعى لا يحترم المشاركة، ولا يعترف بها كحق اجتماعي عام، ويتجاهل الحالة الشعبية التي أفضت إلى رفع هذا المطلب، ويفرغه من شموليته، ويحوله من عملية توافق اجتماعي إلى مجرد إجراء بيروقراطي بسقف حكومي، يتم إقراره بالمؤسسات غير الشعبية.

ولا بد، في الختام، من التأكيد أن لجوء الحكومة القائمة لتحويل الموالاة إلى جندرمة سياسية، يعني أنها غير قادرة على التعامل مع “خصومها” وشعبها بالوسائل الديمقراطية، ووصلت إلى قرار بالمواجهة الصدامية؛ لذا فهي تتوسل أذرعاً قادرة على تجاوز الأعراف الديمقراطية والقانون على حد سواء في إدارة تلك المواجهة الصدامية.

ومن هنا، يمكن فهم لماذا تنتهي أغلب الحالات المماثلة في استخدام “الموالاة” وإنزالها في الشارع الاحتجاجي بالعنف المفتوح، ولماذا يتم رصد تواطؤ أمني وحكومي مع الفئة المعتدية، التي تكون بالعادة قوى تحمل راية “الموالاة”.

وبالمحصلة، فإنه لا يمكن اعتبار هذا العنف تطوراً عارضاً حملته المصادفة السيئة؛ بل هو مقصود، يستهدف حسم معركة الإصلاح من خلال تهويل كلفتها وثمنها، ويهدف إلى سحب ملفه من الشارع وشطب المشاركة الشعبية في تحديد معالمه، وتحويله نهائياً إلى الأدراج الحكومية.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية