الاصلاح في الاردن حتمي، من يدفع لرفع الكلفة

الأحد 24 نيسان 2011

في ظل الحراك القائم هذه الايام على وقع الاحداث الاقليمية التي ادت الى صحوة الشعوب العربية ورغبتها الجارفة في استعادة حقها في ادارة شؤونها باعتبارها هي مصدر السلطات، نجد اننا في الاردن نمر في لحظات متميزة ظهرت فيها ارادة شعبية جماعية للتغيير والاصلاح، ومستوى عال من الفهم العميق لاسباب الخلل وتنبه الى عدم جواز الانجرار الى تفصيلات وامور اجرائية هي على اهميتها لا تحقق التغيير المطلوب، مما جعلنا نطالب باصلاح حقيقي يختلف عن ما حدث في الاقليم لكونه لا يدعو الى اسقاط النظام بل يتناول الاصلاح من داخل النظام مما يجعله، او من المفترض ان يجعله، اقل كلفة، فكانت المطالب بالاصلاح الدستوري لمعالجة التشوهات التي افرزتها التعديلات التي جرت على دستور 1952والتي ادت بالنتيجة الى اختلال التوازن ما بين سلطات الدولة وتركزها في يد السلطة التنفيذية وانفرادها في الحكم بسلطة مطلقة ادت وتؤدي بشكل تلقائي الى الفساد والافساد فكان الوضوح في مطلب العودة عن تلك التعديلات والبحث في تعديلات اخرى تضمن المحكمة الدستورية ورد صلاحيات محاكمة الوزراء والفصل في صحة نيابة اعضاء مجلس النواب إلى القضاء النظامي، و من ثم سن قانون انتخاب وفقا لاسس عادلة تضمن تمثيل حقيقي عادل يسير بشكل متواز مع قانون احزاب عصري.

وبالرغم من ان المسيرات التي انطلقت في معظم محافظات المملكة للمطالبة بالاصلاح الدستوري قد اسقطت حكومة الرفاعي المرفوضة شعبيا، فان مجيء حكومة اخرى ارتبط اسم رئيسها بتزوير الانتخابات النيابية والبلدية في عام 2007 قد ساهم في زيادة القناعة لدى الناس باهمية الاصلاح الدستوري، ولا سيما عندما دافع البخيت عن حكومته السابقة بانه لم يكن على علم بتزوير الانتخابات، فاختصر على الناس فهم قاعدة تلازم السلطة والمسؤولية، مماجعلهم يستمرون في التظاهر والعمل في سبيل تطبيقها، فالدستور يخضع الحكومة للمساءلة عن ادارة جميع شؤون الدولة بصفتها صاحبة الولاية العامة ولكن هذه الجهة الخاضعة للمسؤولية بعيدة عن اتخاذ القرار فمن هو المسؤول! وكيف يسود القانون في الدولة في غياب المحاسبة؟ فكانت هذه الحكومة بمثابة نعمة للمطالبين في الاصلاح في اثبات ان الاصلاح الحقيقي هوالاصلاح الدستوري الذي يعيد الصلاحيات الاصيلة للسلطتين التشريعية والقضائية في ممارسة دورهما في الرقابة على اعمال الحكومة، وبنفس الوقت يعيد الاعتبار للحكومات المستندة الى ارادة الشعب باعتبارها افرازا لانتخابات مجلس النواب ويجعل الاجهزة الامنية تابعة لها وليس العكس ولا يعود هناك رئيس حكومة لا يعرف!

ولان هذه الاصلاحات تضر بمصالح قوى عديدة متنفذة شكلت ما يسمى التحالف القائم ما بين السلطة والمال والتي ترغب في بقاء الوضع القائم لضمان استمرار نفوذها وسلطتها وتوارثها للمناصب وثرائها على حساب الشعب، والتي ارعبها وعي الشعب ومطالبه الاصلاحية وارعبها اكثر التطور النوعي للحراك من مسيرات الجمعة الاعتيادية الى اعتصام دوار الداخلية او ماسمي حركة 24 اذار، ان اهمية هذه الحركة لم يكن في عددها او محتواها فهي بدأت بذات قوى المعارضة التقليدية المعروفة بالاضافة الى بعض فئات الحراك الشبابي غير المنظم،ولم تكن خطيئتها في التوقيت او اختيار المكان، بل كان في ما تعنيه من امكانية ايجاد ارضية لتطور نوعي للحراك الذي كان وما زال نخبويا الى حراك شعبي يتجاوز الخلافات والانقسامات وتختلط مكونات الشعب ليتكلموا لغة واحدة مفادها ان الانقسام وهم وان الخصم الحقيقي هو الفساد بمختلف تصنيفاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والفساد لا يعرف اصلا ولا منبتا ولا دينا. والتحالفات الحتمية هي بالضرورة شبه طبقية وليست جغرافية او مناطقية، وان وهم التنافس بين الاصول الشرق اردنية والاصول الفلسطينية على كعكة الوطن هو كذبة كبيرة، فالكعكة تباع وتشترى يوميا لصالح الفاسدين من الاصول المختلفة. ولان مجرد احتمالية حصول هذا التطور يشكل كابوسا لهذه القوى، مما دفعها لاستخدام جميع الاسلحة الممكنة لافشال الحراك لان اي تأخر سيؤدي الى انتهاء صلاحية تلك الاسلحة، فبدأت اثارة النعرات وتجييش الاطراف ضد بعضهامن خلال عملية اعلامية امنية ممنهجة في اخراج كل بعبع ممكن لاخافة الناس، ووضع الاصلاح في مواجهة الامن. واوهموا الكثيرين ان المطالبين بالاصلاح هم ضد الملك واشاعوا ان وجود حكومة برلمانية تتلازم سلطتها مع مسؤوليتها امام مجلس نواب وسلطة قضائية تفرض رقابتها على الجميع يعني وطن بديل يحكم فيه ذوي الاصول الفلسطينية او سيطرة الاسلاميين الى ما هنالك من فزاعات لاخفاء رعبهم الحقيقي من اصلاح يجردهم من مكاسبهم.

واستمرارا في سياسة التشويه المنظم لكل من يطالب بالاصلاح كان اعتصام السلفيين التكفيريين في الزرقاء والتركيز الاعلامي على مناظر السيوف المقززة لمحاولة ربط هذه الفئة التي لا تؤمن بالديمقراطية اصلا بالاصلاح الديمقراطي.

وقد ساعد على ذلك عدم قدرة الحركة الاسلامية على التقاط اللحظة و توجيه رسالة تطمين للناس لا سيما في ضوء حالة انعدام الثقة الناجم عن التقاعس في المفاصل التاريخية، وتجربتهم المخيبة للامل عندما شاركو في الحكم في نهاية الثمانينات وحتى القلق من نظرتهم للديمقراطية واشكالها، واعتقد ان اللحظة مناسبة الآن لاعلان واضح من الحركة الاسلامية في الاردن في بقبولها بمبدأ الدولة المدنية.

ان عجلة الحرية قد انطلقت والاردنيون لا يعوزهم النضج فهم من اوائل الشعوب العربية التي مارست الديمقراطية البرلمانية منذ تجربة 1956 والانقلاب الذي تم واستمر على هذه التجربة يجب ان يتوقف الان. فاذا كان الاردنيون غير جاهزين لحكم انفسهم وفقا للدستور والنظام النيابي الملكي كما يروج البعض فان هذا ينطبق بالضرورة على الحكومة التي هي من هذا الشعب.

ان الاردنيين لن يقبلوا الا باستعادة مقدراتهم من طغمة الفاسدين من مختلف اصولهم ومنابتهم وسيستمرون بمطالباتهم وحراكهم السلمي حتى نرى اردننا دولة مدنية ديمقراطية.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية