البث المباشر معي؟

الثلاثاء 05 نيسان 2011

المكارم والوكيل وجلالة الملك…

بقلم محمد الحشكي

طوال الأسبوع الماضي كنت مريضا، واضطرني المرض الفيروسي اللعين للبقاء في الفراش لثلاثة أيام كانت تسليتي الوحيدة خلالها الفيسبوك، وكتاب سيء، ومواقع الاخبار، والتلفزيون.

وبعد كمية لا بأس بها من المقالات والتعليقات التي (تغمٌ) القلب، ومحاولات الهرب من أكوام المسلسلات التركية التي (بتلعي) المنافس، برنامج واحد استفزني بما يكفي للكتابة عنه.

هذا البرنامج العظيم هو “من المسؤول” على التلفزيون الأردني، ولمن ليس على معرفة بهذا البرنامج فهو واحدة من نسخ عديدة لبرنامج “البث المباشر” الذي كان يذاع على هواء الإذاعة الأردنية “في الزَمنات”، و قد تغير البرنامج و تحول و تم نسخه و تقليده حتى جاءت ال (سبونسرشبس) (sponsorships) ومحمد الوكيل “بسلامته” الذي صار يعلمنا “كيف هو حب الوطن” ثم يحلف الأيمان أن الأردن أحسن بلد بالعالم وإنه كل شي تمام “بهمة النشامى”، وهذا بالتوازي مع كونه يقدم برنامجا يقوم أصلا على حقيقة أن المواطن اللي ما إلو واسطة و الذي حاول أن يأخذ حقه بالمنيحة ثم (انحلقله) من المسؤول مرة واثنين وثلاثة، اضطرته الأيام السوداء للتكلم مع الوكيل حتى (يتوسطله) عند عطوفة معالي الباشا فلان بيك بلكي “مشَاله الموضوع” وبلا منه الإحراج عالهوا… مما مثَل لي دائما تناقضا غريبا بين ما يقوله الوكيل و بين ما يفعله في نفس اللحظة. بس مش مهم، على الأقل تحل مشكلة المواطن المسكين بانتظار أن ينتهي هذا كله عندما يأتي الإصلاح بالسلامة.

عودة إلى التلفزيون الأردني و”من المسؤول”، حيث سأقص عليكم ما سمعت:
يقوم أحد المواطنين بالاتصال وما أن يصبح على الهواء حتى يباغت المذيعة بسيل من الدعاء لجلالة الملك حيث يؤكد المواطن المسكين أنه يمد أسمى آيات الولاء والانتماء لجلالة الملك عبدالله أدام الله عزه، وأنه ومن يتصل بالنيابة عنهم يعيشون في “مكارم” الهاشميين من كهرباء وماء وشوارع، وأنهم والحمدلله بألف خير، ثم يقوم بقص مشكلته التي لم أعد أتذكرها الآن.

طبعا ما قاله المواطن هو محاولة منه لإثبات وتأكيد أنه و بالرغم من أنه يتصل “ليشتكي من وضع سيء يعانيه” إلا أن هذا لا يعني بشكل من الأشكال أنه غير منتمٍ “مثل أولئك المندسين أصحاب الأجندات ما غيرهم الله ياخذهم”، بل إنه “مبسوط” لأن الوضع تمام بس لولا المشكلة الصغيرة التي يعاني منها بعد تجاهل المسؤولين لقضيته و(من يتصل بالنيابة عنهم)، وميوعة و ضبابية الإجراءات والقنوات التي قد تمكنه من حل مشكلته بدون هذه الطريقة المهينة على الهواء مباشرة وأمام أمة لا إله إلا الله، طبعا لا يستطيع المتابع إلا أن يسيء الظن و يستنتج أن هذا من تداعيات مسلسل التخوين والتخويف لكل من خرج في مسيرة أو شارك في اعتصام ليشيرإلى خلل ما، على اعتبار أن البلد (فلٌ الفل) واللي مش عاجبه مندس ومدفوع.

طبعا ما سمعتموه ليس غريبا ونسمعه دائما، وهو سلوك منتشر و عادي، ولكن الغريب أنه وبالرغم من كل الحراك السياسي في الأردن وفي العالم العربي لم يتغير هذا السلوك أبدا، فلا يزال المواطن الأردني مقتنعا تماما بأن كل حقوقه هي مكارم وليست حقوقا، وليس هذا فقط بل إن تلك المكارم هي بمبادرة خالصة من جلالة الملك، الأمر الذي رفضه جلالته مرارا وتكرارا مؤكدا أننا نريد دولة مؤسسات، لا مجموعة من المسؤولين والمدراء الذين ينتظرون “التوجيهات من فوق” ويحتمون ورائها إذا نفذوها أو لم ينفذوها.

وطبعا السؤال هو “لماذا لم تصل تلك الفكرة للمواطن؟” هل هناك سبب؟ هل هناك مؤامرة أم تقصير؟

ربما فعلا لا يهتم المواطن بالسياسة ولا بالإصلاح ولا بغيره لأنه لا يرى أن الموضوع (بيفرق) طالما أن الملك موجود لحل المشاكل، ولذا ترى العديد من التعليقات من نوع “شو اللي بدكوا ما دام الملك حكالكوا في إصلاح”، فلا يؤمن المواطن بأنه شريك أو حتى مسؤول في مكان عمله عن تطبيق الإصلاح أو الدفع باتجاهه! بسبب أن الملك موجود و رح يحلها!

وثم بدأت أفكر أبعد، إذا كان المواطن مقتنعا أن الماء النازل الذي يشربه أو الشارع الذي أمام بيته هو من مسؤولية جلالة الملك، وأن حصوله على تلك الأشياء هي مكرمة من جلالته، إذن لماذا ينتخب برلمانا؟ لماذا يريد حكومة منتخبة، أو حتى حكومة جيدة؟ لماذا يهتم بإصلاح البلدية أو حتى محاسبة المتصرف؟ فالموضوع كله في يد جلالة الملك… ووقتها فهمت لماذا يجيب الناس عندما يُسألون عن الإصلاح بكلام مثل :”ما دام الملك بخير إحنا بخير”، فالموضوع ليس فقط حب وولاء لقائد مسيرة طويلة يحترمه المواطن ويشعر بأبويته، بل يتعداه للاعتمادية التامة عليه في كافة مناحي الحياة!

ف “من المسؤول”؟؟؟ و”إلى متى هذه الظاهرة”؟

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية