القوقعة – قراءة جماعية؟

الأحد 22 أيار 2011

بقلم: علي

بصراحة أردت أن أكتب “القوقعة (قراءة فردية)” و ذلك لأني ردت أن يعرف الناس أن ما سوف أقوله هو بالأساس رأيي الشخصي و ليس رأي المجموعة على الأطلاق  لكني لم أكن لأستطيع التوصل لهذا الرأي بدون مساعدة بقية قراء إنكتاب لهذا وجب التنويه.

لكل حلقة من حلقات إنكتاب يوجد من أحب أن أسميه “شرير الحلقة” وهو مجرد شخص  يقول رأيه الشخصي بمسألة ما قالبا جميع الحاضرين ضده، وبعدها يعارضه الجميع في كل كبيرة وصغيرة حتى ولو كانوا يعرفون أنه/أنها على حق.

في الحلقة السابقة أثناء نقاش كتاب “الهويات القاتلة” كان شرير الحلقة إحدى الحاضرات عندما قالت أن هويتي الوحيدة هي الهوية الدينية، لربما لم تعرف كيفية التعبير عن رأيها بصورة جيدة أو لربما واجهت الغضب الليبرالي (أغلبية الحضور ليبرالين) المكتئب من السلطة الدينية على الحياة العامة. بغض النظر عن السبب هي سرعان ما أصبحت “شرير الحلقة” وعارضها الجميع.

في حلقة القوقعة كانت شريرها شابة متحمسة وقوية الشخصية خطؤها الوحيد أنها لم يعجبها الكتاب لسببين:
– أحست أن لغة الكاتب ضعيفة
– أحست أن الكاتب بعد كل ما واجهه كان محاديا مما أعطاه صبغة ضعيفة

قالت إحدى الحاضرات الأخريات (بما معناه) “بصراحة ارتعبت من قدرتي على تحمل التعذيب في نهاية الكتاب … لأني بعدما قرأت الفظاعات التي ذُكرت في بداية الكتاب شعرت أن التعذيب الذي كان أخف وتيرة في النهاية أفضل … لو لم أقرا البداية لظننت أن التعذيب الخفيف هو أمر فظيع ولكن الكتاب ووصفه الدقيق للتعذيب جعل لدي احتمال للتعذيب.”

اتفقت معها جدا وبصراحة ارتعبت أن أقرء المزيد من كتب التي يذكر فيها تعذيب لأني أخاف أن يأتي وقت أسمع بشخص تم ضربه ولا أتعاطف معه لأنني سأفكر “هنالك ما هو اسوأ بكثير” هل سأخسر شيئا من إنسانيتي إذا استمريت بقراءة كتب تذكر فيها معاملات لا إنسانية؟

ولهذا تفهمت موقف “شريرة” حلقة القوقعة (و هي قارئة مخضرمة) التي ذكرت منذ البداية أنها قرأت كتب ذُكر فيها تعذيب أكثر همجية وبربرية وسادية مما جعل القوقعة كتابا يسيرا وإلى نوع ما سخيف!
أتسطيع أن أتفهم موقفها في هذه المسألة.

أما بالنسبة للحيادية فالكثير من الحضور استغربوا
“لماذا سرد الكاتب روايته بصورة حيادية؟ لماذا بعد كل ما تعرض له لم ينتقد من عذبوه و دمروه إلا قليلا في نهاية الكتاب؟!”

بصراحة انا أيضا لم أفهم هذا حتى تذكرت شيئا. عند خروج الكاتب من السجن اصيب بأكتئاب أحزننا جميعنا فعلى الرغم من كل التعذيب في داخل السجن كان لايزال هنالك أمل بأنه “سوف يخرج وسوف ينتقم وسوف تصير الدنيا بخير بس يخرج”. ولكنه لم يصبح بخيرعندما خرج. فلقد كان هدفه الوحيد هو خروجه من السجن وعندما خرج أصبح بدون هدف فأكتئب.
ذكر أحد الحضور فيلم الشاوشانك ريديمبشون. والمقطع الذي ينتحر فيه عجوز أمضى حياته بالسجن عندما خرج.

 

من لقاء سابق لانكتاب - تصوير مجد البهو

أنا برأيي الشخصي أننا يجب أن نتذكر أنه كتب الكتاب بعد خروجه من السجن، كتب الكتاب بحيادية، فهو من جهة ذكر لنا التعذيب النفسي و الجسدي بكل أنواعه ولكنه لم يهاجم سجانيه بالكتاب وفي الكتاب الكثير من الأشياء المضحكة التي أراها كذكريات إيجابية في نفس الكاتب. (أحد المقاطع التي أتذكرها كان عندما صاح أثناء التعذيب: “اليسوع، محمد، ماما”)
برأيي الشخصي هذا لأنه يوجد جزء من الكاتب يحن للسجن بعدما تعود عليه لمدة 13 عاما و هنالك جزء يعرف بأن السجن شيء سيء و بين هذين الجزئين من شخصيته نشأ عنده صراع تمثل في حيادية الكتاب.

نوقشت في الجلسة أشياء أخرى أهمها (أو أهم ما أتذكر):

السادية والمازوخية
تذكرنا فيها التجارب النفسية التي أوضحت أن الأغلبية العظمى من البشر سوف يمارسون أبشع الاشياء لأخوانهم في الإنسانية لأسباب عدة وتذكرنا بالتحديد تجربتي ميلغرام وتجربة سجن ستانفورد.
مالذي يجعل البشر سادين و عنيفين؟

تعريف طبيعي : هو كل شيء وجد في الطبيعة قبل وجود الإنسان.
ذكرت أحدى القارئات (الشريرة) أن التعذيب طبيعي عند البشر و ذلك لأنه وجد منذ قديم الزمن ولكنها بنفس الوقت وضحت أنه ليس كل ما هو طبيعي هو شيء جيد، وضربت بنفسي مثالا أوافق معها بالرأي: فالتعصب طبيعي والحروب طبيعية والاغتصاب طبيعي والموت طبيعي والأمراض طبيعية. بينما الانترنت، طيران البشر، الكهرباء كلها أشياء غير طبيعية، فهذا يعني أن الرأي السائد (وهو أن كلمة طبيعي مرادفة لكلمة جيد) هو اعتقاد خاطئ.

– تذكرنا أن العبودية وغيرها من المفاهيم كانت أيضا في زمن ما طبيعية ولكن اليوم انقرضت فلو تقبلنا العبودية على أنها شيء طبيعي و لم نعمل على محاربتها لما انقرضت، فلهذا يجب علينا أن لا نتقبل التعذيب بأي درجة و مهما كان مبرره لكي ينقرض في المستقبل القريب.

هل هي رواية؟ لقد طرح هذا السؤال وأعتقد أني مع الأغلبية حيث أتفقنا انها أقرب لليوميات منها لرواية لأن الكاتب هو ليس بروائي وإنما هو مخرج سينمائي وقال أحد الحضور أن الكاتب أدخل خبرته السينمائية في الكتاب و قدم الكتاب إلى شي أقرب إلى فيلم منه إلى رواية.

التعذيب في الوطن العربي وأدب السجون و كتاب “شرق المتوسط”  وكتب أخرى يبدو أن كل الحضور ما عداي أنا قد قرأها. لماذا ينتشر التعذيب في الوطن العربي؟
أنا برأيي هو الفساد المطلق الذي نتج عن السلطة المطلقة … فأفضل الناس يفسدون عندما تكون لديهم سلطة زائدة وفي الوطن العربي لا أحد يحاسب الحكومة وأجهزتها.
“الله، الوطن، القائد” بصراحة لو كنت في العراق في زمن صدام كنت تستطيع أن تسب الله وكنت تستطيع أن تنتقد الوطن على سبيل المزحة ولكن القائد ….
في الكتاب نسيم أكتشف أن سبب أعتقاله 13 عاما هو مزحة قالها في باريس عن شخص الرئيس ووصفه بالحمار!
تذكرت شخص تعرف عليه أبي في السجن، كان هذا شخص عميد في الجيش العراقي (جنرال) سُجن 10 أعوام لأنه ضحك (فقط ضحك) على نكتة تعرضت لل”قائد الضرورة” وبعد السنين العشر اُعدم!

السلطة تفسد أفضل الناس ولأن حكوماتنا الأشاوس هي حكومات مطلقة، فهو أكبر من الكفر أن تنتقدها. أصبحت كمية الفساد في الحكومات لا تطاق.

– ناقشنا وجود علاقة حب ذكورية بين الكاتب ونسيم، بصراحة انا وعدد من القراء رأينا أن الكاتب لديه بعض من الهوموفوبيا (الرهاب من المثلية) مما جعله يرتعب لفكرة أنه قد يكون مثليا. ولكن حسب ما ذكره الكاتب فأن العلاقة بينه وبين نسيم -صديقه المقرب- هي علاقة حميمة نشأت بسبب انعزالهما وتقارب فكرهما. البشر يحتاجون للعاطفة، يحتاجون للمحبة من أي كان، من أي شيء يتقرب منهم. المثلية الذكورية تنتشر في الجيش والسجون فعلى الرغم من أن المثلية موجودة لدى حيوانات أخرى وليس فقط البشر إلا أنها كما ذكرت شريرة الحلقة (ولكنها ليست شريرة على الإطلاق ولكن إنسانة مثقفة جدا) لاحظ العلماء أن المثلية تزداد في الحبس لدى الحيوانات أكثر مما هي في الطبيعة.

– الكاتب استخدم الكثير من المسبات في القصة فهل هذا انتقص من القصة؟ وسأل قائد الجلسة “هل تستطيعون قراءة الكتاب بصوت عالي في مكان عام؟”
أنا أجبت بثقة “بالتأكيد نعم” ولكني عراقي (السب تقريبا طبيعي في الثقافة العراقية) وعمري 20 سنة و الناس تتوقع مني أني أسب كثيرا فلهذا هي ليست معضلة بالنسبة لي، و لكني أتفهم تحفظ بعض الناس على بعض أجزاء من القصة، ولكن الكاتب كان سوف ينتقص الكثير من القصة لو قام بعملية الرقابة الذاتية.

– في النهاية قال عبيدة (احسست أنه شخص مثقف على الرغم من سنه الشابة وأنه قلما تكلم)
قال عبيدة : “لقد ناقشنا الجوانب النفسية والأنسانية والأدبية للقصة و لكننا نسينا (بصراحة أنا أقول تناسينا) الشعب السوري الذي ما زال يعاني من ظلم النظام الحالي”.

——-

انكتاب” هو نادي حبر للكتاب وهو مفتوح لأي شخص يرغب بالانضمام والمشاركة. يقوم أعضاء المجموعة باقتراح كتب والتصويت عليها لاختيار كتاب، وتعقد جلسات النقاش مرة كل أسبوعين. (صور من لقاء نيسان).

مراجعات سابقة: اللجنة لصنع الله ابراهيم، سلطانة لغالب هلسا، والهويات القاتلة للكاتب أمين معلوف.

 

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية