الثورة وعقلية المؤامرة

الثلاثاء 31 أيار 2011

بقلم فادي عميرة – ناشط أردني

من اعتصام أمام السفارة المصرية في عمان، فبراير ٢٠١١. تصوير علي السعدي

عند بداية الأحداث في تونس كنت قد كتبت بأن الشعب التونسي يرسم طريق خلاص الشعوب العربية من أنظمة القهر والفساد، وحذرت من أنه عند امتداد هذه الهبّة سيظهر العديد من المثقفين والكتاب من أصحاب عقليات المؤامرة ليقولوا بأن ما يحدث لا يعدو كونه مؤامرة خارجية على الأمة العربية تهدف لتغيير معالم المنطقة الجيوسياسية. وبالفعل، بدأت هذه الأصوات والمواقف بالظهور، واشتدت وانتشرت أكثر – لأسباب موضوعية – بوصولها إلى ليبيا و سوريا (دول الممانعة) مدعومة بالتمويه والتضليل الرهيب الذي تمارسه الأنظمة وأجهزتها.

إن ما يحدث في أقطارنا العربية، والذي بدأ في تونس وانتقل منها إلى مصر وغيرها من أقطار العرب، هو هبة شعبية بلا أدنى شك، هبة شعبية من أجل الكرامة، كرامة الإنسان وحريته من أنظمة القمع القابعة على صدوره منذ عشرات السنين، هبة ضد التهميش والإفقار الذي تعاني منه قطاعات واسعة من مجتمعاتنا العربية، هبة ضد فساد السلطة الخانق بكافة أشكاله، المالي والإداري والسياسي. إن ثورة شعوبنا العربية، هي ثورة على مثلث الفساد والاستبداد والتبعية.

في حالة تونس، ظهرت العديد من النخب الليبرالية وغيرها التي وقفت ضد ثورة الشعب هناك، مبررة موقفها بالقلق من سيطرة الإسلاميين على السلطة. وفي مصر، ظهرت العديد من النخب أيضاً بنفس المخاوف، والخوف على “الاستقرار” و”السلام” في المنطقة، معتبرين ما يحدث هناك “مؤامرة” من “الأعداء” تستهدف استقرار مصر والمنطقة. أما في حالة ليبيا وسوريا فقد بدا الإنقسام أعمق لدى النخب والمثقفين الذين خرجوا ليقولوا أن ما يجري هو “مؤامرة” من شبكة تحالف عالمي يضم السلفيين والسعوديين ومن حالفهم من الأنظمة العربية التابعة وأمريكا وحلفائها الغربيين والصهيونية العالمية وأعداء المقاومة في لبنان وأدواتهم المندسة في سوريا وليبيا. يرون أن هذا التحالف الشيطاني يستهدف الأنظمة الممانعة التي تتبنى وتدعم المقاومة، متجاهلين الأسباب الحقيقية وراء خروج الناس إلى الشارع مطالبة بحقوقها الإنسانية أسوة بإخوتهم في مصر وتونس الذين أثبتوا أن التغيير ممكن في حال توفرت شروطه.

يبدو واضحاً من هذا الموقف، أن المنظور الذي تستخدمه تلك النخب مقتصر فقط على الموقف السياسي للنظام، فهل هذا منطق؟ حيث لا مبرر عندهم للإحتجاج على النظام إذا كان هذا النظام ينتهج سياسة خارجية داعمة للمقاومة وللقضايا العربية. وكأن الشعوب لا تثور، أو لا يحق لها أن تثور إلا لأسباب تتعلق بالسياسة الخارجية للدولة! أما الفساد والإستبداد فلا قيمة لهما ولا يشكلان أسباباً كافية لثورة الشعوب على أنظمتها، و إلا تحول هذا الشعب إلى شعب خائن وطائفي ومندس. و كأن النظام الذي يدعم المقاومة، يحق له أن يستبد بشعبه ويقمعه ويهمشه، ولا بأس بأن ينهب ويحجز خيراته وثرواته، ولا ضير إن كان الفساد -بكل أشكاله- يستشري في ذلك النظام، حتى وإن تحول الوطن إلى مزرعة عائلية وممالك جمهورية وراثية في القرن الحادي و العشرين… و المبرر هو دائما، أن هذا النظام نظام مقاوم!

وفي هذا السياق، لابد من التأكيد على الأمور البديهية التالية:

1- ما يحدث في سوريا و ليبيا و غيرها هو نتيجة “طبيعية” لتفاقم التناقض بين الشعب والنظام القائم على الإستبداد والفساد.

2- أن الشعوب – وليس النظام – هي التي تقاوم، وأن البوصلة الشعبية العربية هي دائما بإتجاه فلسطين والقضايا العربية. وبالتالي فإن الأنظمة التي ستفرزها هذه الشعوب إن هي نجحت في كفاحها ستعكس بالضرورة مواقفها السياسية التي هي أكثر راديكاليةً من الأنظمة الموجودة.

3- الموقف الوطني من القضية الفلسطينية لا يعطي الشرعية أبداً للفساد والإستبداد، وليس مبرراً لهما بأي حال من الأحوال! فقضية فلسطين قضية إنسانية وأخلاقية بالدرجة الأولى، و ليست حكراً على نظام أو مجموعة أشخاص! ولا يجب أن نسمح بأن تكون فلسطين شماعة لأحد، كائناً من كان.

4- ليس من حق أحد أن يقف ضد حرية و كرامة الإنسان، و ليس هناك مبرراً أبداً للوقوف ضد شعب يكافح ويضحي من أجل نيل حقوقه الأساسية. وإلا فإن ذلك سيكون موقفاً لا أخلاقياً. وليس من المنطق أبداً أن يقف أحد ضد ثورة شعب.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية