نواة مشروع وحدوي

الأربعاء 18 أيار 2011

بقلم: هيثم الشيشاني

الشغل الشاغل في منطقتنا هذه الأيام يتمحور حول طلب الأردنّ والمغرب الانضمام لدول مجلس التعاون الخليجي، وقد أثار -كما هو متوقع- ردود أفعال متباينة من أطراف ٍ شتى.

من حيث المبدأ، أحب ّ أن أفكر بأن كافة الدول العربية ترحّب بمثل هذه الخطوة، وأنا شخصيا ً معها قلباً وقالباً. ولكن عندي ملاحظتين:

• الملاحظة الأولى والأهمّ برأيي تتركز حول الأسباب التي دعت لمثل هذه الخطوة، قطعاً الأحداث الأخيرة في عالمنا العربي هي المحرّك الأقوى، ولكن هناك بكل تأكيد أسباب اقتصادية لا تقل أهمية عن السياسية منها (سياسة الاقتصاد أو اقتصاد السياسة.. لا فرق أصلا ً هذه الأيام). ومن جانب آخر لا يخفى على الكثيرين، فإن هناك رسالة واضحة لإيران (+ تركيا ربّما؟) من جرّاء هذه الخطوة.

• الملاحظة الثانية والتي ترتبط بشكل جوهريّ مع الأولى هي مسألة مشاركة الشعوب. في كل هذا لم نر أن هناك جهدا ً ملموسا ً -لغاية الآن- لإشراك الفعاليات الشعبية المختلفة في القرار أو على الأقلّ إخطارهم بما يمكن توقعه من جرّاء هذه الخطوة.

ما أودّه من بلدي الأردنّ أنْ يقوم بمراعاة الآتي:
• إبراز الأهداف من الانضمام، و ذلك بصيغة رسالة ونظام واضحيْن وبلغة مفهومة لكل القطاعات المجتمعيّة: أظنّ أن هذه مسألة حيويّة ويتفق عليها الجميع و لكنها صعبة التطبيق، تحتاج إلى آليات واضحة ودرجة عالية من الثقة.

نحتاج من حكومتنا أن تطلعنا على مدى تأثير هذه الخطوة على استحقاقات ومضامين مهمّة يمرّ بها الأردنّ حاليا ً (كطروحات الإصلاح السياسي والملكية الدستورية، مسائل الطاقة و أسعارها، شحّ المياه، حركة نقل الأشخاص و البضائع من/إلى دول الخليج العربيّ)

• عدم إغفال العنصر الثقافي للمسألة؛ فمن ناحية التقاطعات بين دول مجلس التعاون والأردنّ متواجدة، ولكن من الناحية الأخرى حين الولوج لتفاصيل الانضمام وحيثيّاته فإن نظرة واعية لمثل تلك الاختلافات الثقافية -و إن كانت بسيطة- ستسهّل سيْر الأمور و تزيد من نجاعتها.

• النقطتان السابقتان تحتاجان لمشاركة الحكومة لأكبر شريحة ممكنة من الشعب، هذه بالذات تحتاج تخطيطا ً مسؤولا ً ومرتبطا ً بأهداف الانضمام نفسها. ما أحسنها من خطوة -مثلا ً- أن يتمّ استقبال اقتراحات المغتربين في دول الخليج العربيّ ومرئيّاتهم حول الانضمام؛ سواء ً كانوا أفرادا ً أو من أصحاب الأعمال بل و حتى العاملين في السفارات/القنصليّات في دول الخليج العربيّ.

الحراك الشعبيّ الشبابيّ العربيّ من شأنه أن يسهم في إنجاح مثل هذه المبادرة الطيبة، و هذا لن يتمّ إلا بإشراك هذا الحراك ومن البداية.

على أيّ حال ٍ، هنالك من سيقول أن هناك فائزين و خاسرين من الانضمام، ومن الطرفين سواء ً كانوا أفرادا ً أو مؤسسات. و لكن على المدى الطويل فالكلّ فائز ومستفيد!

المسألة أبعد من كونها ذات بعد اقتصادي، هو مشروع وحدويّ طموح، أو على الأقلّ نواة لذلك. ما أجمل أن نرى الأردنّ نتيجة لهذا الانضمام قد أصبح سوقا ً جاذبا ً لتكنولوجيا المعلومات -مثلا ً- في المنطقة ابتداء ً والعالم كله بعدها، و من بعده لبنان و سوريا و مصر كذلك (كمقرات تصنيعيّة مثلا) في الانضمام لدول مجلس التعاون الخليجيّ.

و من يدري، فقد يكون هناك فسحة من فرصة لإشراك فلسطين المحتلّة و جعلها جزءا ً كذلك، وأن يصبح المغرب مدخلا ً مهمّا ً للسوق العربية نحو أوروبا، و بالطبع فوائد الانضمام لجهة دول الخليج العربيّ واضحة كذلك… امتداد للأسواق و تعظيم لخطط التنمية.

هي تجربة جديدة وكذا جريئة، والمخاوف موجودة و شرعيّة بالطبع ومن كل الأطراف. ولكن بالتخطيط السليم والمراقبة الفاعلة يمكن لها أن ترى النور وأيضا أن تنشر الضياء.

و لا ننسى أن الاتحاد الأوروبيّ بقي أكثر من 50 سنة يصارع للظهور و 50 أخرى في التطبيق و معالجة المشاكل التي برزت (العملة الموّحدة، إفلاس بعض القطاعات/الدول، …) ولنا أن نتعلم من التجربة ونزيد عليها، لا ينقصنا شيء، لا شيء البتّة.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية