مناظرة رابطة الكتاب: اختلاف في الثقافة وخلاف في السياسة

الأربعاء 22 حزيران 2011

بقلم: هاشم التل

كانت مناظرة الأمس بين مرشحي رئاسة رابطة الكتاب الأردنيين الكاتب موفق محادين مرشح تيار القدس والدكتور أحمد ماضي مرشح التجمع الثقافي الديمقراطي حدثاً استثنائياً في فضاء الثقافة الأردنية، أو هكذا بدت لي على الأقل.

تلقيت دعوة لحضور المناظرة التي عقدت في مقر الرابطة في الشميساني من مديرها الصديق الصحفي محمود منير، وعادة ما أتهرب من حضور فعاليات مشابهة، لقناعتي بأن حديث المشتغلين في الثقافة الأردنية غالباً ما يكون موجهاً إلى نخبة ضيقة من المهتمين بهذا الشأن، ينحو خطابها إلى مفارقة الواقع والتحليق في فضاء التنظير المريح الذي يمكن أن تتحدث فيه عن كل شيء، دون أن تكون معنياً بأن يهبط خطابك إلى أرض الواقع أو يلامسه، توصيفاً أو تغييراً.

حزمت أمري بعد تردد ومضيت برفقة الصديق محمد فرج إلى مقر الرابطة، ودخلت لأجد المناظرة قد بدأت، القاعة مزدحمة بالحضور، جلت عليهم بنظرة سريعة، وعرفت أغلب الوجوه التي تعود لنفس الأشخاص الذين استلموا الثقافة كصنعة، وغدت الثقافة مع الأيام تعرف بهم، ولا يعرفون بها.

وجدت متسعاً للجلوس على الدرج قبالة المتناظرين، بدا الكاتب محادين مرتاحاً وقد غابت عن ملامحه تلك الكشرة التي تظهر في الصورة المرفقة في مقاله اليومي في العرب اليوم، والتي تعطي الانطباع أنك أمام شخص دوغمائي أو أحد سدنة العمل الثقافي، وشعرت لوهلة أن الصورة النمطية عن محادين ظالمة، وأني أمام إنسان مثقف يسعده لقاء الجمهور والتواصل معه.

كانت معلوماتي عن د. ماضي شحيحة قبل المناظرة، لا تعدو عن معرفتي بكونه رئيس تحرير مجلة “أفكار” التي تصدرها الرابطة، ووصف أحد الأصدقاء له بأنه شيوعي “مرّ”، كان ماضي مبتسماً مع شيء من التوتر البسيط، بدا لي ماضي كشخص أكاديمي ينتمي إلى سلك مدرسي الجامعات شأنه شأن منير حمارنة مدرس مادة الاقتصاد في الجامعة الأردنية والأمين العام للحزب الشيوعي الأردني.

كانت فكرة المناظرة بين مرشحي التيارين المتنافسين التي اقترحها محمود بصفته رئيس قسم الثقافة في العرب اليوم غير مسبوقة، إذ عادة ما جرت الانتخابات بين التيارين المتنافسين تاريخياً بناءً على اصطفافات ثقافية وسياسية مسبقة ولطالما اعتمدت على العلاقات الشخصية التاريخية للمرشحين بأصدقائهم من الكتاب، هي إذاً بتقديري مغامرة لأطراف لم يألفوا المواجهة وعادة ما اكتفوا بالحديث في الغرف المغلقة أو ما يعرف بالنميمة الثقافية.

بدأ محمود بإلقاء الأسئلة على المتناظرين، وحدد وقت الإجابة بمدة ثلاث دقائق عن كل سؤال، وتنوعت الأسئلة لتشمل برنامج كلا التيارين ومكونها الثقافي والسياسي مروراً بدور المثقف في المساهمة بالعمل الوطني وجدلية المثقف والسلطة والتطبيع الثقافي وليس انتهاءً بالموقف من الوضع في سوريا، والذي كان عنواناً لحرب ساخنة بين التيارين عبر الإعلام خلال الأسابيع الماضية تحضيراً للانتخابات المقبلة.

ارتفعت حرارة المناظرة تدريجياً مع فتح الباب لأسئلة الجمهور، واستطاع محادين بهدوء لافت، أن يقدم ردود تميزت بالمبدئية وعدم المهادنة والوضوح، ورغم أن الأسئلة طرقت أغلب المواضيع الراهنة في الثقافة والسياسة، كان للمساجلات الانتخابية بين التيارين نصيب من المناظرة، تمحورت حول شروط الانتساب إلى الرابطة والتشكيك بعضوية البعض من أعضائها والقول بقبولهم لغايات انتخابية من طرف ماضي وتأكيد محادين أن عضوية الأعضاء تقررها اللجان المختصة، لافتاً إلى أن عضوية ماضي في الرابطة بذاتها موضع تساؤل نظراً لأنه قبل فيها دون أن ينشر له كتاب، الأمر الذي يخالف النظام الداخلي للرابطة في حينه.

ظهر لي من خلال إجابة المرشحين وجود فروقات أساسية بين الخطاب الذي يقدمانه، ففي حين اتفق المرشحان على أن الرابطة هيئة إبداعية يعنى أهلها بالشأن الثقافي، اختلف محادين وماضي في علاقة الثقافة بالسياسة، ففي حين رأى الأول أن الانشغال بالعمل الوطني العام وتفعيله هو جزء من دور المثقف الذي يجب أن يتحمل مسؤولياته، داعياً إلى ورشة ثقافية لتبادل الآراء، رأى الثاني أن المثقف يجب أن يضع الخطوط العامة للمشتغلين في العمل العام دون أن ينزلق إلى متاهات السياسة وألاعيبها والتي يجب، بحسب تعبيره، أن تتبع الثقافة.

وتجلى فرق آخر بين الخطابين عند مقاربة موضوع الربيع العربي بشكل عام، والموضوع السوري بشكل خاص، ففي حين انتقد ماضي عدم إصدار الهيئة الإدارية للرابطة بياناً يدين ما يجري في سورياً، التي كانت محور النشاط السياسي الوحيد لكتاب التجمع مؤخراً، مشيراً أن الرابطة قد سارعت إلى إصدار بيان يدين العنف الذي رافق أحداث ميدان جمال عبد الناصر في 25 آذار وماطلت بشأن الوضع السوري، أدان محادين اعتقالات الكتاب والمثقفين التي تشهدها سوريا والبحرين واليمن وعدد من الدول العربية، مشيراً إلى أن انحياز المثقف هو دائماً إلى الشعوب، ولكن دون مزاودة أو مناقصة، بحسب تعبيره.

مناظرة رابطة الكتاب، بتقديري، فعل ثقافي يستحق الإشادة، وممارسة ديمقراطية، يمكن في حال تكريسها، أن تعيد لخطاب النخب الثقافية الأردنية دفء الحياة وبعض الألق المفقود.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية