نداء إلى أمين العاصمة الجديد

الأحد 24 تموز 2011

د. فؤاد ملكاوي – مستشار في التخطيط الحضري والإقليمي

(لقد تم نشر هذه المقالة بالتعاون مع طريق (جهة مختصة للتفكير بالمدن) وذلك رداُ على مقالة إدارة عمان بقلم محمد الأسد والتي تناقش الجوانب الإدارية لتشغيل أمانة عمان)

أكتب اليكم بصفتي مخططاُ أردنياُ حيث أنني شاركت في معظم جهود التخطيط التي تمت في الأردن في السنوات القليلة الماضية، هذا بالإضافة إلى كوني باحثاُ في شؤون التخطيط الخضري والإقليمي حيث أنني قضيت معظم حياتي المهنية أدرس التخطيط في الأردن بشكل عام وعمان بشكل خاص. على الرغم من أن تعليقاتي أدناه هي جواب على مقالة د. محمد الأسد ولكن المقصود أيضاُ أن يتم طرحها على الأمين الجديد لمدينة عمان كقضايا لا بد من أخذها بعين الإعتبار.

إن تشخيص د.محمد الإسد للوضع الراهن في عمان الكبرى يؤكد على التحديات الحضرية التي تواجهها المدينة، وإنني أتفق معه بالتأكيد على أنه لا يوجد أسباب واضحة لنمو عمان الكبرى بهذا الشكل المستمر والاّتي بشكل رئيس من عمليات دمج البلديات المجاورة التي استمرت عبر السنوات الماضية، وقد وصلت هذه الحالة إلى المستوى الذي يتطلب تفكير إبداعي في مجال الإدارة الحضرية والتخطيط. د. محمد يرى الحجم الذي وصلت إليه المدينة كأساس لأغلب المشاكل الحضرية التي نواجهها اليوم ولا بد من العودة إلي نظام إداري للعمان الكبرى ثنائي يرتكز على مركز وأطراف ذات إستقلالية إدارية نسبية.

مع أني أتفق معه في التشخيص ودعوته لإحداث النظام الثنائي إلا أني أعتقد بأن هذا لا يكفي لإحداث النقلة النوعية المطلوبة في تقديم الخدمة كما يأمل هو وكما يطمح إليه المواطنون. لإحداث مثل هذه النقلة النوعية لا بد من النظر بعين فاحصة لقضيتين أساسيتين بالإضافة إلى دمج البلديات؛ تقديم الخدمة البلدية والتخطيط.
من هنا فإني أتوجه بالنداءت الثلاثة التالية إلى أمين عمان الجديد:

• النداء الأول حول دمج البلديات: يشارك المسؤولون في عمان عادة في نقاشات حول الدمج (يوجد حالياُ لجنة وزارية للنظر فيه) لكن النقاش غالباُ ما يتركز على التداعيات السياسية، ونظراُ لأهمية الدمج في عمان فإن عمليته تحتاج إلى مراجعة دقيقة إلا أن التركيز لا بد أن يكون موجهاُ إلى الجانب الإداري. إن هذا النداء ليس بهدف عدم الدمج أو تجزئة ما تم دمجه سابقا. إنه نداء لطرح الأسئلة الأساسية التي لم يقم أحد بطرحها حتى الآن: ما هي شروط الدمج؟ أين ومتى وكيف يمكننا الدمج؟

لقد كتبت منذ فترة مضت حول الإيجابيات والسلبيات للدمج، حتى قبل أن تقرر وزارة الشؤون البلدية باتباع نموذج عمان الكبير وإطلاق المبادرة الضخمة لإعادة هيكلة البلديات في 2001. ملاحظتي هنا هي أن الدمج كان دائماً هدفاً بحد ذاته وفي معظم الحالات جاء كجزء من انحياز الحكومة المركزية لحكومات حضرية كبيرة كبديل للحكومات المحلية الصغيرة المجزأة. إن وجهة النظر هذه هيمنت على العمل البلدي لما يقرب العشرين عاماُ منذ إنشاء عمان الكبرى. إن قيام سلطة واحدة (مركزية في معظم الأحيان) في مناطق حضرية كبيرة يبدو حلاُ جذاباُ لمشكلة الحكم والإدارة الحضرية ومن المعتقد أن البلديات الصغيرة تساهم في ازدواجية في تقديم الخدمات مما يؤدي إلى رفع سعر هذه الخدمات. في الواقع إن الخطاب الرسمي كثيراُ ما إدعى أن الإندماج بين البلديات قد يؤدي إلى تقليل الضغط عن الحكومة وتوفير المال ويمكن أن يضمن المشاركة المحلية.

قد يكون الإندماج في بعض الأحيان مناسباُ، ولكن بمراجعة سريعة للتجربة الأردنية يتبين لنا أنه لا يوجد دليل على أن دمج البلديات قد أدى إلى بعض التوفير في المصاريف أو تقليل النشاط الحكومي أو من الممكن أن يضمن مشاركة المواطنين المحليين (إن مقالة د. محمد الأسد تؤكد على النقطة الأخيرة) والواقع أن (نموذج المدينة الضخمة) عمان تساهم إلى حد كبير بمشكلة زيادة النشاط الحكومي لأنه في النهاية ستخلق حكومة محلية من مستويين خارج الإطار الحضري ومستويين آخرين في الداخل. علاوة على ذلك فإنه ينتج عن هذا النموذج إلغاء المدن الصغيرة وبالتالي فإن هذا يمس مبادئ المساءلة والديمقراطية والإستجابة.

يجب أن أؤكد مرة أخرى أنني لا أدعو الأمين الجديد لعكس عمليات الدمج السابقة وإنما هي ملاحظة لإستعراض العمليات التي تم من خلالها الدمج والقيام بإعادة تصميمها استناداُ على بحوث مدروسة جيداُ. على وجه الخصوص أعتقد أن النهج الذي اتبعته الحكومة لإعادة الهيكلية للبلديات خلال العشرين سنة الماضية كان فيه مشكلتين متكررتين في فهم مبدأ اندماج البلديات وفي طريقة تنفيذه.

أولاُ: ينظر للإندماج في الحالات التي ظهر فيها على أنه الحل الوحيد القابل للتطبيق والذي يتعامل مع عدم الكفاءة. قد يكون الإندماج مناسباُ في بعض الأحيان، ولكن هناك طرق أخرى تستطيع البلديات أن تتعامل بها مع عدم الكفاءة. من الواضح أن الحكومة المركزية دفعت دائماُ الإندماج كخيار أوحد لإعادة الهيكلة المحلية. تخفيض عدد البلديات اعتبر دائما غاية بحد ذاته، ولقد كان هناك دائماُ نية للتخفيض في جميع المناطق. إن الإتفاقات بين البلديات والتي ستكون بديلاُ شرعياُ للإندماج غالباُ ما وصفت “بالمعقدة” و”ذات عمل صعب” وهو ادعاء أدلى به وزير شؤون البلدية الذي كان يقود مشروع إعادة هيكلة البلدية في عام 2001. في الحقيقة إذا تم تحقيق إدارة مناسبة لإتفاقيات البلديات فإنها سوف تكون أساساُ لتعزيز المنافسة والمساءلة.

ثانياُ: إن العملية الكاملة لإعادة الهيكلة نفذت من خلال اتباع منهج من أعلى إلى أسفل، مع مقاومة كبيرة في كثير من الأحيان من البلديات الصغيرة. هناك العديد من الطرق التي من شأنها تشجيع إعادة الهيكلة وجعلها تنطلق من المناطق المحلية، على سبيل المثال أظهرت التجارب من مناطق مختلفة في العالم إن توفير حافز قوي لتسهيل عملية الدمج عن طريق التمويل أدى إلى حرص كثير من البلديات على الإندماج. من المنهجيات البديلة للإندماج أيضا خلق مجالس خدمية أو مجالس لتنسيق الخدمات. هذه المجالس تكون مساءلة من قبل البلديات المشاركة. في هذا البديل، تمنح البلديات صلاحيات وتنسيق محدود. إن القيود الموجودة على الموظفين الإداريين يمكن أن تفرض بدون الحاجة للإندماج. إن مشاكل مجالس الخدمات المشتركة الموجودة حاليا في الأردن والمتعلقة بشكل رئيس بكفاءة هذه المجالس لا ينبغي أن تكون سببا لإلغاء الفكرة تماماُ. لضمان الكفاءة يمكن أن يتم التعاقد مع القطاع الخاص لإجراء الخدمات الأساسية على المستوى الإقليمي.

• إن دعوتي الثانية للعمدة الجديد تتعلق بموضوع تقديم الخدمات: إن السلطة “الميتروبولوتية” والتي يدعو لها د. محمد الأسد في مقالته سوف تعزز الإدارة المدنية وتوفير الخدمات بالتأكيد. بالإضافة إلى ذلك فإنها ستتمكن من ضمان التمثيل في مناطق مختلفة إذا صممت بشكل صحيح (الرجاء التركيز على هذه النقطة) وبالتأكيد فإن نظام المستويين مع سلطة “ميترو” واحدة أفضل من نظام متعدد المستويات في السياق الأردني. إن اقتراح محمد لسلطة الميترو يستطيع بالتأكيد تعزيز التمثيل ولكن قد يقلل الخيار.

لتعزيز تقديم الخدمات، على الأمين الجديد أن يعمل على نقل دور البلدية من منتج للخدمة إلى مقدم خدمة. كبداية لا بد من البحث عن طرق جديدة لتقديم الخدمة. هناك عدة بدائل والتي قد أثبتت جدواها في مدن مثل عمان, ولعل أجداها الشراكة ما بين القطاع العام والقطاع الخاص. ولقد أثبت هذا البديل جدواه كبديل لدمج البلديات وكذلك كبديل مجدي في مناطق قامت بالإندماج.

• دعوتي الثالثة للأمين الجديد تركز على التخطيط: لقد أصبح التخطيط هدف بحد ذاته أكثر منه وسيلة وكأننا “نخطط من أجل التخطيط”. فمن النادر أن يتم اعتماد الخطط رسمياُ، ناهيك عن التنفيذ. وكما تعرفون جميعاُ إن التخطيط في عمان لم يبدأ مع خطة عمان الجديدة. لقد كتبت منذ زمن بعيد حول “نمو عقلية التخطيط” في الأردن مشيراُ إلى مبادرات التخطيط المختلفة التي يعود عمرها إلى أكثر من ثمانين سنه. في الحقيقة كنت أناقش أن المخططين لا يقومون بإبتكار أفكار جديدة. بل إنهم يقومون بإعادة تدوير أفكار نتجت عما أشرت اليه في ذلك الوقت على أنه “خطاب التخطيط”. ولقد قمت بتوضيح ذلك من خلال دراسة فاحصة للخطابات الخططية التي أنتجت فكرة عمان الكبرى وخطة تنميتها الشاملة في الثمانينات. أشرت أيضا إلى “ممارسات خطابية” أخرى من المخططين، والتي استلزمت براءة خططها من الخطط السابقة، لإعطاء المزيد من الشرعية لخططهم. إن السبب الرئيسي لهذه الممارسة بالذات هو التصور السائد بأن الخطط السابقة قد “فشلت”. إن هذا تصور يستند عادة على الوجود المستمر لمشاكل المناطق الحضرية والتي أشير إليها في مقال الأسد. في غياب الساحات المناسبة أو المنتديات التي تناقش قضايا التخطيط، وغيات ثقافة التخطيط الحضري والإقليمي، ومقاومة أي مسؤول جديد للمدينة، بما في ذلك أمين عمان، بأن يتم تسليط الضوء على إنجازات من سبقه، اتعدم وجود نقد بناء للتخطيط، ولا حتى تقييم جيد وجاد للخطط السابقة، (أو تقديم أسباب لعدم التنفيذ بشكل صحيح). ومع استمرار وجود المشاكل في المناطق الحضرية يتم التعامل مع هذه الخطط على أنها فاشلة بغض النظر عن كيفية تنفيذها أو عدم تنفذيها (لا بد أن أذكر هنا بأن فريق مخططي شركة PA والذي كنت فخوراُ جداُ بقيادته لفترة من الزمن، قد كسر الخطاب حين أعد خطة عمان الأخيرة وذلك من خلال الإعتراف بشمولية الخطة التي أعدت في الثمانينات، والقيام بطرح السؤال الصحيح، ما هو الشيء الجيد من الخطة والذي من الممكن تنفيذه اليوم).

أعود وأقول خطط لا يتم تنفيذها في عمان، ولكن الأهم من ذلك خارج عمان، إن جهد وزارة الشؤون البلدية لعمل خطط شاملة مستمر بهدف الوصول إلى أكثر المدن في الأردن، من الأمثلة مخطط إربد والذي قمت أنا بقيادته، لم يعتمد حتى الاّن من قبل الجهات الرسمية بالرغم من مرور أكثر من سنة على انتهائه، وأنا أتخيل أن كثيراُ من الإفتراضات التي قام عليها المخطط قد تغيرت على أرض الواقع الآن. إن هذه مشكلة كبيرة لأنها توتر جميع العاملين في مجال التخطيط في مناطق مختلفة في الأردن؛ سواءا كانو مستشارين من القطاع الخاص أومخططين في القطاع العام.

إن ندائي للعمدة الجديد هو دعوة لاستئناف جهود التخطيط بطريقة تشاركية وشاملة، ومن المهم أيضاُ تنفيذ الخطط بالوقت المحدد. ولا بد من التنويه بأن يركز التخطيط على القضايا التي تعتبر بالغة الأهمية والحساسية لسكان عمان (المقيمين في عمان) لا على بناء هياكل صرحية لا تسمن ولا تغني من جوع.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية