أخلاقيات الاصلاح

الثلاثاء 19 تموز 2011

بقلم عاهد العدوان

بداية، الاعتداء الذي تم على المعتصميين والصحفيين غير مقبول ولا يمكن تبريره ويجب ان تتم محاسبة كل المتورطين امام المرجعيات المناسبة، حتى يعلم الجميع ان الحوار السلمي والاخلاقي الذي يحترم الاخر ورأيه هو احد اسس الامن والاستقرار والتطور في الاردن.وبالمقابل، فإن حب الانسان لبلده يدفعه الى ان يقف وبطريقة قانونية و ديمقراطية بوجه كل محاوله إعلاميه غير صادقه ومغرضه تهدف الى تشويه صورة الاردن، فالاردن نحن، ونحن الاردن.

قبل ايام، قام احد اعمدة الثورة المصرية بزيارة للاردن، حيث استوقفته الاجهزه الامنية وحققت معه كما يحدث مع معظمنا عند ذهابهم الى مصر، واتمنى ان يأتي اليوم الذي تتختفي فيه هذه المظاهر وتكون العلاقة مبنية على احترام انسانية العربي، طبعا ومن باب الفضول شدني الموضوع ولفت انتباهي، فقررت ان اتعرف اكثر على خلفيته من خلال ارآئه ومنشوراته على المواقع الالكترونية.

بعد قليل من البحث، وجدت ان له صفحة على الويكيبيديا تعرفه على انه شخصية عالمية مشهورة، وانه حائز على عدة جوائز عالمية مميزة في الصحافة وحرية الرأي وحقوق الانسان، وكانت صدمتي الكبرى عندما ذهبت الى حسابه على تويتر ورأيت العكس تماما، هذا يستحيل ان يكون المثل والقدوة في احترام الرأي واحترام حقوق الانسان، لا توجد كلمة نابية في اللهجة المصرية الا واستخدمها للتحقير من الاخر رأيا وشخصا وفكرا، وازداد فضولي  لمزيد من البحث لاجد ان هذه اصبحت ظاهرة خطيرة تتمثل في نموذج جديد قائم على احتقار وامتهان الاخر، ويبدوا ذلك جليا في جنبات عالم الانترنت والشبكات الاجتماعية.

اهذا فعلا هو النموذج الذي نريد ان نتبعه في التغيير؟ واي تغيير ينتج عن امتهان الاخر والطعن في شخصه وكرامته بدلا من احترامه وتقديره؟ تغيير نحو الاسوأ، ويستحيل ان يقود ذلك الى الاصلاح، وهل جاء الينا ليعلمنا كيف نتعامل مع قضايانا ومشاكلنا؟ نحن الذين لاتوجد مدينة الا ووصلها معلمينا ومهندسينا واطبائنا، نحن الذين لاتوجد جامعة في العالم الا ودرس فيها ابنائنا؟ ومن ادرى بشعاب الاردن منا؟ ومن حمل على كاهلية ٩٠ عاما من الانجاز في اصعب الظروف غيرنا؟ وهل مصر قبل الثورة افضل منا؟ وهل مصر ما بعد الثورة ستكون افضل منا؟ اين ثقتنا في انفسنا وفي قدرتننا على التغيير الايجابي؟

الذي يحدث الان في بلدي، محاولة لاستنساخ هذا النموذج، والمتابع لمستوى اللغة المستخدمة في الحوار يجد انحدارا تدريجيا في كل يوم. المشكلة انه هنالك من لايريد ان تمضي الامور بطريقة طبيعية تؤدي الى تداول سلمي للسلطة، الذي يجري من خلال الفتاوي والاسلوب الجديد المتبع في امتهان الاخر من “كافة الجهات” هو تهديد حقيقي لأي جهد اصلاحي.

وحقيقة، ان هذا النموذج تم انتقاده والحكم على فشله وخطورته من خلال رسالة بعثها قائد المناضلين والثوار في العالم نلسون مانديلا الى شباب الثورة المصرية والتونسية، يشير فيها الى انه اذا استمريتم في تهميش الاخر، واستخدام الاسلوب المبتذل في التعامل، فإن الحقد سيولد حقدا، وستدخلون عندها في حلقة مفرغة تأخذكم الى الهاوية وتأخذ معكم احلام الشباب العربي الذي رأوا فيكم المثل والقدوة.

مانديلا يقول لكم تعاملوا بعقلانية مع الداخل، والذي يحدث انكم تخلقون ظروفا داخلية وخارجية لتدمير ما انجزتموه. الاخطر، ان تصرفاتكم اليوم تبني لمستقبل علاقاتكم مع الدول المجاورة، فأي محاولة لزعزعة امن واستقرار هذه الدول، سيعود وبالا عليكم،لانه سيخلق اعداء جددا، وكأني بأحدهم يدفن حلم التكامل العربي الى غير رجعة، وهل هذا فعلا هو الهدف النهائي لمن يغدقون عليكم النصح والمشورة؟

دعوني احاول استنتاج الصورة النهائية لمن يستخدمون الاسلوب المبتذل واللاأخلاقي بدلا من اسلوب الحوار والاقناع في تغيير الامور، يؤدي ذلك عادة الى مزيد من الكره والحقد والشعور بالغضب، وعليه فلن ينعم اي كان لا بالديموقراطية ولا بالاصلاح ولا بالامن والامان، وللجميع في النموذج العراقي واللبناني العبرة والمثل، فالدولتان لديهما دستور متطور وقوانين ديمقراطية متطورة، ولكن المشكلة تكمن في احترام الاخر.

العقل والمنطق يقتضي ان نبني على ما تم انجازه، ولدينا القدرة على ذلك، التلاحم والتوافق الوطني اسقط حكومة في الاردن، ودخلنا في تعديلات سياسية ودستورية جيدة وتشكل خطوة نحو الامام، يعني ان الطريقة المتبعة نجحت وفعالة في اجراء التغيير، ولنكن على قناعة انه فقط من خلال جبهة داخلية موحدة نستطيع ان ندفع بإتجاه تطوير الاردن وبناء مجتمع مدني حقيقي قائم على الحقوق والواجبات، وايضا حتى نحمي حقوق الجميع وندفع بإتجاه حل عادل للقضية الفلسطينية.

رسالتي قبل الاخيرة هي للجهات العالمية التي تمنح الجوائز الصحفية وغيرها وخاصة المتعلقة بتقدير وتكريم السلوك الانساني العقلاني، يجب ان تحتوي هذه الجوائز على شرط الاستمرارية، ما معناه، انه اذا قام الشخص الذي منحت له الجائزه بأي تصرف مخالف لموجبات المنح، فتسحب تلك الجائزة ويلغى ذلك التكريم كأن لم يكن، حتى يكون ذلك موجبا لاستمرارية السلوك الايجابي ومانعا لسوء الاستغلال.

واخيرا، ليس هنالك خلاف على الحاجة الى التغيير، لكن من الضروري التوافق على الاسلوب والطريقة، دعونا لا ننسى من نحن، وماذا انجزنا بالقليل واليسير، وكيف ان علينا مسؤولية كبيرة للارتقاء بالاخر فكرا وممارسة وتعاملا من خلال الاختلاف الذي يحترم انسانية الانسان ويرتقي بالاردن نحو مستقبل افضل لنا ولابنائنا واهلينا.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية