ثنائية الحكومة والإخوان

الأحد 10 تموز 2011

تصوير روان دعاس

بقلم ضياء اشتيّة

يــُـصنـّف أتباع جماعة “الأخوان المسلمون” أنفسهم بالمعتدلين فكريــّـاً مقارنةً بالتيارات الدينية المتشددة والقابعة في أقصى اليمين، أو بتيار الإسلام الليبرالي التنويري الذي خفت صوته وخبت بريقه في منطقتنا العربية هذه الأيام، فـ“الإخوان” يطرحون شعارات الإصلاح السياسي والاجتماعي والاقتصادي من زاوية تظهر للناس أنها وسطية وواقعية، وتراعي ظروف وخصوصيات الزمان والمكان، وصولاً إلى تصورهم ونظريتهم للحكم، وانتشال البشر من الذل والتبعية إلى العزة والكرامة، حيث تنتفي البطالة والفقر وفتن النساء وتعاطي المخدرات والمعازف والظلم، ويعيش الجميع في جنةٍ مؤقتة – ترانزيت – في انتظار انقضاء حياتنا الدنيا والعيش في فردوس الآخرة، وشعارهم: الإسلام هو الحل!! شعار سهل للاستقطاب العاطفي، وما يجدر ذكره هنا هو التفريق بين أتباع الجماعة المنتسبين تنظيمياً لها ومؤمنين أيدولوجياً بها ويبايعونها على السمع والطاعة على المكره والمنشط، وبين أنصارها من المتعاطفين مع أي خطاب دينيّ والبسطاء الذين انساقوا وراء يافطات جذابة العناوين وبرّاقة الشعارات، الذين جربوا مشاريع وأحزاب سابقة أوصلتهم لحالة من اليأس والضياع والبؤس والهزيمة، فلجأوا إلى السماء و”المقدّس”.

في الأردن، كانت وما زالت علاقة “أخوان” الأردن مع النظام علاقة تصالحية خالية من أي صدامٍ، بل على العكس من ذلك استعان بهم النظام وبخطابهم الديني للتصدي للمد اليساري والقومي بتحالف ضمنيّ أعطى للأخوان حرية الحركة في البلد من خلال مؤسساتهم ونشاطاتهم ومناصبهم الرسمية التي مُـنحت لهم في زمنٍ كان يـُسجن من يُعثر بحوزته قصاصة بيانٍ في تلك الحقبة من الأحكام العــُـرفية، واستمرت هذه العلاقة التبادلية بينهما ولا زالت بين شدّ وجذب وفقاً لمصالح الطرفين، والشواهد على ذلك كثيرة.

في الحراك الجاري اليوم في الأردن، يتسيّد “الأخوان” المعارضة المطالبة بإصلاحات سياسية على رأس الأحزاب الأخرى ذات الحضور الشكليّ، ولا تخرج شعاراتها عن إجماع بقية الأصوات من حيث السقف المرفوع، فرفعوا شعار “إصلاح النظام” وشاركوا بفعالية في المسيرات منذ 24 آذار وما تلاها، كما كانوا من ضمن الأطراف التي شاركت في لجنة الحوار الوطني، واستخدموا النقابات المهنية والجمعيات الخيرية ومؤسسات إعلامية ومؤسسات مجتمع مدني وتجمعات عشائرية وشخصيات مستقلة كلها تدور في فلك “الأخوان” الذين يبرعون في تنويع الفعاليات والنشاطات بحكم انتشارهم شعبياً في مختلف القطاعات والمحافظات.

لكن النخب السياسية والحزبية في البلد بدأت تتململ من طريقة تعاطي “الأخوان” معهم، فلا مؤشر على أن نهج “الأخوان” قد تغير، من قـبيل اعتبار الآخرين أتباعاً لا شركاء، وتتهم أحزاب المعارضة “الأخوان” بالتجارة في جماهير غيرهم، واستفرادهم في القرارات ذات البعد التنظيمي واللوجيستي للحراك، واستخدامهم للآخرين فيما يفيد مصلحة “الأخوان” الضيقة والمباشرة، ويبدو أن الثقة شبه معدومة بين شركاء المعارضة التقليدية، خاصة مع استمرار القنوات السرية بين “الأخوان” من جهة والحكومة من جهة أخرى والذي ينذر بتفاهمات ثنائية غير وطنية، ناهيك عن الغموض الفكري الذي يلمسونه في أيدولوجيتهم الإقصائية الرافضة للتعددية والدولة المدنية.

الشك في فكر “الأخوان” ونواياهم يكمن في ازدواجية الظاهر والباطن عندهم، فهم أمام الناس مهذبون، خلوقون، أيديهم نظيفة، يُصلــّون الفجر، يكرهون أميركا وإسرائيل، يُصلحون ذات البين، يبتسمون، يطلقون لحية عصرية، ويدّعون قبول الآخر واحترام رأيه. لكن فيما بينهم، يعتبرون أنفسهم وكلاء الرحمن الحصريين على البسيطة، والقابضين على جمر الحق، المعصومين عن الفتنة في آخر الزمان، والأقرب إلى الله من غيرهم، وعلاقتهم مع الآخر – أي من ليس منهم – واضحة كما كتبها منظرهم سيّد قطب في كتابه العدميّ معالم في الطريق، هكذا كان نهجهم ودينهم ولا زال، منذ حسن البنا و(نظامه الخاص) وصولاً لتحالفهم مع العسكر ضدّ شباب ثورة 25 يناير، وقصائد الغزل التي يلقونها لاستمالة قلب أميركا وإسرائيل كي يكونوا بديل الغرب المفضل في مصر لا تزال جارية حتى اللحظة.

أسئلة، هل الأحزاب القائمة حالياً تمثل كل الذين يريدون إصلاحاً في هذا البلد؟ هل الفراغ السياسي والحزبي هو الذي أعطى لجماعة “الأخوان المسلمين” في الأردن هذا الزخم والحضور الشعبي؟ هل يحتاج الأردن لأحزاب وتجمعاتٍ سياسية بعيدة عن الأيدولوجيا المعلبة والشمولية؟ هل نريد أحزاباً وطنية قائمة على البرنامج الذي تطرحه، لا على مدنٍ فاضلةٍ موجودة فقط في العقول؟ هل يصعب علينا تجميع الأردنيين على أفكار العدالة والمواطنة وحرية التعبير ودولة المؤسسات وفرض القانون؟ هل معارضتي لسياسات الحكومة تحتم علي الهرولة لأخذ الطاعة من أمراء المؤمنين الجدد؟ وهل رفضي لتصوّر “الأخوان المسلمون” يعني اصطفافي إلى جانب
الفاسدين بحجة خبث النوايا؟

حتماً هناك طريقٌ ثالث بعيداً عن ثنائية الحكومة – الأخوان، سيُوصل الأردن لما نسعى إليه من دولة عصرية متقدمة تحترم مواطنيها ويحترمها العالم.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية