أمـا آنَ لـهـذا الأمـيـن أنْ يـُـنـتــَخـَـب

الأربعاء 27 تموز 2011

بقلم ضياء اشتية

اجتمع نواب الأمة وصفوة الشعب الأردني وخيرة أبنائه تحت قبة البرلمان الكائن في العبدلي، ضمن الجلسات الاستثنائية التي تعقد في هذا الظرف الحساس من تاريخ البلد لإقرار تعديلات دستورية نحو إصلاحات سياسية شاملة، وأبرز ما كان بين يدي سلطتنا التشريعية قضيتين غاية في الدقة والجدل هما: نقابة المعلمين وانتخاب أمين عام العاصمة.

حضر الجلسة 70 من أذكياء الشعب وتغيب 50 من فئة الأكثر ذكاء، ولا أفهم ما هي الأعذار التي يقدمها نوابٌ انـتـُخبوا ليتفرغوا كلياً لمشاكل وهموم الوطن والمواطن ويتغيبون عن مثل هذه الجلسات في مثل هذا الزمن الحساس والمنعطف الحاد الذي نأمل أن نتجاوزه لمستقبلٍ أقلّ إحباطاً، والذي يتطلب من نوابنا الكرام السهر طويلا والعمل بدأب كي “يـُحلــِّـلوا” على الأقل رواتبهم الشهرية المقتطعة من ضرائب المواطنين وعرقهم.

في هذه الجلسة أُقـرَّتْ نقابة المعلمين، وهو ما كان من مستحيلات الأمر الواقع قبل أشهر استناداً إلى الصيغة البائدة المكبـّـلة بتأويلات دستورية وقانونية تحرم هذه الشريحة العريضة من المجتمع من حقوقٍ ومطالبَ مشروعةٍ أسوَة بغيرهم من الشرائح العاملة بالمجتمع، غير أن العمل الدؤوب والمركـّز، والمنطق السليم الذي انتهجه المعلمون والضغط الذي مارسوه من اعتصامات وإضرابات ورسائلَ لصنـّاع القرار أدى إلى إقرار قانون نقابة المعلمين في جلسة ربطت بين النقابة وتفعيل مؤسسات المجتمع المدني في العملية الديمقراطية.

في نفس الجلسة رُفـض مطلبُ انتخاب أمين عمان، وبنتيجة مضحكة، بحيث لو اطلعت عليها شعوبٌ أكثر حظاً ونصيباً منا في احترام عقواها لاعتبروا هذا الرفض الكاسح بمثابة درء للمفاسد، وإسقاطا لشيطانٍ كاد أن يخرج من مخبأه، وتحصينا لمجتمع كاد يفتك به داءٌ خبيث، فلا تجتمع أمتي على ضلالة اقتراح انتخاب أمينٍ عام لأمانة عمان الكبرى!!

الديمقراطية الحقيقية هي ممارسة وثقافة وقيمة لمجتمعاتٍ ترنوا صوب التقدم، وتـُـلقي وراء ظهرها التخلف والرجعية، فلا معنى لديمقراطية النصوص النظرية غير المثبتة والفرضيات التي نتغنى بها محاولين إقناع ذواتنا أننا أفضل حالاً من ديكتاتوريات ودول متخلفة وقاصرة تحيط بنا، ولا جدوى من ديمقراطية تـنـتـقـصُ من حق الشعب باختيار ممثليه ومن ينوب عنهم لتحقيق آمالهم وطموحاتهم سواء كانت سياسية أم اقتصادية أم خدمية، ديمقراطية تطبق بنزاهة وشفافية ورقابة على كافة الأصعدة والقطاعات، بدءاً من انتخاب مجالس الطلبة وأولياء أمورهم في المدارس ثم اتحادات الطلبة في الجامعات والمعاهد وكليات المجتمع وصولاً للنقابات المهنية ومؤسسات المجتمع المدني والأحزاب السياسية، وانتهاءً بالمجالس البلدية ونواب السلطة التشريعية التي ستفرز سلطة تنفيذية ممثلة برئيس الوزراء.

أهل عمان أدرى بأزقتها وأرصفتها ونظافة أيدي من يرونه أهلا لمنصب أمينها، وهم ليسوا قاصرين على التمييز بين الغث والسمين كي يتم فرض أمينهم عليهم بالقوة بمنطق الوصاية وثقافة الراعي والقطيع، ولا شرعيـّة لقرار يصدر من سلطة تشريعية منافٍ للديمقراطية الملخصة بـ “حكم الشعب” باعتباره مصدر السلطات، قرارٌ مؤيـدٌ لسياسة التعيين بالإكراه وما يحيط به من محاصصة وولاءات ومصالح فردية بين المتنفذين الذين يجمعون بين المال والسياسة وبين العطاءات والمناصب، فاتحاً أبواب المحسوبية والفساد الذي يصعب إثباته في بيئات الشللية وتحالفاتها.

لا حقّ لمجلس الـ (111) المزوّر شكلاً ومضموناً أن يفرضَ على المواطنين “أوتوقراطيـّـة” من تحت قبة البرلمان، ولا أن يعارضوا حق العمانيين في اختيار أمينهم بالانتخاب المباشر وفق قانون عصريّ ضابط وناظم لهذه العملية الديمقراطية غير المنقوصة، ومثل هذه الجلسة وهذا الرفض سيدفع أهل عمان كي ينتهجوا ما انتهجه المعلمون من حراك مؤثرٍ على الأرض إلى أن يستجيب صناع القرار لمطالبهم، ويكفي أن تـضـربَ عمان يوماً واحداً كي يـُـقرّ قانون انتخاب أمينهم في اليوم التالي.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية