ما لا يصلحه الدعم في جامعاتنا

الأربعاء 10 آب 2011

تصوير ربى العاصي

بقلم لينا شنك

إلى حين تأمين الدعم المطلوب للجامعات حتى تصلح حالها، هناك العديد من الاقتراحات التي لا تتطلب بالضرورة بند نفقات اضافية في موازنة الجامعات، كما أنها اقتراحات لا تعيد اختراع العجلة فالمسؤولون في الجامعة باعترافهم الشخصي يعون كل الأخطاء ولكنهم بحسب قول أحدهم لا يملكون “عصا سحرية” ولا يملكون قرار انهاء عقود أساتذة حتى وان ثبت عدم أهليتهم.

حتى لا أقع في خطأ التعميم، فأنا أتحدث عن تجربة شخصية في قسم العلوم السياسية في الجامعة الأردنية، والذي احترت في أمره، فلست أدري إن كان طلاب هذا القسم هم المسؤولين عن حالهم، أم أنهم من انتاج الوضع القائم وكأن هذه البيئة بمثابة جهاز مصمم خصيصا لينتج الأشخاص المطلوبين لملء شواغر في الوضع القائم والمحافظة عليه كما هو من دون التحقق من عدالته.

من خلال السنوات الأربع التي قضيتها في الجامعة، لست أذكر الا عدد محدود جدا من الحالات التي كان فيها النقاش مفتوحا للآراء المختلفة من دون التدخل من الدكتور المحاضر لاسكات الرأي الآخر بحجة أن الدكتور “أخبر منك وبيعرف أكثر منك”. وأذكر جيدا أن أحد المحاضرين، وهو صاحب حضور قوي في الساحة السياسية في هذه الأيام، كتب لنا سؤالا في الامتحان يقول فيه “لماذا لا نقبل بدولة علمانية؟”.

لا أعلم ان كنا نحتاج إلى دعم مالي من الحكومة حتى نقنع الأستاذ بأنه ليس نبيا، وأن آراءه الشخصية لا تتوافق بالضرورة مع 150 طالب آخر يجلسون لتأدية الامتحان، فاذا كان هو لا يقبل بدولة علمانية، ليس من حقه أن يتحدث بصيغة “نحن” ويفترض أننا جميعا نسير معه على نفس النهج.

كما أن الدكتور الذي يسأله طالب ما معنى كلمة “ثيولوجي”، فيسأله “من وين جايبها؟”، ثم يعتذر لأنه لا يعرف ويطمئن الطلاب بأنها “مش داخلة في الامتحان”، لا يستحق أن تستعين الجامعة بخبراته مجددا كونه من الأساتذة الزائرين حتى بعد أن علمت بمستوى مؤهلاته من خلال شكوى الطلاب. ومع ذلك، فقد تمت الاستعانة بخبراته لتدريس مساقات أخرى حتى بعد تعهد أحد المسؤولين بعدم السماح له بالتدريس بعد ذاك الفصل الدراسي.

الأمثلة تكاد لا تعد ولا تحصى عن أساتذة لا يريدون أن يعتبروا آرائهم مجرد آراء تحتمل الصواب والخطأ، وآخرون لا يريدون أن يعترفوا بأنهم غير مؤهلين. المفارقة أن كل أستاذ تواجهه بهذه الشكوى وتعترض على طريقة تدريسه، يقول لك “والله معك حق، بس هم هيك بدهم”، ثم تذهب إلى “هم” والتي يفترض أن تشير إلى الادارة، فحتى هؤلاء يقولون بالحرف الواحد “احباطكم لا يشكل نقطة في بحر احباطي، بس هيك بدهم وما في بايدي شيء”، فيبقى ضمير “هم” يرافقك في كل مكتب من دون أن تعرف من “هم”.

ثم نأتي على قصة الواسطات والمحسوبيات والاكراميات لأجل عيون “الهوية الفرعية”. في بيئة جامعية محترمة، لماذا يصر الأستاذ على معرفة أصل ومنبت كل طالب عندما يقرأ اسمه في ورقة الحضور والغياب؟ لماذا يعنيه الأمر كثيرا؟

بالمناسبة، هذه الحادثة ليست حادثة منفردة، وتتكرر بصورة شبه عادية، حيث يستغرق قراءة الأسماء والتعرف على الأصول والمنابت نصف وقت المحاضرة تقريبا، ثم انها ممارسة لا تبعث على الشك في عدالة الأستاذ بتاتا وتقدم مثالا حيا على المساواة.

ذات مرة، سألت طالبة أحد المحاضرين على مرآى ومسمع الجميع، “دكتور مزبوط رح تزيد 5 علامات اذا انتخبنا فلان”، وفلان كان مرشحا يمثل مدينة الأستاذ الأصلية في انتخابات مجلس الطلبة، فاكتفى الأستاذ بالقهقهة ولم يجب على سؤالها!

ثم روى لنا أحد زملائنا أنه كان يستعد للغش في امتحان لا يعرف عنه شيئا، ولكنه تلاسن مع أحد المراقبين وخرج من القاعة، فالتقى أستاذ المادة في خارج القاعة، وسأله عن اسمه، ثم قال الأستاذ “شو بيقربلك فلان؟”، فشاءت الأقدار أن “فلان” هو “عمه اللزم”، فاستغرب الأستاذ وقال له “هسا فلان عمك وبدك تغش، توكل على الله لا تخاف”!

هذه الأمثلة لا تشكل واحد بالمائة مما يحدث فعليا، ومشكلتي الفعلية أن أحدا لا ينكرها، ويتعايش معها مما يدفعني للتساؤل عن دور الدعم المالي الحكومي في تغيير هذا السلوك.

ومشكلتي الأكبر هي في أن العديد من الطلاب لا يأبهون بأنهم على سوء مستواهم الأكاديمي أفضل من بعض أعضاء الهيئة التدريسية، وبعضهم الآخر لا يبذل جهدا في دراسة المساق، لأنه “شغله مضمون” والأسوأ أنه “ضامن شغل في الدولة” ويطمح للقب “معالي”.

عندما تحدث الدكتور مروان المعشر عن القصة التي يذكرها جيدا ولا تزال عالقة في ذهنه، ذكر بأن هناك فئات من المجتمع تعتمد مبدأ “يا كفاءة يا ولاء”، وترفض أن يجتمع الاثنان، وكأن ثالثهما الشيطان. روى الدكتور المعشر أن أحد أبرز وجوه قوى “الشد العكسي” قال لجلالة الملك بأن المعشر يعمل على تطبيق مبدأ “الكفاءة بدلا من الولاء” وهو مبدأ “خطير” بحسب وصفه .

يعيدني هذا المثال وهذه القصة إلى آخر فصول الدراسة، حيث كنا نستعد لامتحان عن الاقتصاد الأردني، وقال أحد زملائي ونحن نراجع مادة الامتحان أنه يريد فقط أن ينجح بتقدير “مقبول” في هذه المادة، كونه لا يحتاج إلى معرفة الكثير عن الاقتصاد الأردني حيث أن عمله “مضمون” في سلك “الدفاع عن الوطن”.

سألت زميلي وقتها ان كان يضره أن يعرف القليل عن المادة، فهي على الأقل إن لم تكن ذات فائدة فهي لا تؤذي، فتذمر من المادة، وتساءل عن جدواها، ثم ذكرني بأن عمله لا يحتاج إلى كفاءة بل “ولاء وانتماء” ولا ثالث لهما!

بالتأكيد زيادة الدعم المخصص للجامعات سوف يحل العديد من مشاكلها، ولكن كيف سيغير الدعم من هذا النهج والذي لا يمارس على استحياء بل يظهر واضحا للعيان؟

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية