في الهوية والمواطنة: أزمة أبناء الأردنيات المتزوجات من أجانب

الثلاثاء 06 أيلول 2011

بقلم لينا شنك

في اللقاءات التي تجمع بعض المسؤولين بالناشطات النسويات والأردنيات المتزوجات من أجانب، كثيرا ما يعد هؤلاء المسؤولين بحل قضية أبنائهن المعلقة بين سندان الهوية ومطرقة “الماء والموارد الطبيعية”، بيد أن الوعود تتبخر في اللقاء الذي يليه مع الجمهور الآخر وتوصف المطالب بأنها “الباب الآخر للتوطين” وقد لا يقل خطراً عن تحقيق المساواة بين الأردنيين من شتى الأصول والمنابت.

من أجل إنقاذ التعديلات الدستورية من “خطر” تحقيق المساواة بين الجنسين، حالت تدخلات في الساعات الأخيرة دون ادراج مفردة “الجنس” في المادة 6 من الدستور الأردني، وهي خطوة يشوبها الكثير من المفارقات، حالها حال العديد من السياسات المتناقضة، حيث كانت الأصوات المنادية بمنح الجنسية لأبناء الأردنيات تتساءل دوما عن سبب اعتبار هذه الخطوة مساهمة في تفريغ الأرض الفلسطينية في الوقت الذي لا نسمع فيه أي اعتراض على زواج أردني من فلسطينية تترك أرضها بطبيعة الحال لتقيم في الأردن.

على الرغم من أنهم يختلفون في تفسير القرارات الرسمية وقراءتها، ويختلفون في جنسية الأب والبلد الأصلي، الا أن كل من محمد الملقب بـ”محمد المصري” وأحمد الذي ينادى بـ”أحمد الفلسطيني” خارج مكان سكنه وقرينتهما حنين المعروفة بـ”حنين السورية” في عمان و”حنين الأردنية” في قرية والدها الأصلية في حلب يتشاركون في أزمة هوية قد تتشابه مع تلك التي اعتدنا عليها في جدال احتساب حصص المقاعد الوزارية، ولكنها أزمة تختلف بعض الشيء كونهم لم يدخلوا حتى اللحظة في عداد المواطنين ولم يتم الاعتراف بهم ولو شكليا.

بمناسبة الحديث عن الاعتراف، كثيرا ما يصادف هؤلاء الشباب، وهم جزء من عينة دراسة قام بها مركز المعلومات والبحوث في مؤسسة الملك حسين، سؤالنا الوطني المفضل “انت من وين؟”، حيث تقول حنين لصاحب الفضول بأنها “من هون”، فلا يقتنع السائل كونه “سمع أن أبوها سوري”، واذا مضت في الحديث وقالت بأنها سورية، تنهال الأسئلة عن “المطبخ السوري والأكلات السورية والعادات السورية”، وهي أمور لا تعرف عنها حنين الكثير بحكم عيشها الدائم في الأردن، فهي بحسب قولها “أردنية في كل شيء حتى اللهجة” ولكن من دون الجنسية.

أما محمد، فحكايته مع الاعتراف فيها مفارقة أخرى. اذا سئل محمد المعروف في مدرسته ومكان سكنه بـ”محمد المصري” السؤال ذاته، فيجيب بأنه “من الأردن” على الرغم من أنه يعي أنه لم يرق بعد إلى درجة المواطن. محمد، والذي يقول بأنه يناصر الاتجاه السياسي الذي يعمل لمصلحة الأردن كونه فعلا يشعر بأنه “ابن هذا البلد”، ذهب إلى اعتصام دوار الداخلية في يوم 25 آذار وغادر بعد مدة قصيرة. يعلق محمد على تجربته قصيرة الأمد بالقول “اذا ابن البلد أكل كل هالضرب، أنا شو بده يصير فيي؟”

عندما طلب من أحمد أن يرسم معاني كلمات مثل “الوطن، الانتماء، اللغة، الدين”، رسم الشاب الذي يبلغ من العمر 16 عاما خريطة فلسطين وعبر عن أمله في أن يراها حرة في المستقبل القريب. ولكنه عندما سئل عن خياراته، واذا ما كان يفضل البقاء على وضعه الحالي أم الرجوع إلى بلد الأصل، لم يسارع أحمد إلى الاجابة ولا ينكر أنه فكر طويلا في السؤال. يومها، ترك أحمد خانة الجواب فارغة وفكر طويلا في الاجابة ووصل إلى نتيجة مفادها أنه يريد أن يرى فلسطين حرة ولكنه سيبقى في مكان سكنه في الأردن.

بالتأكيد فإن إجابة أحمد هي “البعبع” الأول الذي يقف في وجه منح الجنسية لأبناء الأردنيات ولكنه لم يكذب، ولم ينكر حبه لفلسطين وحريتها. بالنسبة لأصحاب الصوت المسموع، فإن هذا هو “الوطن البديل” بعينه، وبالنسبة لأحمد فإن هذا هو المكان الذي نشأ فيه ولم يغادره الا 32 يوما فقط منذ أن ولد وذلك عند أداء مناسك العمرة مرتين.

لا يقلل أحمد من مخاوف التيار المعارض لمنح الجنسية والمتمثلة بـ”تحقيق سيناريو الوطن البديل”. من هنا، فإنه يقترح ايجاد استثناءات وشروط للحصول على الجنسية، وهي تشبه الشروط الموجودة أصلا في قانون الجنسية الأردني، كأن يكون المتقدم قد أمضى في الأردن عدد معين من السنوات تزيد عن 10 أعوام، بيد أن العمل بقانون الجنسية يتوقف في مثل هذه الحالات نظرا لطبيعة الظروف الحساسة و”الخصوصية الأردنية”.

ولا يخفي أي من هؤلاء الشباب رغبته في الانخراط في العمل السياسي يوما ما، وهو ما يزيد من مخاوف المعارضين لهذه الخطوة. في الوقت الذي يفترض أن تقدم فيه الجنسية حزمة كاملة من الحقوق غير المنقوصة، يتطلب وضع الأردن الاستثنائي حصر الحقوق، إن تم اقرار منحها لهذه الفئة، في الحقوق المدنية من تعليم وصحة وغيرها من الخدمات التي لن تأخذهم إلى صناديق الاقتراع.

تعتبر الكاتبة الصحفية نيرمين مراد حق العمل السياسي حق مشروع لأفراد ولدوا وعاشوا في الأردن لفترة طويلة. على الرغم من أنها لا توافق على الاستثناءات، وتعتقد بأن الهوية التي يجب أن تجمعنا هي هوية متعددة منفتحة في دولة مدنية حديثة، الا أنها تتفهم سياسة الدولة تجاه المولودين لأب فلسطيني وقد تتقبل أن يتم منحهم وضع خاص بحيث يتمتعون بجميع الحقوق المدنية من دون التطرق إلى السياسية. تضيف مراد، والتي تمر بالمشكلة ذاتها كونها متزوجة من أجنبي، أنها لا تريد لأطفالها أن “يكبروا كغرباء في هذا البلد” أو أن يأتي اليوم الذي لا يستطيعون أن ينضموا فيه إلى المنتخبات الوطنية أو المشاركة في المناسبات الوطنية.

في المقابل، فإن أزمة الهوية والتي توصف بـ”الفيل المغطى بالسجادة” ليست وليدة اللحظة بل “موجودة وقائمة من قبل موضوع التجنيس”، بحسب المدون فراس خليفات. يلفت خليفات الانتباه إلى الخلل في جميع “عناصر الهوية الأردنية” بدليل أننا لا ننطوي حتى اليوم في اطار هوية وطنية جامعة، وهي أزمة برأيه من صنع نظام تعليمي كامل لا يربي أجيالا أردنية بقدر ما يربي جيلا “منحل وطنياً” وسياسة الدولة الخفية في تشجيع الأفراد على الانخراط في فروع أحزاب غير أردنية ومعاقبتهم على الانضمام إلى حزب أردني، وكأن الدولة تدفع بالفرد إلى التخلي عن “أردنيته” والاهتمام بأولويات غير أردنية.

حتى لا تكون الهويات الموزعة مثل “كروت الشدة”، يقترح خليفات أن يخضع كل المتقدمين إلى امتحان يثبتون فيه أنهم جزء من الأردن وأنهم سيكونون جزءا من هويته الوطنية الجامعة. كما يتضمن هذا الامتحان أسئلة من قبيل تعداد المحافظات الأردنية وتحديدها على الخارطة، وحتى تعداد الأسماء الرومانية للمدن كون الأردن لم “يأت من فراغ”، وغيرها من الأسئلة التي تمنح للهوية الأردنية “هيبتها” بعد أن “تم تجنيس الآلاف من دون حتى أن يتم حفظ الأسماء على حاسوب الوزارة” على حد قوله.

خلاصة قول خليفات أن أزمة هويتنا “فيهم وبلاهم” موجودة، وذلك لأن لدينا – وفقا لرأيه- تيارات عديدة تفسر الهوية وفق منطقها، فهناك من يرى أن الأردني هو كل من كان أردني قبل عام 1988، وآخرون يعتبرون الأردني من كان على أرض شرق الأردن عام 1921، أي أن التيار الأخير يسقط الجنسية تلقائيا عن الأرمن والشوام والشركس وحتى “العقباوية”، وهناك الأكثر تطرفا والذي يرى في الأردنيين نسخة أخرى عن “شعب الله المختار”، ويتابع بأن لديه شغف بإحياء هوية أردنية جامعة ومتعددة، ويرفض اعتبار هؤلاء مجرد أرقام أو “بصراحة أكثر كالغنم”!

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية