كيف غطى الإعلام الرسمي استقالة/إقالة فارس شرف

الأحد 25 أيلول 2011

بقلم لينا شنك

ناسياً أو متناسياً أنه يكتب في الصحيفة ذاتها التي تخبئ نصف الحقيقة الآخر، طلب الكاتب الصحفي عبد الهادي راجي المجالي من الشعب الأردني ألا يجعل من محافظ البنك الأردني السابق فارس شرف “بطلا وطنيا”، كوننا لا نملك “تفاصيل الموضوع الكاملة”، عدا عن أنه لم يكن “يقاتل في ميادين القتال” بحسب وصف المجالي والذي استغرب من امكانية وجود “بطل” على رأس بنك متناسيا بأنه يشير إلى “أبو البنوك الأردنية”.

صحيفة الرأي ذاتها، والتي يكتب المجالي من منبرها عن قلة المعلومات المتوفرة لدينا حول سر الاستقالة المفاجئة، أوردت رواية واحدة، وتؤكد على لسان رئيس الوزراء معروف البخيت بأن “شرف استقال ولم يقل“، وهو ما ينفيه شرف نفسه في مؤتمر صحفي نقلت وقائعه الصحف الأخرى من بينها الغد والعرب اليوم وجاء خبر انعقاده فقط في زاوية عين الرأي حيث أرجعت الصحيفة سبب عدم نشر التصريحات إلى أنها “منعت من الحضور وتم استثناؤها من الدعوة إلى الجلسة”. في الوقت الذي أصرت الصحيفة الرسمية على اعتبار شرف مستقيلا من منصبه، روى شرف بأنه سمع عن خبر استقالته من خلال احدى المواقع الالكترونية ومن ثم تلقى اتصالا هاتفيا من رئيس الوزراء طلب فيه من المحافظ السابق الاستقالة. لم تنته الحكاية هنا، فقد رفض شرف تقديم استقالته، ولكنه فوجئ في اليوم التالي بوجود قوات الأمن في مبنى البنك المركزي الأردني وقرر حينها تقديم استقالته “لحماية مصلحة البلد”.

من اللافت، حتى وان بدا متوقعا، أن الصحيفة الرسمية لم تأت على ذكر وجود قوات الأمن مطلقا، وان كان وجود الأمن و”الاعتداء على هيبة مؤسسة وطنية حساسة” هي السبب الرئيس الذي أجبر شرف على الاستقالة ودفع بوالدته العين ليلى شرف إلى الاستقالة أيضا من عضوية مجلس الأعيان احتجاجا على “تهديد كرامة موظفي مؤسسة هي المسؤول الأول عن اختزان ثروات الوطن المالية”. في الخبر المقتضب الذي جاء بأسطر معدودة، نقل عن العين شرف أنها “لا تعمل مع دولة لا تحارب الفساد”، بينما وضحت هي في رسالة الاستقالة التي نشرتها صحيفة العرب اليوم أنها لا تستطيع البقاء في مؤسسة التشريع في الوقت الذي تنتهك فيه قوات الأمن حرمة المؤسسات الوطنية الحساسة وتعتدي على هيبتها.

ليست لحظة الاستقالة أو الاقالة هي الوحيدة التي حظيت بروايات مختلفة تبنت منها كل وسيلة اعلامية ما يناسب سياستها التحريرية، بل حتى الأسباب الحقيقية التي دفعت إلى هذا التغيير المفاجئ خصوصا وأن شرف لم يكمل عامه الأول في المنصب الذي لا يطاله تغييرات متكررة كما هو حال رؤساء الحكومات جاءت في روايات متناقضة.

صحيفة الرأي تختصر جميع التكهنات التي أثيرت في أوساط المراقبين وتوردها جميعها في صيغة النفي والتفنيد على لسان رئيس الوزراء الذي بدا مستغربا من التكهنات التي لا أساس لها من الصحة بحسب تصريحاته. بالنسبة للبخيت، فإن شرف قدم استقالته، مع التشديد على فعل تقديم الاستقالة، لأنه لا ينسجم مع “هيكل الدولة الأردنية”، وهو بحسب وصفه “ليبرالي لا يؤمن بسياسات الاقتصاد الاجتماعي”، مع أن الكاتب الصحفي فهد الفانك وضح لاحقا للرئيس من قلب الاعلام الرسمي أن “الدستور الأردني ليبرالي بامتياز” وأن “ومن يرفض الليبرالية إنما يرفض الديمقراطية والمبادئ والمنطلقات التي قام عليها الدسـتور”.

إخلاء المنصب، حتى لا نقع في فخ الاستقالة أو الاقالة، لم يأت بسبب الاختلاف في وجهات النظر حول أوجه صرف المنحة السعودية الأخيرة، والتي يقول رئيس الوزراء أنها تأتي من “وزارة مالية الدولة المانحة إلى وزارة المالية الأردنية مباشرة” بينما يرجح مراقبون آخرون وكتاب أعمدة ومعارضون بارزون مثل ليث الشبيلات بأنها من أسباب الخلاف. ولم تكن الخطوة بسبب منع شرف منح رخصة لرئيس الوزراء السابق علي أبو الراغب الذي كان ينوي اقامة بنك جديد بحسب ما ورد في وثائق ويكيليكس، ف”ويكيليكس” التي كشفت أسرار الجلسات المغلقة وخبايا السياسة التي لا تعرف أخلاقا تكذب، ورئيس الوزراء لديه ما يثبت أن الرخصة لم تكن من اختصاص شرف آنذاك. وتضيف صحيفة الرأي، التي لم تورد أي خبر حول الضجة التي أثارها القرار والمخالفات القانونية التي تشوب الخطوة، بأن صاحب الفضل في تحويل قضية المستثمر الأردني حسن السميك للتحقيق بتهمة غسيل الأموال هو مراقب عام الشركات وليس محافظ البنك المركزي السابق.

في الوقت الذي اكتفت صحيفة الرأي بنقل تصريح الرئيس الذي ينفي وجود علاقة بين “تحويل ملف فيه غسيل أموال” واستقالة شرف كما هو من دون الاسترسال وتوضيح الجهة المقصودة، فإن وسائل اعلام أخرى مثل الجزيرة وصحيفة العرب اليوم نقلت تفاصيلا اضافية ذكرت فيها اسم المستثمر الذي يقيم في امارة أبو ظبي ويتبرع إلى عدد من “المؤسسات الحيوية” في الأردن، مما يضفي الحساسية على قضيته المنظورة من قبل الجهات المعنية.

وبحسب الصحيفة الرسمية، فإن ملابسات “الاستقالة” واضحة، لذا فقد حذف عن قصد أو سقط سهوا من تغطية الصحيفة لمسيرات الجمعة أن المتظاهرين في معان طالبوا الحكومة بكشف ملابسات وتفاصيل الاقالة سريعا حتى لا يترك المجال مفتوحا للتكهنات، ففي الوقت الذي نقلت فيه الصحف الأخرى هتافات المتظاهرين في معان والمدن الأردنية الأخرى وذكرت تطرقهم لقضية إقالة محافظ البنك المركزي، اكتفى الاعلام الرسمي بنقل مطالب المتظاهرين بـ”محاربة الفساد” من دون ذكر الأسماء مع أن المتظاهرين لم يخجلوا من ذكرها!

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية