نار أيلول

الإثنين 19 أيلول 2011

بقلم مجد البهو – معهد الإعلام الأردني

يبدو أن أيلول أتى ساخناً جداً. لا يوجد طرف في المنطقة إلا ويحس بناره آتية. أين ستكون الثورة التالية؟ إنها في مقر الأمم المتحدة في نيويورك. في الثالث والعشرين من أيلول الجاري، يتوجه رئيس السلطة الفلسطينية محمود عبّاس إلى مقر الأمم المتحدة في نيويورك. سيلقي خطاباً ويقدم بعدها طلب انضمام فلسطين كدولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة، حسب قرار مجلس الأمن 242 الذي ينص على “انسحاب اسرائيل إلى حدود الرابع من حزيران عام 1976”.

الجميع موقفه حرج. السلطة الفلسطينية سئمت الركض وراء اسرائيل لاستئناف مفاوضات بلا جدوى تذكر ووجدت أن نتنياهو لا يريد هذه المفاوضات أصلاً. قضت على التسلح في الضفة الغربية كي لا تستمر إسرائيل بالتذرع بما تسميه “الإرهاب” لتمارس القمع بحق الشعب الفلسطيني. جاءت السلطة بالدكتور سلام فياض كرئيس للوزراء، يحظى بقبول أمريكي أوروبي، بنى المؤسسات والأمن وجعل من مناطق الحكم الذاتي الفلسطيني بيئة لا بأس بها لإقامة دولة عليها.

كل هذا تحضيراً لما تسميه السلطة “استحقاق أيلول”، هذا “الكرت اليتيم” الذي تملكه السلطة الفلسطينية ستلعبه. إن مرَّ ولم يقتل بالفيتو الأمريكي، ستكون منظمة التحرير انتهت حكماً ووضع اللاجئين انتهى؛ لأن القانون الدولي لا يسمح بوجود جهتين تنفيذيتين تمثلان الشعب الفلسطيني، فإما الدولة المنتظرة أو المنظمة.

أما مأزق الأمم المتحدة نفسها، فلأنها لا تستطيع رفض طلب السلطة الفلسطينية الانضمام إلى الأمم المتحدة كعضو كامل. فلا يعقل أن ترفض قرارها 242. السلطة لا تطلب جديداً، هي تطلب شيئاً أقّرته الأمم المتحدة نفسها عام 1967. خصوصاً بعد أن ارتفع رصيد السلطة من الاعترافات إلى 123 دولة في العالم تعترف بفلسطين دولة على حدود 1967.

الولايات المتحدة تضرب أخماساً في أسداس. بعد فشل كل المحاولات المباشرة وغير المباشرة لإقناع الرئيس الفلسطيني بعدم الذهاب إلى الأمم المتحدة، تخشى الولايات المتحدة من استخدام حق النقض “الفيتو” ضد الاعتراف بالدولة الفلسطينية، لأنها في هذه الحالة تستخدمه ضد الأمم المتحدة وليس ضد فلسطين. القرار صدر منذ العام 67 فلماذا لم تستخدم الولايات المتحدة الفيتو في حينه؟ وإذا كانت ستنقض قرار الأمم المتحدة فهذا يضع علامة استفهام على وجود هذه المنظمة الدولية. فلتنتهي إذاً كما انتهب عصبة الأمم من قبلها.

تكمن مشكلة إسرائيل التي عاد نتنياهو ينادي بالمفاوضات باسمها أنها شعرت بالوحدة، فلا الفيتو الأمريكي مضمون ولا الدول التي كانت صمام أمان اسرائيل في المنطقة عادت كذلك. مبارك تنحى وترك اسرائيل عرضة للسيناريوهات المختلفة، وبالرغم من إعلان المجلس العسكري احترام كافة المعاهدات الدولية إلا أن هذا لا يكفي لتطمئن اسرائيل. بشار الأسد لن يعود كما كان، منذ 1967 لم تخرج طلقة واحدة في الجولان المحتل وسقطت أسطورة معسكر الممانعة.

التخوّف الكبير لدى اسرائيل هو حق “التعاقد”. اليوم تعترف روسيا والصين بفلسطين ولكن لا يحق للسلطة الفلسطينية التعاقد معهما. أما إذا اعترفت الأمم المتحدة بفلسطين دولة على حدود 67، سيكون بالإمكان التعاقد وتوريد الآليات العسكرية للسلّطة الفلسطينية، ما يجعل إسرائيل تشرع في تدريبات ونشر آليات عسكرية على حدود الضفة الغربيّة، تريد جرَّ الفلسطينيين إلى مربع العنف الأول لينتهي موضوع الدولة ويعود الفلسطينيون “إرهابيون” كما كانوا قبل نزع التسلّح وبناء المؤسسات. هذا ما جعل الرئيس الفلسطيني في خطابة الأخير يكرر كلمة “سلمية” أكثر من مرة، راجياً من الشعب الفلسطيني التحلي بضبط النفس وعدم الاصطدام مع المستوطنين والجيش الاسرائيلي إلى حين النظر في طلب عضوية فلسطين.

سيناريوهان محتملان في 23 أيلول. إما أن يمر الطلب وتصبح فلسطين دولة على حدود عام 1967، وفي هذه الحالة ستنقلب المعادلة الدولية، فروسيا والصين اللتان خسرتا الرئيس الليبي معمر القذافي كما اقتربتا من خسارة الأسد، ستجدان لهما شريكاً جديداً في المنطقة يحق لهما التعاقد معه وتصدير الأسلحة له. عندها ستقرع اسرائيل طبول الحرب، لن تدع شحنة أسلحة واحدة تمر للفلسطينيين.

أما إذا لم يمر القرار ولم تصبح فلسطين دولة، فتكون السلطة الفلسطينية خسرت “الكرت” الأخير الذي تملكه. فمن السطحية الحديث عن مقاومة مسلحة بعد القضاء على التسلح في الضفة الغربية كما أن وضع الفصائل المفتتة في الخارج لم يعد كما كان، لم تعد دمشق مأوى آمن لهم. على الأرجح أن يحل الرئيس عباس السلطة الفلسطينية ويعود إلى منظمة التحرير الفلسطينية هذا إن بقيت على قيد الحياة. وتعود اسرائيل لإدارة شؤون الضفة الغربية وقطاع غزة وتكون مسؤولة في هذه الحالة عن الشعب الفلسطيني كشعب محتل ومجبرة على تحمل مسؤولياتها أمام العالم.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية