عداد الجرائم

الإثنين 10 تشرين الأول 2011

بقلم وعدسة ريم مناع

بعد أن بدأت العمل في مبادرة “لا شرف في الجريمة” أصبح جزء كبير من معارفي يحيونني باستفهام ساخر: أكم حالة قتل بداعي الشرف عنا بالأردن سنويا؟ أقول: تقريباً 15، فيرمونني سريعاً باستفهام أكبر من الذي سبقه: طيب 15 لا تعتبر ظاهرة! على شو عاملين حملة، و طنّة ورنّة؟

اليوم كنت أجلس مع مجموعة كانت تناقش موضوع القتل بحجّة الشرف، وكما هو الحال دائماً، وصلنا الى جزئية “اكم حالة عنا بالأردن؟” أجابت احدى الصحفيات أن النسبة ما بين 25 و 15 سنوياً، فصاحت بها احدى المناضلات بمجال حقوق المرأة: هذا كان زمان هلأ صرنا اقل من 15! ليقاطعهما آخر: كيف أقل من 15 وبـ سنة 2009 وصلّنا … ؟

أحيانا اشعر بأننا شعب “فطحل” بالرياضيات، حيث أننا نتعامل مع قضايانا الاجتماعية والسياسية والوطنية بناء على الأرقام فقط، ونتغاضى بشكل كامل عما يختبئ خلف الأرقام من دلالات موجعة تستوجب الانتفاض قبل ان يتحول الوجع الى موكب دماء.

كل حالة قتل لأنثى بداعي الشرف تعني أن اسرة أردنية فقدت بنت “قتيلة”، وفقدت ذكر”جاني”، وتعني أنّ الأخوة والأخوات في هذه الأسرة فقدوا معنى العائلة والأمان والثقة وأضافوا لقاموسهم لغة القتل كأداة حل سهلة لمشاكل مستقبلية.

أرشيف “لا شرف في الجريمة” يشير إلى وجود 17 حالة قتل لإناث ما بين التعنيف وحجة “العرض” خلال هذا العام الذي لم ينتهي بعد. ولكن ارشيفنا يعجز عن منحكم إحصاءات بعدد الإناث اللواتي يضربن ليلاً ويستقظن في الصباح ليعددن فنجان القهوة لفحلهن الشريف.

كما أن أرشيفنا يعجز عن منحكم إحصاءات بعدد الفتيات اللواتي يتنازلن يومياً عن حق عادي وأساسي حتى لا يورطهن هذا الحق بتهمة تشويه سمعة العائلة.

ويعجز عن إحصاء عدد النساء القابعات في السجون ودور الحماية لأنهن مهددات بالقتل. ويعجز أيضاً عن إحصاء عدد الذكور الذين يولدون على منطق: إنت بطل، إنت رجّال. وبالمقابل عدد الإناث اللواتي يولدن على منطق إنتِ بنت، عيب.

اذا أردتم أن تعرفوا الإحصاءات الحقيقية فلا تحصوا عدد الضحايا بل أحصوا عدد الخائفات، ولا تبحثوا عن عدد الجناة الذين قتلوا بداعي الشرف، بل ابحثوا عن عدد الذكور المتأهبين والجاهزين لإراقة دماء قريباتهم إن تجرأن في يوم على الخروج من جلباب الأب والأخ وابن العم وما يحلم به عريس المستقبل.

وإذا كانت حجتكم هي الأخلاق والرذيلة، فلا تحصوا عدد من فقدن عذريتهن بلا إطار شرعي بل احصوا عدد الرّجال المغتصبين.

لا أستطيع تفهّم اصرار الإعلامين عند الحوار معنا على ذِكر أن نسبة جرائم -مفهومنا الخاطئ عن الشرف- في الأردن أقل من غيرها في بعض الدول العربية.

حقيقة، لا أجد جدوى من هذه الجملة أو حتى هدف.

ولا افهم ايضا لماذا يحشر البعض امريكا بالوسط. وماذا يعنيني كمواطنة اردنية اذا كانت نسبة الجريمة في أمريكا أضعاف نسبة الجريمة في الأردن ؟

بالله عليكم متى ننتهي من مهرجان الحمد والصمت و المقارنات الفارغة؟

يا جماعة أنا أخجل من كل بنت تجلس في هذه اللحظات وعلامات الضرب تشوه جسدها وهي تستمع إلى مهرجان” نسبة الجريمة المنخفضة” الذي نحتفل به!

أخجل الآن من أخت صديق لي ضربها زوجها حتى نزفت وتحدثت مع أهلها لتلجأ إليهم ليكون الرد: فش عنا بنات تطلّق. اذا اطلقتي خواتك بعنّسوا!

سأنهي حديثي عن هذا الموضوع بإطلاعكم على احدى اللحظات التي اندهشت خلالها أثناء ورشة قصيرة الإسبوع الماضي مع 16 طالبا من طلبة الصف التاسع- الذكور- في الأشرفية، حينما أجاب 12 طالبا منهم بالإيجاب على سؤال: هل تقوم بقتل اختك اذا شككت بأنها على علاقة مع شاب؟ اثنان فقط أجابا بـ لا ، وواحد قال: أتأكد من صحة شكوكي قبل أن اقتلها ، والأخير قال: الحمدالله فش عندي خوات!

قد لا يتعرض أي من هؤلاء الشباب إلى ظرف يشّك فيه بأخلاق شقيقاته، وبالتالي لن تسجل المحاكم ولا الصحافة حالة قتل جديدة بحجة الشرف، وسنحتفل أمام العالم بقلّة نسبة الجريمة في الأردن، في الوقت الذي يعشعش فيه منطق القتل بعقول أبنائنا مع وقف التنفيذ.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية