من مصر: عن دعوى الاستقرار – 2

الأحد 27 تشرين الثاني 2011

بقلم أحمد زكريا – مصر (الصور بعدسة مصعب الشامي)

الصورة أعلاه أيضًا بعدسة مصعب الشامي – Creative Commons License

منذ حوالي عشرة اشهر، كتبت مقالاُ بنفس العنوان، عندما كان المصريون يتحدثون عن الإستقرار المفقود وامتدت الدعوات إلى ميدان التحرير: عودوا إلى بيوتكم، لقد فقدنا الإستقرار.

كان المصريون يواجهون طاغوتـاً تمثل في مبارك وحاشيته، وكانت دعاوى الإستقرار تتـناثر ما بين هنا وهناك، لكن العقل الجمعي المصري كان موحدًا على هدف واحد هو: إسقاط النظام الذي ظلم المصريين وأذلهم لهم طيلة ثلاثة عقود.

ويبدو أن ما كان يحدث في فبراير 2011 هو تقريبـاً نفسه ما يحدث في نوفمبر 2011 مع فارق أن المواجهة الأن مع العسكر.

فالمجلس العسكري طيلة الشهور الماضية ارتكب أخطاء كبرى في حق هذا الوطن، وما يحدث الآن في شارع محمد محمود لا يختلف في نظري عن مجازر يفعلها الإحتلال الإسرائيلي في حق الفلسطينيين أو ما فعله الصرب في الكوسوفيين، بل هو أعنف و أقبح، فالصهاينة والصرب كانوا يتصارعون مع أعدائهم من أجل الوجود، أما ما يحدث في ميدان التحرير والإسكندرية والإسماعيلية و غيرها من مدن مصر لا تفسير له عندي سوى الخيانة لهذا الشعب.

لم يتعلم الكثير من المصريين الدرس في فبراير، عندما انطلقت الشائعات في كل أرجاء أرض الكنانة، وكانت في الحقيقة نوعية الشائعات غريبة وجديدة على المصريين، مما جعل خوفهم مبررًا، وقلقهم مقبولاً، ودعواتهم للاستقرار منطقية في وهلتها الأولى. لكن يبدو أن المصريين يريدون دائمـــًا أن يطرقوا الأبواب السهلة من أجل تبرير الواقع وعدم إجهاد عقولهم في التعامل معه.

لقد ظل المصريون خلال الشهور الماضية يتعاملون مع المجلس العسكري بمنطق “آخر عمود في البيت” وأن عدم الحفاظ عليه سوف يهدم البيت علينا جميعـاً.

دعونا نعترف أن هذا المنطق نجح في التغلغل داخل عقولنا عند بداية مرحلة إدارة المجلس الأعلى للقوات المسلحة للبلاد، لكن بمرور الوقت وقعت أحداث تؤكد أن المجلس العسكري لا يريد الحفاظ على هذا العمود، و ذلك لأن المجلس ارتكب عددًا من الخطايا في حق المواطنين منذ شهر مارس وحتى شهر نوفمبر ، بدأت بحملة إعتقالات 9 مارس، ثم 9 إبريل ، ثم 28 يونيو، و فضيحة 1 أغسطس أول يوم من شهر رمضان، واحداث السفارة الإسرائيلية في 9 سبتمبر، ثم احداث ماسبيرو في 9 أكتوبر، نهاية بالحدث الدامي الذي مازالت تطوراته متصاعدة. واتضح بشدة أن المجلس العسكري أصيب بحالة من الغباء السياسي تفوق الوصف، و هنا أنا لا يمكنني أن ألومهم فهم في النهاية لا يفقهون في دروب السياسة ودهاليزها و يظنون أن منطق الأمر والنهي هو الذي سيفلح في التعامل مع الشعب.

نفس السؤال أكرره : لماذا يدعو إخواننا للاستقرار؟

المجلس هو اللي حمى الثورة: نعم لقد حمى الثورة ، حماها من الحسد، كما يردد المصريون الآن، المجلس العسكري منذ مشاركته في الميدان لأول مرة يوم 29 يناير، كان يشارك من منطلق الحفاظ على الوضع وعدم إشعاله إضافة إلى أنه كان يرفض ملف التوريث في البلاد، وبالتالي لو كان المجلس يحمي الثورة، فقد انتهى دوره الأن في مرحلة الحماية ولابد له أن يرحل لأنه بما يحدث الآن لا يحمي الثورة ولا يحمي نفسه.

لو المجلس مشي مين هيمسك البلد: عندما يرحل المجلس يأتي السياسيون المؤهلون لحكم البلاد، فالمجلس العسكري ليس مؤهل سياسيــًا كي يدير أو يحكم البلاد. المجلس لا يفقه سوى في تأمين الحدود ودخول الحروب، وكلاهما طالما تشدق بهما المجلس، فحدود مصر الغربية دائمــًا في خطر كما يزعم، ومصر كان الممكن أن تكون سوريـا أو ليبيا، وذلك كي يخيف المصريين من الأخطار، نفس اللعبة التي تمارسها النظم القمعية، لكن المجلس العسكري يمارسها بغباء بالغ، يجعلك تشعر بالحرج أن امثال هؤلاء الرجال – عذرًا للرجال – يحكمون مصر .

انتوا بتدخلوا محمد محمود ليه ؟ مثل هذه الأسئلة في الوضع الطبيعي يمكن الإجابة عليها بسعة صدر ورحابة، لكن في ظل سقوط الشهداء وزيادة عدد الجرحى يجب أن تكون الإجابة واضحة وحادة وعنيفة أحيانــًا: دخول المتظاهرين لشارع محمد محمود هو من أجل حماية الميدان من اقتحام الداخلية له، وللعلم، فمحمد محمود هو واحد من أسوأ وزراء الداخلية الذين حكموا في مصر، فقد كان الباشا الغير محمود وزيرًا لداخلية مصر في فترة الملكية، وكان رئيســًا لوزرائها أربع مرات. بارع في تزوير الإنتخابات، وتعذيب المصريين، فهو صاحب سياسة اليد الحديدية كما قالوا لنا في التاريخ، كانت قبضته دامية ، ويبدو ان روح الباشــا قد غلفت وزارة الداخلية وعقول مديريها منذ الثلاثينات حتى الأن.

عندما تفكر وتسأل نفسك ما الفائدة بالنسبة للمتظاهرين من دخول هذا الشارع (المؤدي من ميدان التحرير لوزارة الداخلية)؟ أقول لا شيء، وزارة الداخلية ليست مبنى الإذاعة و التليفزيون، والسيطرة عليها ليست هدفــًا ثوريــًا يُـبتغى للضغط على النظام الحاكم، كما أن الوزارة بعيدة عن الشارع حوالي 1000 متر، والدخول لها سيكون أسهل بكثير من خلال شوارع أخرى. لكن لو سألنا السؤال بشكل معكوس، لماذا لا تترك الداخلية شارع محمد محمود؟ لأنها و ببساطة تريد القضاء على التجمع الضخم في الميدان وشارع محمد محمود بالنسبة لهم هو الأسهل في المواجهة – في حال عدم وجود متظاهرين – و بالتالي فما كان يحدث دائمــًا في الشارع هو “فعل” من الداخلية ، و”رد فعل ” من المتظاهرين .

انتوا بتاخدوا فلوس من بره : فاجأتني إحدى السيدات وقالت لي: اللي بيموتوا دول بياخدوا 50 ألف جنيه، فقدت أعصابي وارتفع صوتي وشعرت في لحظتها أن ضرب إمرأة ليس عيبــًا لكنني تماسكت وقلت لها: لو أنا هاخد 50 ألف جنيه إيه اللي هيوديني أموت نفسي، و هل 50 ألف جنيه تكفي أي واحد فقد عينيه؟ هل كل من فقدوا أعينهم في الأيام الأربعة الماضية كانوا مأجورين؟ هل الطبيب أحمد حرارة الذي فقد عينــًا في 28 يناير، وأخرى في 20 نوفمبر يحصل على أموال في المقابل؟

اللي في الميدان بلطجية: من المؤكد أن أي فرد لديه عقيدة لا يهاب الموت، والبلطجية لا يملكون هذه العقيدة لأنهم مأجورون ومرتزقة. لو كان الجالسون في الميدان بلطجية لرحلوا مع أول قنبلة غاز مسيل، أو غاز كيماوي مثير للأعصاب. لكن الميدان مكتظ بالمؤمنين بقضية هذا الوطن حتى امتلأ الأمن منهم رعبـــًا.

– ما هو المشير قالكم هيسلم السلطة في يونيو: بعد أن بلغ السيل الزُبى ، وسبق السيف العزل، كيف يمكننا أن نأمن على أنفسنا مع مجلس استباح دماءنا خلال الأيام الماضية ولم يقدم إعتذارًا لمن ماتوا، ثم دافع عن الداخلية التي قتلتنا، و ظل مصرًا على عدم تأجيل الإنتخابات، و لم يحاسب القتلة ويحاكمهم، هل يمكن أن أثق في هذا المجلس وأنا ذاهب للتصويت؟ من يضمن لي أنني لن أجد بلطجية في كل حدب وصوب؟

–  الإقتصاد وقع: نعم هذا أمر حقيقي، لكنه لم يقع الآن، بل كان ساقطــًا منذ 30 عامــًا و لم يحاول المجلس أن يوقفه مرة أخرى على قدميه، بل قام بإهدار ملايين الجنيهات في استفتاء حول تعديلات دستورية ليخرج بعدها ويقول لنا: إن الإستفتاء كان على شرعية المجلس وليس على الدستور.

عجلة الإنتاج التي يتشدق الكثيرون بأنها توقفت، هي بالفعل متوقفة لأن المجلس أعاد هيكلة وزارة الداخلية واشترى سلاحــًا يقتل به المصريين بدلاً من أن ينفق الأموال على إستعادة الأمن ورفع مستوى المعيشة.

اللي بيدخلوا محمد محمود يستاهلوا اللي يجرالهم: نعم، يستحقون ذلك، لأنهم فخر الوطن وعزته، ضحوا بعيونهم وأجسادهم من أجل الوطن، ما ابتغوا جزاءًا أو شكراً، بل ابتغوا سبيل الله وحرية الوطن وتحرره.

دول قبضوا على 3 أجانب بيرموا مولوتوف: بنفس منطق الأجانب الذين كانوا مندسين وسط الميدان في فبراير، سنفترض أنهم كانوا يرمون المولوتوف على الأمن، ما هي مصلحتهم؟ ولماذا أفرج عنهم؟ وما هي التهمة التي وجهت لهم؟ كالعادة، يتم إستخدام الأجانب لبث الرعب في قلوب المصريين، وإشعارنا أن خطرًا خارجيــًا يهددنا ويقض مضاجعنا، فــتـُـصَب اللعنات على الميدان ومن فيه.

المصريون تواءموا واتسقوا مع هذه الأشياء فباتوا يبررونها ويستسيغونها ويستمرئونها، فالمزارع المصري القديم كانت حياته بسيطة هادئة مستقرة، لم يكن يرغب كثيرًا في الترحال والتحرك من مكان لأخر، وهكذا يعيش كثير من المصريين في هذه الأيام بعقلية المزارع الذي يريد إستقرار الأوضاع حتى لو لم يكن مزارعــًا.

قلة هي التي لا تستسيغ هذا الإستقرار الزائف وترفضه، هذه القلة هي التي نزلت إلى الشوارع، هذه القلة هي التي واجهت عنف الداخلية وغباء العسكر، هذه القلة هي التي فتحت صدورها أمام رصاص الداخلية وسحل العسكر، هذه القلة التي لن ترحل من ميادين الحرية والتحرير حتى تتم محاكمة النظام على جرائمه واسترجاع حق الشهداء، هذه القلة لا تطلب ممن يجلسون أمام شاشات التليفزيون أن ينزلوا لأنهم لن ينزلوا ولو بعد حين، هذه القلة هي من ستعيد بناء مصر وجعلها للمصريين.

عذرًا أيها السادة، دعواكم ترفضها محاكم الثورة، فلقد حكم الثوار على العسكر بالعزل حتى تكتمل الثورة.

مزيد من الصور من أحداث التحرير بعدسة مصعب الشامي هنا

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية