قوى الأمن النائمة

الأحد 13 تشرين الثاني 2011

بقلم محمود أبوصيام

الاعتداء على جريدة الغد ، مهاجمة مكتب الجزيرة والعربية في عمّان ، مقتل كبير المشجعين، مشاجرة كبيرة في الزرقاء، وأخيراً وليس آخراً اقتحام مسجد في الكرك بالأسلحة النارية.

وسط هذا الزخم الواسع من العنف العشوائي تناقلت الصحف في خبر لا يخلو من الطرافة أن رجال الأمن العام ظلّوا يتفاوضون سلمياً ولمدة أربع ساعات مع المجموعة التي حاصرت جريدة الغد واعتدت على العاملين فيها لمنع نشر خبر يتعلق بقضية فساد واضحة.

والحقيقة أن هذا الخبر أثار لدي مخاوف شديدة من انتقال عدوى استخدام القوة الناعمة من  قوى الأمن العام إلى قوات الدرك، وحينها سنكون في موقف لا نحسد عليه. لن تستطيع الدولة بعد اليوم مواجهة المظاهرات المناهضة للفساد الانطباعي بالهراوات. ولن يكون بمقدورها التعاطي مع الاعتصامات المطالبة بالإصلاح السياسي المزعوم بالعصيّ والمناقل.

هذا الانفصام الذي يتمثل في الاستقواء على حراك الشارع المطالب بالإصلاح إزاء الانكماش إلى حد الخنوع أمام ظاهرة البلطجة والزعرنة لا يمكن أن يُعزى  إلاّ إلى أنّ بعض الدوائر المتنفذة في الدولة نفسها عملت على تسمين هذا الغول لمواجهة الإصلاح حتى صار أقوى منها.

ورغم الفوارق الجوهرية إلاّ أنّ هذه السياسة ليست بجديدة ، فقد عمدت الدولة في العقود الماضية إلى تقوية الإخوان لمواجهة المد الشيوعي وما أن تعاظمت قوتهم وصار لهم أجندتهم حتى لجأ المتضررون من الصعود الإخواني إلى تنمية الانتماءات العشائرية والقبلية لإضعاف الإخوان والأحزاب.

ولا ندري بمن ستستعين الدولة هذه المرة لمواجهة المد البلطجي وإلى متى ستستمر في هذه السياسة التي لم تفضِ  حتى الآن سوى إلى تقسيم المجتمع طوليا وأفقيا.

في هذا الصدد بات من الضروري أن نتساءل : لماذا يثير اتهام ابن عشيرة ما بشبه فساد كل هذا السخط لدى أبناء قبيلته أو عشيرته على الدولة؟

الحقيقة أن تقديس الجماعة أو العشيرة مؤشر خطير على غياب الفردية في المجتمع، فالفرد الذائب في الجماعة، الذي لا يمتلك استقلالية أو كينونة ذاتية ينتفض حين يمس أحدهم جماعته بأقل شبهة ، ذلك لأنه يعرِّف نفسه بجماعته وليس بذاته وكيانه.

لا شك أن كل فرد منا يشعر بالانتماء إلى أصله وعشيرته وقبيلته لكن ذلك لا يعني إلغاء الفرد وتفتيته، ولعل أبرز ما يسهم في تعزيز الاستقلالية وتحقيق الهوية الذاتية هو تلقي التعليم المناسب والتسلح بالشهادة الجامعية.

لكن أن تقوم إعلامية وجامعية بإيقاف سيارتها في عرض الشارع لتمنع خروج اي سيارة من مقر جريدة الغد محملة بالصحف التي تحمل خبر تهريب الباخرة الا بعد تفتيشها من قبل هذا الاعلامية فهذا مما يدعو للعجب! ومما يدعو كذلك إلى إعادة النظر في النظام التعليمي بأكمله وما ينتجه على المستوى الفكري والحضاري وليس الأكاديمي فقط.

ظاهرة العنف للأسف باتت مألوفة لدينا كأردنيين، لكن المثير للقلق بصورة أكبر هو أن تتراخى الدولة وتوظف “قوتها النائمة” حين تتعاطي مع البلطجية والمخربين الذين هم أولى بالردع والتعزير،  بينما تصحو هذه القوة وتشمر عن سواعدها ومناقلها عند التعامل مع الحراك السياسي المطالب بالإصلاح.

ولعله من حقنا الآن أن نتساءل، في ظل هذا العنف المتزايد، هل مازلنا دولة الأمن والأمان؟

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية