المخطط الشمولي تحت جلد السياط

الجمعة 23 كانون الأول 2011

رؤية لشارع زهران من الدوار الثامن باتجاه السابع

بقلم رائد وهبة*

نشهد و منذ عشرة أيام حالة غريبة من التخبط الإداري و الشعبي بما يتعلق بقضية أمين عمان السابق المهندس عمر المعاني. وما يخلق هذه الحالة الفوضوية من الجدالات والمناقشات هو عدم تقديم مبرر منطقي لاحتجاز هذا الرجل الأردني الذي له ما له من حقوق وعليه ما عليه من واجبات كأي مواطن أرني يتمتع بها. ومع ثقتنا الكبيرة بقضائنا النزيه ومع إدراكنا انه بريء من التهم حتى تثبت إدانته، إلا أنه ينطبق عليه المثل الشعبي “إذا وقع الجمل، كثرت سكاكينه”. فقد تهافت الكثيرون لإدانة عمر المعاني حتى قبل أن يدركوا الأثر الإيجابي الذي أضافه لمدينة عمان؛ ودون فهم العمق الحضري الذي أثرته هذه التجربة الرائدة في تعداد المخطط الشمولي الذي – و إن كان عصياً على التطبيق بسبب حالات التدخل الساذجة من أصحاب المصالح والنفوذ – حمى مدينة عمان من كارثة حضرية وخدماتية كانت واقعة لا محالة بسبب السياسات و القرارات غير المدروسة من أصحاب القرار في أمانة عمان ممن سبقوا عمر المعاني ومعاونيه.

لقد عمل عمر المعاني ومنذ اليوم الأول لتوليه منصبه كأمين لعمان – وبناءً على رؤية ملكية مستنيرة للنهوض بالمدينة – على إيقاف جميع القرارات السابقة والتي كانت تخلو من أي دراسات فنية وبنى تحتية والتي إن نفذت ذهبت بالمدينة إلى مشاكل لا تعد ولا تحصى، وقام بتشكيل فريق عمل لإعداد مخطط شولي لمدينة عمان يضبط تطورها وهندستها. فهل يعلم العمانيون أنه كانت هناك موافقات لإقامة 45 برج في المنطقة الواقعة ما بين الدوار الرابع والدوار الثامن دون أن يكون هناك دراسة للفضاء الحضري للمدينة ودون دراسة استيعاب البنى التحتية والحركات المرورية لأثر تلك الأبراج على المدينة؟ هل يعلم العمانيون أن هناك الكثير من المشاريع التجارية التي أخذت موافقات لإقامتها في مناطق عمان التي تعاني اليوم من مشاكل مرورية وإزعاجات ضوضائية و بصرية لسكان تلك المناطق؟ والأمثلة كثيرة و لا نريد أن نخوض في ذلك في هذه العجالة. لقد عمل المخطط الشمولي للمدينة والذي قام بوضعه خبراء أردنيون وأجانب من كافة التخصصات الهندسية والفنية على تنظيم بيئة عمان الحضرية والإسكانية، فكان للمرة الأولى منذ إنشاء أمانة عمان أن أصبح للمدينة مخططا يضبط تطورها بصورة تحافظ على طابعها المميز وأصالتها ومعاصرتها. فحددت أماكن مناسبة لإقامة الأبراج راعت استحداث البنى التحتية المناسبة وعدم تأثير الارتفاعات الشاهقة على البعد البصري للمدينة. وتم اختيار شوارع خاصة لزيادة الكثافة البنائية مع رفد هذه الشوارع بالخدمات والبنى التحتية المناسبة. كما عمل المخطط الشمولي ولأول مرة في تاريخ المدينة على إيجاد الفراغات الحضرية المفتوحة من ساحات وشوارع ثقافية وتاريخية لخلق بيئة منفتحة ومنفس للعمانيين وأماكن للتفاعلات البشرية وأمثلة على ذلك مشروع ساحة الأشرفية وتطوير الساحة الهاشمية وشارع الوكالات والرينبو والتي خلقت أماكن للمشاة على غرار المدن الأوروبية والإقليمية مثل بيروت وباريس و لندن…الخ.

ناهيك عن مشاريع النقل مثل القطار والباص السريع الذي انبرى أصحاب الأجندات الخاصة والأشخاص الذين يفتقدون للمعلومة الدقيقة من أهل المدينة لمهاجمته دون النظر إلى دراساته ومخططاته فقد عملت أمانة عمان على إنشاء موقع إلكتروني يشرح وبتفصيل أفكار المشروع وتصاميمه ودراسات الجدوى والتقاطعات والمواقف…الخ

هل يعلم العمانيون أن الوكالة الفرنسية قد تكفلت بتمويل المشروع ب 166 مليون دولار (117 مليون دينار) وأن الكلفة المتوقعة هي 113 مليون دينار فقط؟ هل يعلم العمانيون أن هذا المشروع سيوفر نصف وقت السفر لمستخدميه يومياً وأنه يربط عمان من دوار صويلح إلى دوار الشرق الأوسط ومن دوار المدينة الرياضية إلى أمانة عمان؟ هل يعلم الأردنيون أن مدناً مثل اسطنبول وبوجوتا وهونج كونج أثبت المشروع نجاحا فائقاً في توفير المال والوقت لسكانها وعمل على رفدها بعوائد اقتصادية واجتماعية مثل توفير فرص العمل وتسهيل حياة المسافرين وربط المناطق المختلفة بشبكة حيوية من المواصلات؟ هل يعلم العمانيون أن جميع المخططات الهندسية والتصميمة للمشروع قد جهزت من قبل شركة إنجليزية متخصصة بتصميم مثل هذه المشاريع وأن هناك شركة أردنية رائدة تشرف على تنفيذ المشروع؟ لقد تم وأد هذا المشروع قبل أن يولد ودون أدنى معرفة بأبعاده وتأثيراته!

ولن ننسى أيضا ترقيم وتسمية جميع المباني والطرق بمدينة عمان التي عملت على تسهيل التنقل والوصف بمدينة عمان دون الحاجة إلى توصيف الأماكن “بجانب بقالة أبو فلان ولا مخبز علان”!

كفانا جلداً لمدينتنا وأمينها الذي آثر خدمة مدينته على إدارة شركاته وأشغاله التي لا ينكر أحد كم جهد ليبنيها. نحن نثق بقضائنا ونؤمن باستقلالية قراراته لكننا نؤمن كذلك أن هناك من تطلع لإدانة المعاني قبل أن يتم التحقيق معه وعليه فإننا نطالب القضاء والمسؤولين بالعمل فورا على تكفيل عمر المعاني  حتى لا يظن الذين في قلوبهم مرض أن الرجل مدان لا محالة و تلك هي أبسط حقوقه الإنسانية والقانونية و الله أعلم.

و لنتذكر قول الله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ” صدق الله العظيم

 

*مهندس معماري

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية