تساؤلات حول شبهة الفساد وتنفيذ القضاء

الثلاثاء 10 كانون الثاني 2012

بقلم د. يوسف منصور

لا تخلو جلسة في مجتمعنا اليوم من الحديث حول قضية أمين عمان السابق المهندس عمر المعاني، وتوقيفه دون تكفيل لما يقارب الشهر الآن، رغم طلب عائلته تكفيله ستة مرات حسبما تداولته الصحف؛ وقد يختلف الحوار حول برائته، ولكن الغالبية العظمى تتفق في استغراب توقيفه دون السماح بتكفيله؛ وفي النهاية ينتقل الحوار من التساؤل الى اتهامات غاضبة: هل هي مؤامرة؟ هل هو كبش فداء؟ ولصالح من؟ ولماذا؟ وغيرها من الأسئلة التي قد تدمي الإجابة عليها قلب كل أردني غيور على سمعة ومصلحة البلد.

في الواقع، وبما أن هناك تحقيق في القضية أو القضايا فيجب للتحقيق أن يأخذ مجراه، ولكن السؤال الذي يطرحه الجميع حتى الآن ومع احترامنا لنزاهة القضاء ولقدرة التقدير لدى لجنة التحقيق هو: هل الجريمة أو المخالفة التي يتم التحقيق بها من العظمة بمكان بحيث تستدعي عدم تكفيله؟ هل سيضر التحقيق لو أنه خرج بكفالة الى حين تقرر العدالة بأن هناك قضية؟ وأنا اذكر أن القضاء في قضية شاهين سمح بتكفيل المتهمين إلى حين المحاكمة وصدور الحكم.

أريد بداية أن أبين ما يلي: لقد عرفت عمر على مدى سنين ولا أعتبر ذاتي من أصدقائه المقربين، وأي عمل أو استشارات قدمتها للأمانة كان من خلال مناقصات مطروحة في الصحف أو دون مقابل. أيضاً، نصح العديد بعدم كتابة هذا المقال، وأتت النصائح موشحة بعبارات مثل ” شو بدك بهالطابق”، “إبعد عن الموضوع”، وغيرها؛ ومن ناحية أخرى هناك احتمالية أن يكون عمر مذنب، فأنا لست مطلعا على تفاصيل عمله في الأمانة رغم أن ما شاهدته من ممارسات عادلة ومؤسسية من خلال تعاملاتي المحدودة كان يدعو في الغالبية للرضى في حينه.

لذا بدأت أسأل: هل أفلست الأمانة فعلا أيام عمر المعاني (وهي شائعة ترددت كثيرا)؟ وكانت الإجابة بالأرقام بأن هنالك فائض مالي بسيط لدى الأمانة وليس عجز، لذا فهي لم تفلس كما أن ما تدين به يكاد لا يقارن بديون مؤسسات أخرى كبيرة تملكها الحكومة، ولو ان الحكومة قامت بدفع ال120 مليون دينار التي تدين بها لأمانة عمان لكان وضع الأمانة المادي عال العال.

ثم سألت عن طبيعة إدارته وجاءت الإجابات مختلفة حول ذلك: فقال البعض بأنه كان يتصلب برأيه وأنه غير ديموقراطي، وهي عادة صفة لدى من يأتي من القطاع الخاص للعمل في الحكومة، ولكني أذكر من خلال مشاركتي مع غيري من الاقتصاديين والمهندسين والمفكرين في اجتماعات المائدة المستديرة لمجموعة “وسط المدينة” أن الحوار كان ديموقراطيا، وحين شاركت مع ما يقارب 500 شخص في حوارات مخطط مدينة عمان الشمولي تميزت هذه الاجتماعات في كونها أخذت بغالبية اقتراحات المشاركين، وكنا نقوم بمراجعة النصوص للتأكيد على اتفاقها مع ما قلناه خلال الاجتماعات وهي شهادة لإدارة هذا المشروع الوطني.

وجاء رد آخر: “لقد أغضب عمر الكثير من الناس”، ولكن هذه ليست ميزة سيئة حين تكون وظيفة الشخص الإشراف على تنظيم ووضع هيكلية جديدة لمدينة نمت عشوائيا ودون تخطيط على مدى عهود من الزمن، مما يتطلب أيضا الارتطام مع أصحاب المصالح الخاصة وما أكثرهم.

ثم سألت: هل كان يأخذ قراراته دون معرفة مجلس الأمانة ومجلس الوزراء؟ فكانت الإجابة بأنه من المستحيل للقرارات أن تتم دون أن يوافق مجلسه ومجلس الوزراء، مما يعني أن هذه القرارات متفق عليها من قبل جميع ذوي العلاقة، ويتحملون معه مسؤوليتها.

وحين سألت عن اللغوصة المزعومة في قضية الباص السريع، أتت الإجابة من الجهة الممولة (غالبية التمويل أتى من وكالة التنمية الفرنسية وبفائدة قرض دون 1%)، وهي كجهة حكومية في أحد أوائل الدول الديموقراطية في العالم كانت ستمتنع عن الإقراض لو كان هناك شبهة فساد أو عدم وجود منافسة وشفافية في الطرح أو إذا لم تكن الأوراق الفنية والمالية والوثائق المدعمة لها فوق الشبهة، خاصة وأن هذه المؤسسة تقرض قرضا غير حكومي للأردن للمرة الأولى.

نعم إن سيادة القانون تتطلب محاكمة الفساد وكل الفاسدين، ولكن القانون أيضا يتطلب حماية حقوق المواطن والمواطنين، وعلى حد علمي وكما ينص الدستور فإن كل مواطن بريء حتى تثبت إدانته، وكما قال قائد البلاد فإن لا أحد فوق القانون، والجميع متساوون تحت القانون، لهذا يبقى التساؤل: لماذا لا تُقبل الكفالة لعمر المعاني ومن هو المستفيد من ذلك؟

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية