هندسة شو؟

الإثنين 12 آذار 2012

بقلم يارا شعبان

من المرجح أن هناك علاقة سببية بين تعطل الأجهزة المنزلية وتكرار تداول اسمي في المنزل. ففي الحظة الذي ينقطع فيها إرسال القنوات الفضائية، أو يتفاوت الريموت في استجابته لعرض مسلسل تركي، أو عندما يصمت فجأة الخلاط، أصبح محط التندر في العائلة.

أحاول قدر المستطاع تبرير جهلي العميق في تقنيات التصليح، عندما يتم استدعائي على عجل لحل المشكلة، بالرغم ومع العلم أني خريجة الهندسة الكهربائية من الجامعة الأردنية بمعدل جيد جداً.

يقطب أبي حاجبيه عندما يضيق صبره، ويقترح علي -على سبيل المساعدة- أن ألف “كمِّن” مرّة مع أبو بلال الكهربجي، حتى أكون مفيدة في المنزل.

ينسى أبي أني “بلوة مصبّرة” في قرائة “المانيوَلات”، وتحديد استعمال كافة الأجهزة الكهربائية في أقل من دقيقتين. لكن عندما يتعلق الأمر بتكنولوجيا اللوائح الإلكترونية المطبوعة، فأنا مسلحة فقط بنصيحة الأب الروحي للآليات في الجامعة الأردنية – أو كما يحب أن يلقب “علم من أعلام الأردن”، حين أنار لنا بأن النفخ وإزالة الغبار الملتصق كافٍ لحل معظم مشاكل الأدوات المنزلية. وحقاً صدق، فبعد التأكد من سلامة وضع البطاريات والتنفيخ المتقطع، يكون الريموت قد عاود عمله. وهنا أرفع أسهمي قليلاً –وأؤكد لنفسي أولاً- أن الأمل ما زال قائماً.

اجتزت امتحان مهارات التوجيهي عام ٢٠٠١. أربعة عشر عاماً لا أذكر منها سوى كمشة من اللحظات التعليمية. أتساءل الآن وبغصّة، هل الهدف من المدرسة هو تخطي الصفوف واحداً تلو الآخر؟ أشعر أن المدرسة –بالنسبة لي- كانت حالة بلهائية وفوضوية. يتعلم الطفل المشي في سن الثانية، والتكلم في سن الثالثة، وتتكون الذكريات في سن الرابعة، وتتحدد معالم الشخصية في سن السادسة. ثم من حيث لا أدري أتجمع في كتل مرحلية، ثم اتفاجأ باستعداد مختلف للتوجيهي، ثم أُقذف للجامعة حيث يتم دمغنا بشهادات تترأس صفحات السيرة المهنية، وبعد احتكاكنا الفعلي بسوق العمل، قد يساور بعضنا تلك الأفكار، وتتخلل إلى أنفسنا تلك الشكوك –وهذا حالي- بأنه مضحوك علينا. فكأن هناك شيئاً لم أفهمه، وفي نفس الوقت لا أستطيع بالضبط تحديده؛  مثل هوية زمنية مفقودة، لكني أعلم أنه قد تناثر هنا وهناك، وكأن علي البدأ من جديد لايجاده.

في السنة الأولى من دراستي الجامعية وفي قمة حماسي الأول، أُسدي إلي النصح من قبل طالب في نفس مسعى التخصص بأن أترك مقعد الهندسة حتى يشغله شاب يعرف كيف يحتله ليعود بالفوائد عليه، وأنصرف أنا مثلاً لعرض الأزياء نظراً لطولي. علا الاحمرار وجهي حنقاً لوقاحته وسخافته ودبت فيّ الشجاعة العلمية لإثبات خطئه، لكن لم تمضِ بضعة أشهر حتى خفت حماسي حين أدركت أنه لا يوجد عندي الرغبة في اتباع الوصفة الصحيحة لجمع العلامات.

ما زالت تراودني تلك الرغبة في إثبات نظرية Thevenin في مادة الدوائرالكهربائية وأن أقول للدكتور حافظ الزيات أني فهمت ال circuits بنفس القدرالذي استمعت فيه إلى سرده لتاريخ الكويت الحديث. وفي نفسي أيضاً تلك الرغبة بمواجهة تلك الذكورة المقنعة لبعض خريجي الهندسة الكهربائية عندما كانوا يتهامسون على مسمع أذني بأن الإناث يمضين ضعف إن لم يكن أضعاف الوقت في الدراسة حتى يستطعن مجاراة زملائهم الذكور، أو عندما تم تهديدي للابتعاد عن التنافس على مشروع التخرج الذي طرحته أنا بنفسي، أو عندما تم احتكار أسئلة السنوات السابقة لمادة الإلكترونيات ولم يتفاجأ الدكتور “بتفليلهم” المنقطع النظير للامتحان النهائي.

وبين التحريم والترهيب والاستماع للدكتور هشام حمدان وهو يقوِّض ما تبقى من الثقة بالذات، سرت أيضاً على المسبحة ، وتخرجت بعد العدد المطلوب من السنوات. لطالما كنت محافظة زيادة عن اللزوم –للأسف ليس في تفكيري- بل محافظة على اصراري في تقبل واقع أثبت فشله. هذه الخواطر تجمعت وانسكبت بعد مشاهدتي للفيديو التحضيري لمادة الدوائر والالكترونيات المتوفرة مجاناً على الإنترنت كخطوة تجريبية أولى من مبادرة MITx التي أطلقها معهد ماساتشوسيتس للتقنية.

أدعوكم للتسجيل وأستحلفكم بجميع المعادلات العلمية التي قضينا في حفظها وقتاً لا يستهان به، هل فعلاً أتيحت لنا فرصة التعليم؟ أم أننا زاولنا العملية التعليمية على ما قُدر لنا وعلى جهل منا فيما تصبو إليه تطلعاتنا حقاً؟

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية