المسرح الأردني في خطر

الأربعاء 14 آذار 2012

From Play: Three Penny Opera

بقلم علا عليوات

يحدث كثيراً حين أدعو شخصاً لحضور عمل فني أردني سواء كان عملاً سينمائياً أو مسرحياً أن ترتسم على وجوههم ابتسامة سخرية وكأن الموضوع مجرد مزحة سخيفة لا أكثر ولا أقل. عند ذلك أدخل في نقاش قد ينتهي أو لا ينتهي بإقناع الطرف الآخر بوجود مواهب واعدة على الساحة الأردنية في مجال صناعة السينما والمسرح وغيرهما من الفنون، مؤكدة أن الأمر مختلف عن الإحباطات الدرامية التي اعتدنا مشاهدتها على شاشة التلفزيون الأردني. بعض الناس تجاوزوا حالة الخيبة الأزلية هذه فتكونت قاعدة جماهيرية لا بأس بها تؤمن بمستقبل أفضل للفن والثقافة المحلية، وهم نفس المجموعة  التي تراها عادة في العروض المسرحية وعروض الأفلام في المركز الثقافي الملكي ومسرح البلد وغيرهما. لكن هذا ليس كافياً بأي شكل من الأشكال، فالهدف في النهاية هو الارتقاء بالذوق العام للمجتمع وتعزيز الوعي لدى أفراده من خلال الوصول إلى المواطن العادي وجعل الثقافة جزءا لا يتجزأ من حياة الناس، ثقافة حقيقية لا أغاني لا تمت للموسيقى ولا للفن بصلة ولا تعدو كونها مؤشرات على انحدار الذوق العام للمجتمع.

ولعل من أكثر الأشكال الفنية إهمالاً وأحقها بالدعم هو المسرح. قد لا نكون أكبر المبدعين في الدراما التلفزيونية وقد تكون صناعة السينما لدينا ما تزال حديثة العهد لكن المسرح في الأردن هو المظلوم الأكبر على الساحة الثقافية. كمتابعة للمسرح بشكل عام والمسرح الأردني بشكل خاص أجد أن المسرحيات الأردنية التي تُعرض في مهرجانات المسرح تتفوق في كثير من الأحيان على مسرحيات عربية وعالمية. قد يكون سبب تفضيلي للمسرح الأردني طبيعياً كون المسرح بطبيعته قريب من الجمهور مما يجعل المسرح المحلي أقرب للنفس من أي مسرح آخر. لكن هذا ليس السبب الوحيد بالتأكيد، إذ أن كمية المواهب التي شاهدتها في المسرح الأردني سواء من حيث التمثيل والإخراج وكتابة النصوص تملك من التميز ما يؤهلها للمنافسة على الساحة العربية والدولية في أحد أرقى أشكال الفنون بل أبيها كلها.

ومن المحزن أن تكون لدينا هذه المواهب وهذه الثروة المسرحية التي يمكن أن تلعب دوراً مهماً في إيجاد أجواء ثقافية حقيقية في المجتمع عدا عن الدور القديم والمعروف للمسرح في نشر الوعي حول كافة القضايا التي تمس حياة الناس، ولا نجد دعماً كافياً لها. وأستغرب أكثر حين أجد دعماً بمئات الآلاف لقطاع الرياضة مثلاً كالمكافآت التي تصرف للاعبي كرة القدم مع كل فوز في مباراة مهمة ودعم شركات القطاع الخاص لفرق كرة القدم والسلة في كل ميدان بينما لا تستطيع وزارة الثقافة توفير عُشر الدعم الذي يحتاجه مهرجان مسرحي أردني يعتبر من أهم المهرجانات المسرحية في المنطقة ويقدم صورة مشرقة وحضارية للأردن فناً وثقافة، ولا تجد شركات القطاع الخاص اهتماماً بدعمه بأي شكل. لا أعترض على دعم الرياضة، وإنما أعترض على إهمال مجالات أخرى لا تقل أهمية، سواء من القطاع العام أو القطاع الخاص.

ما أتحدث عنه هو مهرجان أيام عمّان المسرحية وهو مهرجان أردني دولي يقام منذ 17 عاماً، ومنذ عام 2005 يتم تمويله من خلال وزارة الثقافة وأمانة عمّان، لكن هذا التمويل كان يتضاءل سنوياً بسبب تضاؤل الاهتمام بالثقافة حتى وصل الأمر هذا العام إلى أن الأمانة قررت وقف التمويل تماماً بسبب نقص مواردها. أما وزارة الثقافة وبسبب نقص الميزانية الممنوحة لها  قررت إعطاء المهرجان 5000 دينار، بينما موازنة المهرجان تصل إلى 45000 دينار. حاولت فرقة الفوانيس القائمة على المهرجان الاتصال بشركات للقطاع الخاص لكن دون جدوى، إذ يبدو أن الثقافة من آخر أولوياته، أو أنهم لا يجدون فيها وسيلة دعاية مربحة.

إذا فالمسؤولية تنقسم إلى قسمين: مسؤولية الجهات الداعمة حكومية كانت أم خاصة، ومسؤوليتنا كجمهور لدعم المسرح والثقافة، فالدعم المادي يحتاج إلى أن نثبت وجود جمهور يهتم بالمسرح ويطالب بدعمه. أذكر شيئاً قالته الفنانة اللبنانية سميرة البارودي قبل فترة في لقاء على التلفزيون الأردني حول المسرح، حيث قارنت بين الإقبال على المسرح في كل من لبنان والأردن، فقالت إن الناس في لبنان كانوا يدفعون نقودهم للذهاب ومشاهدة العروض المسرحية حتى في أيام الحرب، فلماذا لا يكون لدينا هذا الإقبال على المسرح في الأردن، مع العلم أن معظم العروض تُقدم بالمجان ولجميع الناس؟

 ما زال لدى المسرح في الأردن الكثير ليقدمه، وهذا شيء يعرفه أي شخص شاهد عروضاً في المهرجانات المسرحية الأخيرة وأذكر منها مسرحية “مواطن اسمه ها” ومسرحية “عصر الجنون” وغيرهما الكثير، وربما كان أبرز عرض مسرحي على الساحة حالياً والأقرب إلى الأردنيين هو مسرحية “الآن فهمتكم” لفرقة المسرح السياسي والتي أثبت فيها الكاتب أحمد حسن الزعبي والمخرج المبدع محمد الضمور والفنان القدير موسى حجازين أن المسرح قادر على الوصول إلى جميع فئات المجتمع وقادر على توصيل الرسالة وتجسير الهوة بين الحاكم والمحكوم بأرقى الوسائل، وأثبتوا أكثر من أي وقت مضى أن ن المسرح في الأردن موجود، وواعد، وفي خطر… ويحتاج إلى دعمنا.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية