جوقة الهجوم على الخصاونة

الأحد 29 نيسان 2012

بقلم روان مصطفى

بين ليلة وضحاها، وفي ممارسة أضحت من الطقوس المرافقة لعملية تغيير الحكومات، أصبح “القاضي الدولي” المعروف بنزاهته والذي جاء من أجل إنقاذ البلاد من لاهاي “عدوّ الإصلاح” الأول في البلاد، وهو ذاته صاحب “الاستقالة الاستفزازية” التي يحكى بأنها جرحت كرامة كل أردني من دون توضيح الأسباب.

يحير المرء في تفسير أسباب الهجوم على رئيس الوزراء المستقيل أو المقال -وذلك بحسب الرواية التي تفضلها- من قبل كتاب الأعمدة الأردنيين الذين يمتلكون مواهب فذة لتحليل “المسيرة الإصلاحية”، فهم تارة يهاجمونه لأنه يستهتر بالدولة التي يدير شؤونها، مما يعني ضمنياً أنهم يعترفون بأنه صاحب الولاية العامة، وتارة أخرى يوبخونه لأنه “أدار” ظهره لمستشار جلالة الملك عماد فاخوري وتصرف وكأن الأوامر العليا لا تعنيه وبأنه هو صاحب القرار، فهم يعاتبونه إذا لأنه تصرف وكأنه “صاحب القرار”!

ويقدم موقع إجبد الإلكتروني مثالاً على العينة السابقة، فهو يسترسل في الحديث عن التفاصيل التي سبقت “الطرد المشين” للخصاونة، ويقول بأن الأخير استقبل الفاخوري الذي “أكمل مهمته ونقل ما كلف به وعاد”، ولكنه ينقل من “رأس الدولة وتعليماته بالنسبة للحكومة يجب ان تكون ملزمة وتلك ليست المرة الاولى التي يتعامل بها الخصاونة مع توجيهات القصر بهذا الشكل”، ومن ثم يخبرنا بأن النهاية المشينة للخصاونة جاءت كدرس ليعلم بأن “التوجيهات التي يتلقاها هي المرجع فقط وأن اجتهاداته يجب أن يحتفظ بها لنفسه “.

أحسب أن أحداً لا يحتاج لأعداء في ظل وجود أصدقاء كهؤلاء الكتاب، فهو يقول ضمنياً بأننا لا نحتاج لاختيار شخصية سياسية قوية لإدارة الحكومة لأن “اجتهادات الرئيس” غير مهمة، أو بوصف أدق، فإن على أي رئيس أن “يحتفظ برأيه لنفسه”، مما يعني أيضا أن المسمى الوظيفي يجب أن يتغير فوصف “رئيس وزراء” لم يعد يناسب طبيعة المهمة، وهو ما يخالف مبدأ الولاية العامة التي قيل لنا بأن الخصاونة كان قد أخذ الضوء الأخضر ليستعيدها.

أما الكاتب فهد الخيطان، فقد حمل حكومة الخصاونة المسؤولية في تعميق أزمة الأردن الإقتصادية والسياسية، حيث ذكّر الرئيس المستقيل بأرقام المديونية وبرفع أسعار الكهرباء وعاتبه على صمته أمام “اغلاق ملفات الفساد”، فلذلك، وفق رؤية الخيطان، فإن التغيير كان واجباً.

لا أعلم كيف يبني الكاتب هذا التحليل، فالخصاونة التزم الصمت أمام اغلاق مجلس النواب لقضايا الفساد، وصحيح أننا لم نسمع من الحكومة كلمة واحدة، ولكننا لم نسمع من غيرها أيضاً فيما يخص القضايا التي تم إغلاقها. ومن المعروف أيضا أن العجز في الميزانية لم يظهر فجأة في شهر تشرين الأول من العام الماضي فور استلام الخصاونة لمنصبه ولا يمكن أن تحلّه حكومة تتغير بتغير الفصول في المملكة، بل إن تغيّر الحكومات الدائم يفاقم من عجز الميزانية لأنها تأتي بفريق جديد يضاف إلى قائمة المتقاعدين الوزراء الذين يتوجب علينا رعايتهم حتى آخر نفس لهم حتى وان لم يسعفهم الوقت في التعرف على وزارتهم حق المعرفة.

الطريف في الأمر أنه يستدرك الخطأ في أحد الفقرات ويقول بأن “وجه الأزمة الآخر يكشف أزمة عميقة في النظام السياسي الأردني، تؤكد من جديد أن الاستمرار في إدارة البلاد بهذا الشكل لم يعد ممكناً ولا بد من اصلاح شامل لبنية النظام وأسلوب تشكيل الحكومات واختيار الرؤساء، وتلك هي أولويات الاصلاح السياسي”.

من جهته، فقد عبّر الكاتب سميح المعايطة عن غضب شديد من رئيس الوزراء السابق الذي يتحمل وزر كل أخطاء البلاد، فهو الذي عرقل مسيرة الإصلاح بأسلوب “يخلو من الذكاء”، ولا ينفك المعايطة يذكرنا بأن الخصاونة يمنح الأولوية “لأبناء مدرسته”، وذلك على الأغلب في اشارة إلى حادثة تغيير رئيس تحرير صحيفة الرأي وتعيين عبد المجيد عصفور بدلا من المعايطة، الأمر الذي يثبت “الشخصنة” والمحسوبية التي لم تظهر في أي حكومة أردنية أخرى، مما وجب التنبيه إلى خطورة ظهورها في حكومة الخصاونة.

ليس هذا وحسب، بل يحذرنا المعايطة من خطورة الانجرار إلى الإيمان بـ”الألقاب الوهمية”، ويقول بأننا ” تعلمنا جيدا ألاّ ننساق وراء الألقاب الوهمية فما صاحب تشكيل الحكومة الراحلة من تسويق بأن رئيسها قاض في المحكمة الدولية وغيره مما كان، كل هذا لم يكن مؤشراً على النجاح السياسي ولا الحرص على الاصلاح”، ونعود بالسؤال إليك عزيزي المعايطة، فمن هو الذي سوّق للخصاونة؟ أليس ذاته الذي يسوق للطراونة اليوم؟ هل يأتي كل رئيس وزراء وهو يحمل أفضل الخصال ثم يفقدها بمجرد جلوسه على الكرسي؟

أما الكاتبة لميس أندوني، فهي من بين المعلقين القلائل الذين اعترفوا بحق الرئيس السابق في الاستقالة، ورفضت أن يتحول هذا الحق إلى “سبب للهجوم بل والردح على شخصه”. بيد أن أندوني تتحفظ على السبب المعلن في الاستقالة، وذلك لأنها ترى بأن الرئيس السابق شهد العديد من الأحداث الأخرى التي مست صميم “الولاية العامة” ولم يتصدى لها، مثل قضية “معتقلي الدوار الرابع” وقانون الانتخاب وغيرها من الأمور التي استوجبت استقالته في وقتها ان كان فعلا يؤمن بالولاية العامة، ولكنها لا تنكر أن “لا مكان للولاية العامة للحكومات في وضع قائم لا يعترف بأن الشعب مصدر السلطات”.

ولا حاجة لنا بذكر “عقدة الإخوان” التي تسيطر على الكاتب ناهض حتر، فهو يرى تشكيل الحكومة السابقة واستقالتها وعملها اليومي من منظور واحد، وهو “علاقتها بالإخوان”، ومحاولتها إنجاز الصفقة التوطينية التي تتخذ من الإخوان ممراً لتنفيذ المؤامرات الصهيونية –القطرية-الأميركية-التركية التي تلتقي جميعها في شخص الخصاونة المستقيل.

ويقدم لنا الكاتب والنائب جميل النمري نقداً مختلفا لشخصية الخصاونة، فهو لا يوبخه على قلة أدبه لأنه استقال من تركيا، ولكنه يعتقد بأن اختيار الخصاونة كان خاطئاً من الأساس نظراً لطبيعة المرحلة، فقد كان بإمكانه أن يشكل “قصة نجاح” لو أنه جاء في وضع مستقر نحتاج فيه إلى رفع “السوية الأخلاقية والمهنية للمسؤولية العامة”، ولكن الوضع اليوم مختلف، فهو لا يناسب الخصاونة ولا يناسب الذي خلفه أيضا.

أعود للاقتباس من “إجبد“، لنعرف ما الذي أنجزه الخصاونة، فوفق رأي الكاتب الفذ، لم يقدم الخصاونة “للوطن” سوى ” كم هائل من الجهوية والأنانية زرعها في تفاصيل البيروقراط الأردني وسوى مغانم ومكاسب وزعها للمحاسيب والأقرباء والنسايب، وفي النهاية، طرد لأن الوطن لا يقسم  على مقاس… الوطن أكبر من الأنانية والشللية والمحسوبية، أكبر من ذلك بكثير!”.

السؤال الذي يطرح نفسه عزيزي الكاتب الفذ، بربّك ما هو الوطن؟ عرّف معنى الوطن.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية