نقابة المعلمين، بين الدولة والإخوان

الإثنين 02 نيسان 2012

بقلم محمود أبوصيام

لاشك أن الربيع العربي قد أحدث تغييراً كبيراً في قواعد اللعبة السياسية، أهمها القبول – و لو تكتيكياً – بحصة الإسلاميين من الكعكة. لا يستثنى من ذلك مواقع حساسة كنقابة المعلمين، ولا بد أن صانع القرار الذي لا يزال محكوماً بعقليته الأمنية المتجذرة في أعماقه  يَعدُّ ذلك من فتن آخر الزمان.

ولأن الضرورات تبيح المحظورات، نجد أن النخب السياسية المستأثرة بالسلطة مستعدة للتعايش مع نقابة معلمين إخوانية، لكن ذلك سيجعلها تفكر بطريقة تعيد فيها إمساك خيوط اللعبة التي يبدو لها أنها تفلت من عقالها.

لست هنا في صدد التشكيك في الإخوان ونواياهم، غير أن مواجهة نقابة إخوانية مُسيّسة  – في هذه اللحظة الفارقة – أسهل على الدولة من التعاطي مع نقابة مهنية مطلبية على نمط الرواشدة ومن حوله، والذي لم تجد الدوائر الأمنية حيلة لإلصاقه بـ “الأجندة الإخوانية الضيقة”.

أي منبر إخواني سيظل خلافياً وذلك سيسهل على القوى المناهضة للتغيير مهمة تحويل النقابة لدائرة صراع جديدة مع الإسلاميين ومكاسبهم الحزبية وأجندتهم الضيقة وسمّ ما شئت من الفزاعات التقليدية، مما سيصعب تشكيل حالة توافق وطني حول مطالب مهنية تخشى الدولة تحمل تبعاتها أكثر من خشيتها من منبر جديد للإخوان.

لم تكد النتائج تعلن حتى انهالت التعليقات التي تحذر من اختطاف الإخوان للنقابة وغسيل دماغ الأجيال، حتى أوشكت على الظن بأننا سنستمع قريبا للأناشيد الإخوانية تصدح في طوابير الصباح عوضاً عن السلام الملكي. علينا دراسة هذه الحالة جيداً، لأن هذا بالضبط ما سيحصل لدى أي تحرك نقابي مقبل، ستضخ ماكنة الإعلام الرسمي وشبه الرسمي طاقتها الكبيرة وزخمها، وسيتم توظيف الحضور الإخواني في النقابة معنويا وإعلامياً لإفراغ الحراك من مضامينه.

القوة الكامنة في إضراب المعلمين الفائت تمثلت في أنه كان حراكاً مهنياً خالصاً من أي تحزبات أو حسابات سياسية، في حين أن أي موجة احتجاجات قادمة يقودها الإخوان انطلاقاً من النقابة لن تحظى بمستوى الإجماع الوطني الذي شهدناه سابقاً، حتى لو كان العنوان مطالب مهنية مجردة، لن تألوا القوى العكسية جهداً في استثمار الخلفية الحزبية للإخوان لمنع أي اصطفاف شعبي حول المعلمين وحراكهم.

الحقيقة الأخرى أنه وعقب اكتساح الإسلاميين للانتخابات كان من اللافت أن بعض أشد المعلقين حماسة انقلب من الدعم والاستبشار بالنقابة ومخرجاتها إلى التخوف والتشكيك، وهذا ما ستعمل الأجهزة الأمنية على توظيفه لتحويل التيارات الحراكية غير الإخوانية من فاعل وطرف إلى متفرج يشجع أحد أقطاب الصراع الإخواني-الأمني، وبذلك يتم تحييد طيف واسع من  المعلمين والمعلمات عن ساحة النضال النقابي المنشود.

السيناريو الموصوف أعلاه يبدو قريباً، لكنه ليس حتمياً. من حق الإخوان أن يحصدوا المقاعد بأسرها طالما تم ذلك بآلية ديمقراطية، لكن استئثارهم برسم سياسات النقابة وبرامجها – كما لا نتمنى – سيعزز فرصة الدوائرالأمنية في عزلهم عن باقي المكونات وعن تحريك الشارع التعليمي. وسيتلو ذلك ضربات قوية للإخوان أنفسهم.

على الإخوان أن يدركوا التمايز الواضح بين مصالح قوى الشد العكسي في نقابة حزبية مسيّسة، ومصالح القاعدة التعليمية العريضة في نقابة مهنية، بحيث تتموضع حقوق المعلم في قلب برامج النقابة وأهدافها، وقبل أي حسابات سياسية.

وفي كل الأحوال ورغم كل شيء، يبقى تشكيل النقابة انتصارا للنهج الذي لا ينتظر الإصلاح القادم من أعلى، ومكسباً كبيراً للمعلمين الذين تحولوا بسواعدهم من أفراد وكيانات مشتتة عاجزة عن الدفاع عن حقوقها، مهما انتهكت، إلى كتلة وازنة ومؤثرة.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية