الإصلاح الاقتصادي: من أين نبدأ؟

الثلاثاء 22 أيار 2012


بقلم طارق
زريقات

تتوالى آراء المحللين والنخب حول الأسباب التي أوصلتنا إلى “الأزمة الإقتصادية الخانقة التي نعيشها” وسبل الخروج منها. وبعد قراءة العديد من هذه الآراء بدأت أخشى أن الدرس الوحيد الذي يتوجب استخلاصه من هذه التجربة المُرّة سيفوتنا، وأننا سنستمر في الدوران في الحلقة المفرغة التي نحن فيها؛ فالحكومة السابقة أخفقت واتبعت سياسات اقتصادية أثبتت فشلها، والحكومة الحالية لم تقم بالدراسات المطلوبة، والقطاع الخاص الأردني لا يبادر،…الخ، والمسرحية تستمر.

ولكن ما يزعجني بشكل خاص هو محاولة الالتفاف على جوهر القضية من خلال استخدام مفردات كبيرة كالقول أن السياسات “النيوليبرالية” هي التي أدت بنا إلى ما نحن عليه، أو أن “الكمبرادور” الأردني هو المُلام، وكأننا في الأردن نخوض صراعاً أيديولوجياً بين نخب حاكمة وأخرى معارضة. وذلك على فرض أن الأردن كان يسير وفق سياسة اقتصادية معينة، ليبرالية كانت أو سواها.

إن التحديات الاقتصادية التي يواجهها الأردن تشمل عناصر متشابكة لا يجوزالتعامل معها بشكل جزئي أو انتقائي، فالعجز المزمن في الموازنة يتجاوز النسبة المقبولة ويفاقم مشكلة المديونية، والدولة غير قادرة على استيفاء دخل من خلال الضرائب يغطي نفقاتها الجارية. كما أن حل هذه المشاكل من خلال نمو اقتصادي يفوق نسبة نمو الدين ويرفع من إيرادات خزينة الدولة يتطلب زيادة استثمار الدولة في البنية التحتية والتعليم وهو أمر مستحيل في الوقت الحالي. إضافة إلى أن الدولة مطالبة بأن توازن بين الاقتراض الخارجي وشروطه والاقتراض الداخلي الذي يرفع من سعر الفائدة ويؤثر بشكل سلبي على الاستثمارات المحلية. وإذا اضفت إلى ذلك مشاكل الفقر والبطالة والتي يتطلب حلها قدرة الاقتصاد على خلق فرص عمل والذي بدوره يعتمد على الاستثمارات (من قبل الدولة أو غيرها)، فإننا نجد انفسنا بعد كل ذلك نعود إلى المربع الأول.

واقع الحال أن السؤال لا يتعلق بماهية السياسة الاقتصادية المطلوب اتباعها من قبل الحكومة في هذه المرحلة، بل الأهم من ذلك أن نسأل: هل تملك االحكومة (أية حكومة) الأدوات اللازمة للتعامل مع الوضع الاقتصادي بشكل شمولي؟ وهل نملك في نظامنا السياسي والتشريعي الحالي الآليات اللازمة لضمان مراقبة ومحاسبة الإنفاق والسياسة الاقتصادية للسلطة التنفيذية؟

عند الحديث عن سلطة الحكومة، أستذكر الجدل الذي أحاط البلد عند تكليف معروف البخيت في بداية العام الماضي بتشكيل حكومة جديدة، فقد هبّ المدافعون عنه لإخلائه من أية مسؤولية عن التزوير الفاضح للانتخابات النيابية عام 2007 بحجة أن الرئيس آنذاك “وقع ضحية لصراع مراكز صنع القرار في الدولة الاردنية”. فإذا كانت الحكومة لا تمتلك السلطة التي تمكّنها من إجراء انتخابات نزيهة، وإذا كان المواطن غير قادر على محاسبة الحكومة من خلال ممثليه في السلطة الرقابية، فكيف لنا ان نبحث عن حلول اقتصادية قبل حسم قضايا أساسية تتعلق بآلية اتخاذ القرار؟ هذه هي الأسئلة التي يجب طرحها الآن وفي هذه المرحلة الصعبة.

كيف لأي حكومة أن تتحمل مسؤولية إدارة الشؤون الاقتصادية عندما يكون ثلث الموازنة خارج عن سيطرتها؟ كيف تتحقق التنمية ومجلس النواب ينطلق من مصالح مناطقية ضيقة؟ وما هو قانون الانتخاب الذي من الممكن أن يغيّر من هذه المعادلة وينتج برلماناً قادراً على القيام بدوره الدستوري والذي يضمن تشكيل حكومات تتمتع بالشرعية المطلوبة لإدارة موارد البلاد؟

الإصلاح السياسي لا غير هو الشعار الذي يجب أن يطرح في هذه المرحلة، ومن غير المجدي أن نخوض الآن في ترف النقاشات حول سياسات هذه الحكومة أو تلك، فأزمتنا الاقتصادية ليست جديدة أو وليدة اللحظة، ومن دون وجود سلطة تنفيذية تتمتع بسلطة حقيقية في إدارة الاقتصاد بشكل صحيح، وخضوع مثل هذه السلطة لرقابة جهة معنية بمصلحة البلد وليس بمصالح جهوية، فإنه لا يمكن أن نخطو الى الامام. إن هذا كله لا يتعارض مع المفهوم الحديث للإصلاح الاقتصادي، فالكثير من البحوث والدراسات حول نمو اقتصاديات الدول عبر الزمن أثبتت أن السياسات الاقتصادية على أهميتها لا تحدد مسار نمو الدول على المدى الطويل، بل إن ازدهار بعض الدول دون غيرها مرتبط بطبيعة الحوكمة وقوة المؤسسات وسيادة القانون وهي أمور لن تتحقق في الأردن إلا من خلال خلق نظام ضوابط وموازين يعزز استقلال السلطات الثلاث ويفعّل دور كل منها.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية