الاستقلال والإنسان الأردني

الجمعة 25 أيار 2012

اللوحة للفنان الأردني مهنا الدرة

بقلم تيسير الكلوب

يأتي يوم عيد الاستقلال كل عام بنفس الأسلوب ونفس العرض، فترى صفحات الجرائد الرسمية اليومية تستهل خبر الاحتفال بعيد الاستقلال بصور جلالة الملك. الاستعراضات في الشوارع هي نفسها كل عام وقد يكون الاختلاف الوحيد هو أغنية وطنية جديدة ولكنها تقدم بنفس الأسلوب والمضمون. نظرة المواطنين لهذا اليوم لا تختلف من عام لعام، صنّاع الاستقلال الذين يتم الاحتفال بهم هم نفسهم، والصور في الشوارع والتهاني في الصحف لا تختلف مضموناً.

وأنا هنا لا أعترض على تصدّر صور جلالة الملك لاحتفالات هذه المناسبة، لا سمح الله، فأنا لا أمانع حتى أن تصبح صورته على جواز سفري وهوية أحوالي المدنية. ولكن بين هذه النسخ المتكررة من أيام عيد الاستقلال على مدى السنوات، والخطابات المصاغة بنفس الفكرة وحتى نوع الخط وحجمه، وهدير طائرات نسور سلاحنا الجوي، وأضواء الزينة التي لوّنت شوارعنا (وهذه مناسبة أن أشكر وبكل صدق رجل الأعمال الأردني النوباني الذي تقدم بهذه المبادرة الطيبة) وكسرت جمود أعمدة الإنارة، السؤال الذي يجول بخاطري هو: أين الإنسان الأردني من كل هذا الحدث؟

أنا لا أقصدك أنت عزيزي القارئ ولكن أقصد الإنسان الأردني الذي عاش قبل يوم 25/5/1946. ذلك الإنسان الذي عاش على هذا ثرى الوطن وكان من أول مكوناته. أسأل أين كان من كل هذا؟

سؤال جال بخاطري لأني تفكرت في معنى عيد الاستقلال، فهو احتفال بذكرى استقلالنا، والاستقلال يعني التخلص من الاحتلال، ووجود الاحتلال يواجهه رفض شعبي فطري – إلا إذا خالف الشعب الأردني الذي نتغنى دائما بنشميته نواميس الشعوب وكان راضياً بهذا الاحتلال البريطاني، أو أن الاحتلال البريطاني كان لطيفاً خفيفاً عفيفاً شريفاً لا يخرج عليه أي أردني ولا تحدث مقابله أي انتفاضة شعبية كما هب الأردنيون على حكومتهم في نيسان عام 1989 مثلاً.

ما أسعى إليه في هذه الأسطر المعدودة أن أجد حيزاً ومكاناً (مع علمي أنه غير كاف أبداً) للإنسان الأردني الذي قدّم من أجل هذا الاستقلال، وهذا هو جهد المقل. أحاول أن أعثر على الإنسان الأردني الذي نسيته صفحات الجرائد الأولى، والملاحق الخاصة بعيد الاستقلال، أن أبحث له عن نغمة على السلم الموسيقي للأغاني التي تتغنى بهذا اليوم، أن أجد لجبهته وجوداً بين الوجوه التي تتصدر الشوارع، ولبريق عينيه المتلألئتين نوراً خلف الإضاءات التي تزين الطرقات.

هل ستتسع أسطري؟ وعن ماذا ستحدثكم؟ هل ستتسع لتروي لكم حكاية ذلك الأردني الذي خرج إلى سوريا ليدافع عن استقلالها فاستشهد في معركة ميسلون؟ أم عن مؤتمر السلط الذي عقد قبل تأسيس الإمارة وطالب بعدم ضم الأردن للانتداب البريطاني في فلسطين؟ أم أحدثكم عن مؤتمر أم قيس الذي طالب إن وقع الاحتلال البريطاني أن يقع على كامل البلاد العربية السورية لكي تحافظ على استقلالها؟ هل سمعتم عن المظاهرات التي خرجت في عجلون قبل تأسيس الإمارة رفضا لقرار التقسيم وفرض الانتداب على شرق الأردن؟ هل قال لك أحد عن الإضراب العام الذي حصل في إمارة شرق الأردن عام 1922 رفضا لقرار الانتداب البريطاني؟ ولا أظنك سمعت عن حزب ضباط شرقي الأردن الذين أقصوا من الجيش بأوامر من القيادة البريطانية؟

لم يعلمنا أحد عن المظاهرات الطلابية التي خرجت عام 1928 في إربد تنادي بسقوط الحكومة رفضاً للاتفاقية الأردنية البريطانية والتي لحقها إضراب عام لأيام في السلط ومظاهرات في الكرك ومعان، ولم تحدثنا الكتب الدراسية ومناهجنا المتقدمة عن المؤتمر الوطني الذي شكل لجنة تنفيذية واجهت الانتداب البريطاني على الأردن وحاربت قوانينه التي فرضها عبر الحكومات. ولن تتسع السطور للحديث عن مؤتمر أم العمد عام 1936 وتقرر فيه المضي مع الثورة الفلسطينية واتخاذ الخيار المسلح من أجل التحرر والاستقلال، فكانت المظاهرات في عمان وقطع خطوط الاتصالات البريطانية وتفجير أنابيب النفط ولن تجد طبعا في كل الجرائد أي ذكر للثورة الأردنية التي رافقت الثورة الفلسطينية عام 1937 إلى عام 1939.

ما ذكر أعلاه جزء يسير لن تجده بسهولة ولن تبذل الدولة أي جهد لكي توصله إليك. لن أفكر كثيراً في السبب ولكن كلما مرت ذكرى عيد الإستقلال يعاودني السؤال أين الإنسان الأردني من تاريخنا؟ أين هذا الإنسان من الصفحات الأولى للجرائد والصور والأضواء في الشوارع؟ ربما ضاقت تلك الرحاب عليه لكن قلبي الصغير وهذه الأسطر تحاول أن تقدم رغم ضآلتها حيزا لهذا العملاق.

وهكذا تمر علينا هذه المناسبة كل سنة بفعاليات كرنفالية ومهرجانات فانتازية تعزز الاستمتاع بالحياة الوردية وتصرف الأنظار عمّا وراء الطبيعة من تاريخ وتتجاهل ذاك الإنسان الذي وجد على هذه الأرض.

أطلت الأسطر فقط ليزيد الحيز لهذا الإنسان الأردني ولأختم مذكراً أن الاستقلال هو فقط البداية.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية