ألا ليت الشباب يعود يوما

الأحد 20 أيار 2012

بقلم علاء الساكت

بيت الشعر هذا من أكثر الأبيات شيوعاً في اللغة العربية، وكثيراً ما نسمع الكبار في السن يرددونه متمنين الرجوع بالزمن الى الوراء من أجل استرجاع القليل من عزيمة وعنفوان تلك الفترة من حياة الإنسان التي تسمى بمرحلة الشباب. وغالباً ما تتمثل هذه المرحلة بالطاقة والحيوية العاليتين حيث أن مستوى الإنتاجية يكون في أعلى درجاته، و يصبح من البديهي القول أن الشباب هم عماد المجتمع من حيث التقدم والإنتاج والرفاه الاقتصادي بكل أشكاله.

المتعارف عليه عالمياً أن فترة الشباب من المنظور الاقتصادي هي ما بين سن الخامسة عشر حتى الخامسة والعشرين، ومن المتفق عليه أنه يجب استغلال طاقات هذه الفئة، ذكوراً و اناثاً، الى أبعد الحدود من اجل تحقيق أعلى كم من الإنتاج المتاح، و بالتالي تحقيق أكبر نمو اقتصادي ممكن.

إذا نظرنا الى فئة الشباب في مجتمعنا الأردني نجد حالها كحال هذه الفئة في وطننا العربي، بل حول العالم. هذه الحال تتمثل بنسب عالية من البطالة مصحوبة بالإحباط وفقدان الأمل.  ونكاد نجزم أن ما يسمى بالربيع العربي ما هو إلا نتيجة هذا اليأس والتهميش الاقتصادي، حيث نهض الشباب يطالبون بحقوقهم، السياسية و الاقتصادية، ويدعون لتغيير أو إصلاح أنظمة أخلّت بواجبها تجاه هذه الفئة و بالتالي تجاه المجتمع كله. فنسبة البطالة بين افراد هذه الفئة تتعدى ضعف نسبة البطالة الرسمية في أغلب دول العالم، و تزداد هذه النسبة بشكل كبير لدى الإناث.

بحسب الجولة الرابعة من مسوح دائرة الاحصاءات العامة لسنة 2011، بلغت نسبة البطالة الرسمية 12.1 % بينما بلغت نسبة البطالة بين فئة الشباب 28.8 %. و عند احتساب هذه النسبة يستثنى أولئك الشباب الموجودون على مقاعد الدراسة و يستثنى أيضاً الغير نشيطين اقتصادياً ممن لم يلتحقوا بأية مؤسسة تعليمية والذين تبلغ نسبتهم 44 %.  بالتالي فإن نسبة البطالة المعلنة تمثل الشباب الذين التحقوا بسوق العمل و لم يجدوا فرص عمل تلبي احتياجاتهم. يجب علينا هنا أن نسأل: لماذا يوجد 44 %، او تقريباً نصف الشباب الأردني، ممن ليسوا على مقاعد الدراسة ولم يلتحقوا بسوق العمل؟ يجب علينا احتساب هؤلاء، أو جزءاً منهم، في نسبة البطالة لأنهم في سن العطاء وليست لديهم أية مبررات لعدم النشاط الاقتصادي. وحتى إذا أخذنا بمنطق ثقافة العيب وقبلنا بتلك الصورة النمطية للشباب الأردني، واستثنينا نصف الغير نشيطين من فئة الشباب على هذا الأساس، لا نزال نجد أن الاقتصاد الوطني يفقد عطاء وإنتاج حوالي نصف فئة الشباب الذين ليسوا على مقاعد الدراسة والذين يمكن تصنيفهم بالجاهزين للعمل.

وإذا أردنا أن نستوعب هذا الواقع وتأثيره على الاقتصاد بشكل عام من خلال أرقام ومؤشرات اقتصادية أوضح، بإمكاننا قياس الإنتاج الضائع نتيجة عدم تشغيل الفئة من الشباب الجاهزة للعمل في عمل منتج.  أسهل وأبسط طريقة لهذا القياس هي من خلال افتراض مستوى انتاجية معين للفرد وضرب ذلك الرقم بعدد أفراد الفئة المعنية: معدل إنتاجية العامل الأردني و فقا للبنك الدولي حوالي 5500 دينار أردني سنوياً، و اذا افترضنا أن الانتاجية الحقيقية هي 75 % من هذا الرقم، فان قيمة الإنتاجية الضائعة نتيجة عدم تشغيل فئة الشباب الجاهزين للعمل حوالي مليار دينار ونيف، اي ما يقارب 5 % من الناتج المحلي الاجمالي.

والمفارقة الكبيرة والمؤسفة حقاً في حال فئة الشباب أن كل بلدان العالم، ومنها الأردن، تطلق باستمرار المبادرة تلو الأخرى والبرامج التدريبية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية من أجل تمكين الشباب وإعدادهم لسوق العمل ولمستقبل مزدهر.  وما نتيجة كل هذه البرامج والخطط والاستراتيجيات إلا مجموعة من الشباب المدرًب والمؤهل والمفاخر به ينتظر فرص العمل التي يفترض أن تأتي، لكن سرعان ما يدرك معظمهم أن تلك الفرص هي مجرد أوهام لان الحكومات والأنظمة ترفض تطبيق سياسات اقتصادية مختلفة وترفض التدخل المباشر في إدارة الاقتصاد الوطني بحجة حماية السوق الحر والقطاع الخاص، أو بتعبير أدق، المصالح الخاصة.

فالمنظومة الاقتصادية المطبقة حالياً تبرر للدولة عدم القيام بمسؤولياتها تجاه شعبها بالتشغيل وخلق فرص العمل، بمعزل عن سياسات التوظيف الاسترضائية، وتضع هذه المنظومة مصالح خاصة فوق كل اعتبار، وتؤمن  بالمطلق بأن جهاز السوق قادر على حل كل مشاكل المجتمع وتأمين فرص العمل اللازمة من أجل بناء اقتصاد نشيط ومتقدم.  وهذا الإيمان المطلق هو الذي يدفع الدولة لبيع أصولها ومقدرات الوطن في سبيل تمكين جهاز السوق الحر بذريعة أن القطاع الخاص يملك من العلم والكفاءة ما لا تملكه الحكومة والقطاع العام، غافلة أن المواطن الأردني ذاته هو الذي يعمل في القطاعين. وبالنتيجة نجد الحكومات تضع اللوم لفشل السياسات الاقتصادية وعجزها عن تقديم الحلول والقيام بواجباتها تجاه المواطن على تقاعس القطاع الخاص في تنشيط الاقتصاد أو على الأزمة العالمية وليس على المنظومة العقيمة التي تزيد من حدة الاضطرابات الاقتصادية وفشل جهاز السوق بغياب الإدارة والرقابة الحكومية. وتوجه الحكومة أصابع الاتهام أيضا في وجه المواطن وكأن على المواطن تقديم الرعاية للحكومة وليس العكس. وتتذرع الحكومة بنقص مواردها وتتهدد برفع الدعم والضرائب، بينما صروح المال العام المهدور مشيدة، أو شبه مشيدة، في كل أرجاء المملكة، ورؤوس اموال اجنبية تجني الارباح الطائلة من خلال مقدرات الوطن التي تم خصخصتها، وأصحاب المصالح تحميهم قوانين الاستثمار وتستثنيهم قوانين الضريبة والمال العام، و كل على حساب المواطن.

ندرك جميعاً صعوبة الواقع الأردني على الصعيد الاقتصادي، ويتحمل الجميع تبعات ذلك. ولكن يجب دراسة الأسباب دراسة حصيفة، والتمحيص بالخلل الاقتصادي والاجتماعي نتيجة حقبة من السياسات الفاشلة.  والأهم من ذلك هو دراسة علاقة الحكومة والدولة بالشعب، وواجباتها تجاهه، حيث يصبح المواطن، والشباب، محاور أساسية  للتخطيط الاقتصادي، وليس عقبة أمام مشروع اقتصادي مبني على نظريات خاطئة وأوهام. إذا اختارت الحكومات يوماً وضع المواطن فوق كل اعتبار وتوجيه موارد الدولة المتاحة لرفع مستوى المعيشة من خلال البرامج التشغيلية والاجتماعية البناءة والخلاقة، فمن المؤكد ان الشعب كله مستعد أن يقدم التضحيات في سبيل نهضة الوطن. فالحكومة من واجبها إدارة الدولة سياسياً واقتصادياً وتأمين الحماية الاجتماعية والاستثمار في الشباب ليس من خلال شعارات فارغة بل عن طريق خلق فرص العمل أو التشغيل المباشر إذا اقتضى الأمر.

ينبغي التخلي عن السياسات الاقتصادية التي تفرض على الحكومات عدم التدخل المباشر في الادارة العامة للاقتصاد الوطني – ليس بالمعنى الاشتراكي بل بما يسمى بالكينزي (Keynesian) أو ما شابه، الذي يقتضي علي الحكومة الحفاظ علي مستوى طلب كلي مرتفع في أوقات الأزمات التي يواجهها القطاع الخاص. أما خلاف ذلك اذا بقي الحال على ما هو عليه الآن فان الآثار الاجتماعية ستكون سلبية الى حد كبير. فكيف لأحد ان يتوقع من المواطن بشكل عام، والشباب بشكل خاص، احترام الدولة والحكومة في ظل التهميش الاقتصادي المتزايد؟ وكيف لنا ان ننادي بالمواطنة والحس الوطني بالمسؤولية عندما نجد أن خيرات الوطن و موارده تسخر ليس لخدمة شبابه والرقي بهم و لكن لمصالح معينة فرضتها قوى السوق؟ وكيف لنا ان ننادي بالحفاظ على القيم الاجتماعية والتقاليد النبيلة التي أساسها المصلحة العامة، وشبابنا وفي أوج عطائهم قد اغلقت جميع الابواب في وجوههم؟  فإذا بقي الحال على ما هو عليه، ولم يتم الاصلاح الاقتصادي الذي، بوجهة نظري يحقق الاصلاح السياسي والاجتماعي، سنسمع وطنا بأسره ينادي “الا ليت الشباب يعود يوماً”.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية