الخطاب الرسمي حول الانتخابات والإخوان

الأحد 22 تموز 2012
مظاهرة نظمتها جماعة الإخوان المسلمين دعت لمقاطعة الانتخابات النيابية، 18 كانون الثاني 2013. محمد حنون، الأسوشييتد برس.

قبل سنوات طويلة، خرجت صحيفة السجل الأسبوعية بسؤال مرير يعبر عن أفكار الكثيرين ومفاده “متى ينتهي الاصلاح من ثنائية الحكومة والاخوان؟”. والواقع أننا بعد كل تلك السنين، لا نملك الا أن نسأل السؤال ذاته، فالعناوين ذاتها، والتصريحات الحكومية التي تؤكد أن الحكومات المتعاقبة لن “ترضخ ولن تستجد ولن ترضى بالابتزاز” لا تزال تخيم على إعلام حكومي لم يمل من النسخ واللصق المتواصل.

من يتابع التغطية الاخبارية لصحيفة الرأي اليومية والخطاب الحكومي الذي يؤنب المتخلفين عن اللحاق بـ”ركب الاصلاح” يشعر وكأن الأردنيين جميعاً في “خندق الوطن وجريدة الرأي” في مواجهة عدو الأردن الأول المتمثل في جماعة الاخوان المسلمين وذراعها السياسي حزب جبهة العمل الاسلامي، فهؤلاء الكتّاب لا يرون في الإخوان سوى “أصحاب الأجندة الخارجية” الذين ينكرون معروف الأردن لمنحهم الحياة وإبعادهم عن المقصلة.

لست بصدد الدفاع عن جبهة العمل الاسلامي، ولا عن خيار المقاطعة، ولكنني أتوق إلى يوم يرقى به الخطاب الحكومي إلى مستوى عقول الناس ويكف عن إصدار تصريحات تضحك قائلها في سره، وذلك من قبيل “من يمثل نبض الشارع لا يخشى القانون“، والذي يجعلك تحار في سبب الانشغال بقانون الانتخاب لأكثر من عقدين من الزمان طالما أنه لا يؤثر في النتيجة، وتصريح سميح المعايطة الذي يعتبر فيه القانون “نقلة نوعية بسبب التغيير والنقلة النوعية في تفكير الناخب“، وليس انتهاءً بتصريح وزير التنمية السياسية نوفان العجارمة الذي اعتبر أن “الأحزاب هي التي تفرق العشائر وليس القانون”، وهو تصريح عبقري يبني على ما جاء في الرؤية الملكية التي “ترغب في رؤية أحزاب سياسية تتنافس للوصول إلى تشكيل  حكومة برلمانية في المستقبل”، إلا اذا قصد الوزير أن يقدم للعالم “الأنموذج الأردني” من الحكومة البرلمانية كما برعنا في تقديم “الدوائر الوهمية” للعالم أيضاً.

الطريف في الأمر أن المعايطة يشدد على أن القانون سيكون بداية لتغيير تفكير الناخب، ولكنه – على ما يبدو – لم يقرأ التقرير الاخباري الذي نشرته جريدة الرأي والذي نقلت فيه وقائع “مؤتمر المخاتير” الذي عقد للتأكيد على وقوفهم خلف الراية الهاشمية، وعلى أهمية المشاركة في الانتخابات من باب “المواطنة الحقة”، ثم فجأة ينتقل الحديث في المؤتمر إلى “مطالب المخاتير” المتمثلة بـ”تفعيل دور المختار بالتنسيق والتعاون مع الجهات والدوائر الأمنية ذات الاختصاص، ومساواة المختار بالشيخ في اللقب والحقوق واعطاء المختار نسب من المنح الدراسية والمعونات كونه الأعرف والأقدر على ايصالها لمستحقيها واعتبار المختار وجيها لعشيرته لدى كافة أجهزة الدولة”، ولا زالوا يحدثونك عن المواطنة الحقة والنقلة النوعية في تفكير الناخب دون خجل!

ثم  ننتقل للتغطية الإخبارية الخاصة بتطورات قانون الانتخاب على صدر الصفحة الأولى، والتصريحات المستوحاة في كثير من الأحيان من عبارة “شاء من شاء وأبى من أبى”، وهي عبارة مخففة من أخرى تقول “اللي عاجبه عاجبه واللي مش عاجبه يبلط البحر”، وتليها في الصفحة الثانية مباشرة تقارير عن “خلافات الاخوان” في بيتهم الداخلي، والاكتشاف الذي يسجل للرأي بأن جماعة الاخوان بذراعها السياسي “ليست محصنة ضد الخلاف”. الطريف أنك لا تعلم ان كنت تقرأ تحليل سياسي، أم تغطية اخبارية محايدة، وذلك لأنها تمزج بين الموقف من الحركة ونقل أخبارها.

على سبيل المثال، تجد أن “الخلافات التي تدور في أروقة الحركة الاسلامية توشي بأنها مبنية على الأصول والمنابت في الوقت الذي تتناسى الحركة أن الأردن وطن للجميع”، وأيضا ما مفاده أن “قيادات إسلامية لم تدرك مساحة الفجوة التي تولدت بينها وبين المواطن الأردني” وأن “المواطن له أولويات” بعيدة كل البعد عن “الشعارات التي تحمل مبالغات ممقوتة”. فهل العبارات السابقة التي تقشعر لها الأبدان تعبر عن رأي أو موقف الكاتب؟ اذا كانت كذلك، فلماذا تنشر في صفحة المحليات من دون التنويه إلى أنها “تحليل سياسي” مثلا بدلاً من نشرها في صفحة “الآراء”؟

ثم نأتي على بيانات التأييد للمشاركة في الانتخابات، والتي لا تختلف كثيرا عن الخطاب الحكومي الذي يعلم ولكنه لا يقر بوجود معارضين لقانون الانتخاب من خارج حلقة “الاخوان الشياطين” كما يسميهم كاتب العمود الفذ صالح القلاب، ففي بيان عشيرة بني حسن، يبدو أنهم متحمسون للمشاركة في “النموذج الاصلاحي الذي تحتذي به دول الربيع العربي” ويساندون الدولة في معركتها ضد “الاخوان” الذين “يصرون على التشويه والتحريض للمشهد الاصلاحي”، ثم يختتم البيان بدعوة هؤلاء الذين فقدوا صوابهم “إلى العودة إلى رشدهم وألا ينقلبوا على الوطن الذي احتضنهم”. بالطبع هناك العشرات من البيانات المماثلة التي تصورنا وكأننا في معركة حاسمة مع عدو الأردن اللدود.

كنت أود أن أخرج من عباءة “الدولة والاخوان” في التعليق على الخطاب، ولكن يندر أن تجد في الرأي ذكراً لأية قوى أخرى تعارض قانون الانتخاب في هذه الفترة. هل هناك حالة إنكار أعمق من هذه أم أنه الإصرار على الكذب حتى يصدق الناس؟

ألتمس له عذراً، لربما كانت مخرجات لجنة الحوار الوطني صعبة التحقيق، أو أن “سويسرا ما بتقدر على هالطلب”!

 

 

 

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية