من قلب العاصفة

السبت 17 تشرين الثاني 2012

A view of Jalil street, between Firas circle and Hussein Camp, after Gendarmerie dispersed protesters | مشهد لشارع الجليل الواصل من دوار فراس ومخيم الحسين بعد جولة من تفريق المتظاهرين

بقلم : أكرم إدريس الحمود

النظام …

شعور غريب انتابني، هل كان يجب أن تصل الأمور إلى هذا الحد؟ لماذا؟ هل هم وهو على هذه الدرجة من الغباء؟ كل هذا كان يدور في خَلَدي وأنا بين الشباب الغاضب المخنوق من الوضع القائم والغاز المسيل للدموع في جبل الحسين بعد دفعنا من قبل قوات الدرك من مشارف دوار الداخلية يومي الأربعاء والخميس الماضي. “يسقط يسقط عبدالله” كانت تدوي بين البنايات بشكل مخيف. للحظات كنت أستشعر بعمق أن الدولة بنظام حكمها هي المؤجج الرئيس للشارع. لم تفلح محاولات الحراكات والأحزاب في تحريك الشارع كما نجحت منظومة الحكم في هذا البلد. غالب  الوجوه لا أعرفها، متوسط الأعمار لا يتجاوز الخمسة والعشرين عاماً، غضب شديد وخوف اشد من مسقبل غامض ينتظرنا.

لم أكن قط مع كل الهتاف المنادي بإسقاط النظام. كثيرون شعرت برغبتهم الشديدة في ترديده من باب النكاية أحياناً أو التقليد. أعتقد أن المؤمنين به حقاً هم قلائل جداً. لكن الهتاف ضد الملك عبدالله الثاني كان يأتي من الصميم. الشعور العارم بالخيانة والابتسامات من نوافذ البيوت عند التذكير بما يشاع عن الملك من مثالب تعكس الكثير من الدلالات عن الوعي المخفي لدى العديد من الأردنيين عمّا يحصل حقا خلف أبواب القصر. برغم الكثير من قناعاتي إلا أنني اخترت أن لا أهتف بإسقاط الملك. مراقبة المشهد العام بالنسبة لي تحتاج الكثير من التركيز الذي كنت بالكاد أحافظ عليه وسط الغاز والجري أمام الدرك والهروب من حافلة الاعتقال.

من باب “التخبيص” القول بأن الشارع يريد اسقاط النظام. الشارع يريد لقمة العيش الكريمة. الشارع لم يأبه بكل المناكفة والانحدار السياسي خلال عامين لكنه اهتز وبقوة جرّاء ما يجري على مائدة الطعام التي تصغر باستمرار. ومن باب المراهقة كل هذا التركيز على هتافات إسقاط النظام السياسي القائم التي تنفر غالب الناس وتدفع بهم للابتعاد عما يجري بدلا من جذبهم عبر الهتاف المنادي بلقمة العيش الكريمة.

الدم …

الغضب العارم التي اجتاح البلد مساء يوم الثلاثاء نتيجة لرفع أسعار المحروقات لم أشاهده مثله قط من قبل. الرغبة في عقاب المسؤول عن هذا المآل كان الشعور الغالب. يوم الأربعاء انفجر الشارع بالكامل. المضحك المبكي المؤلم أن مناطق العشائر حول الممكلة هي من شهدت بشكل أو بآخر “العنف” و”التخريب”. دولة زرعت الفرقة وأججت الولاءات العشائرية منذ عام 1993 وعززتها خلال العقد الماضي من قمة الغباء أن لا ترى أن الدم سيأتي من حيث تكون الثقافة الوطنية في أدنى مستوى مقارنة بالشعور الوطني العام. في المقابل حافظت عمان وإربد على نهج الاحتجاج السلمي بالرغم من كل الاعتقال والقمع. الزرقاء دخلت على خط الاحتجاج في مؤشر خطير جداً على خسارة الطبقة الوسطى التي تمثل مثاليتها في الأردن.

خبر مقتل أول شباب البلد ليل الاربعاء شكّل كارثة بالنسبة لي. لحقه بدقائق خبر إصابة أحد أفراد قوات الدرك بالرصاص في منطقة عشائرية. الدم في مجتمع مثل مجتمعنا لا يمكن احتماله. طبعا الرواية الرسمية لمقتل الشاب أثناء اقتحامه لمركز أمني  بالسلاح هي نموذج للهراء الرسمي بالنسبة لي. وفي مجتمع مثل مجتمعنا وكما عهدنا من تصريحات السلطة فهي آخر ما يمكن الوثوق به حتى بما يتعلق بحالة الطقس.

التدليس…

أقل ما يمكن أن توصف به تصريحات مدير الأمن العام حسين المجالي التي خرج بها في مؤتمره الصحفي يوم الخميس هو التدليس.

نسب كل حالة شغب حدثت في المملكة لناشطي الحراك هو قمة التضليل و التلاعب السياسي.  لماذا كانت الحالة السلمية الكاملة من التحرك الشعبي خلال الأيام الأربعة الماضية متركزة في المناطق التي شهدت زخم نشاطات الحراك السياسي خلال السنتين الماضيتين؟ لماذا تجد في نفس المنطقة احتجاجاً سلمياً يرافقه على مسافة قريبة مجموعة تقوم بالنهب والتخريب والإحراق؟ لماذا تم اغفال مجموعات الزعران التي تهجمت على الاعتصامات السلمية في إربد بالسلاح الأبيض بعد فشل الدرك في فض الاعتصام السلمي في ميدات وصفي التل؟

مجتمع تحرك بكل ما فيه من جمال وقبح، رزان وهيجان، يتوقع منه كل شئ بعد إفراغ الجيوب المثقوبة اصلاً، لكن ميليشات الروؤس الكبار التي رأيناها في أكثر من مناسبة خلال سنوات قبل ابتداء الحراك الشعبي واثناءه لم يتم حتى التلميح لها. الكل يعلم أنه في أوقات الأزمة تنشط المجموعات الإجرامية، لكن وكعادة أنظمتنا العربية التي تشترك بنفس مشيمة السقوط الأخلاقي يتم نسب كل مجرم إلى نشطاء الحراك السياسي.

في الداخلية وبعد دفعنا من قوات الدرك نحو جبل الحسين وتحت وطأة القمع غير المبرر والغاز الذي خنق الجميع، بدأ بعض الشباب برمي الحجارة، طبعا تم ضربهم على أيديهم ولكن ليس من قبل الدرك بل من قبل بقية العقلاء داخل التظاهرة. مشاهد مشرفة تكررت تجاه بعض “الغرباء” الذين حاولوا إما خلع عمود من الرصيف أو اتلاف شجرة، أعتقد ان القمع الذي تلقوه من جانب المتظاهرين كاد أن يقارب مستوى القمع الذي شهدناه من قوات الدرك الا أنه كان ينقصنا الغاز. لماذا لم تتعرض أي سيارة للتخريب؟ لماذا لم يتم كسر نوافذ أي محل علما أنها كانت كلها مفتوحة ذلك الوقت؟ البارحة وفي شارع الأردن دخلت دورية شرطة من منتصف التظاهرة ولم يتم التعرض لها ولو بكلمة، ألا يدعو ذلك للفخر والذكرأكثر من حالات التخريب ذات المنبت المشكوك بأصله؟

أين الملك؟
في عين الإعصار وفي ظل أسوأ أزمة يمر بها الأردن خلال فترة حكمه، يختفي الملك. أنا اؤمن أن الأردن مر بظروف أصعب على العائلة الحاكمة مما يحدث اليوم، ولكني أتساءل عن شعوره وهو يسمع اسمه يتردد على جدران عمان وجدران ديوانه بصورة مخالفة لما عهده خلال عهده الميمون. الملك لم أرغب بلقاءه إلا مرة واحدة  قبل شهور، اليوم أتمنى لقاءه لأسمع منه وأحكي له الكثير…لكن الأغلب أن ما ساقوله لن يعجبه.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية