دون للحرية: الحرية مملكة أحرار

الإثنين 03 كانون الأول 2012

بقلم سامر حيدر المجالي 

هل عليك أن تشعر بالخجل إذ تجد نفسك جالساً في مكان فاره، تحت مكيف، وحولك كل ما تحتاج من وسائل الراحة، لتدون عن الحرية وتساند أحباء وأصدقاء وأقارب، جعلوا من مسيرة حياتهم كلها مدونةَ حرية، وهتفوا جهاراً نهاراً بما قضيت عمراً كاملاً غير قادر على الجهر به حتى وراء الجدران المصمتة؟ هؤلاء الذين خرجوا في حر الصيف وزمهرير الشتاء هاتفين بحناجرهم، بينما احتفظت أنت بغضب قلبك داخل جدرانه الوجلة المسالمة؟

أين المعتقل أيها المدوِّنون؟ هل هم أولئك القابعون في زنازين انفرادية تمسكاً بشرف الموقف وصدق الكلمة؟ أم نحن الذين اعتُقلنا عمراً بأكمله داخل زنازين خوفنا واستسلامنا؟ هل هي تلك الأم التي تقطَّعَ قلبها على ولدها، فلما صرخت شوقاً إليه ألقوها في غياهب سجنهم كما يُلقى كل ذي سوابق وقاطع طريق؟ هل هو ذاك الطفل الذي خرج بقلب سليم ما زال على ضفاف البراءة، وخاطبهم بما فهمه من ربيع طفولته، فأحالوه إلى ظلام السجن ووحشة الانفراد؟ هل هو الشاب أسيد العبيديين الذي تلقى رصاصة في كبده من مجهول-معلوم، تلقاها نيابة عن أكباد انفطرت على وطن يسير إلى مجهول لا نعرفه، لكنها لم تصدح بما صدح به؟ هل هم المعتقلون أم نحن؟

نحن المعتقلون. نحن الذين نمارسُ رفاهيةَ التنظيرِ من وراء شاشاتٍ مضيئة، وهم الأحرار لأنَّهم ما انتظروا ولا جاملوا ولا انشغلوا بالمهاترات. المعتقلون نحن وكلماتنا المنتقاة بحروفها وحركاتها وبلاغتها ودقة تعبيرها، والأحرار هم، بصدق ما خطوه على لوحاتهم، وبجمال ما نطقت به حناجرهم من شعارات حتى لو كان كلامها  غايةً في البساطة. المعتقلون نحن والأحرار هم؛ ذلك أن القول تثقُلُ موازينه حين يجابه الظالم في وجهه، وحين يفصح عن قصده بغير إشارات ولا رموز ولا تورية.

عذراً منكم يا أحرار الأردن، فأنتم الأعلون ونحن من ورائكم. وعذراً منكم إذ لم نعرف بعدُ أن الحرية لا تستأذن، تماما كما هو الحب لا يستأذن. نعم فالحرية سهم من سهام الحب، والوطن حبٌ قبل كل شيء، والحب غير متيسر لمن تخلى عن حريته. ذاك هو معنى أن تكون إنساناً؛ أن تمارس حبك وكل عواطفك تحت مظلة الحرية، أن تعبد الله حراً في اختيارك، وأن تعشق وطنك حراً في اختيارك، وأن تلوِّن لوحة حياتك حراً في اختيارك، وأن تشكل ذكرياتك وأفكارك كما تريد أنت حراً في اختيارك، وأن تفهم ذاتك والآخرين والأرض والشجر والعباد والخلجات والجدات والمواسم، حراً في اختيارك، وكما يملي عليك عقلك وترسم لك دقات قلبك أنت، أنت ولا أحد غيرك.

تلك هي معركة الحرية مع أنظمة الفساد، أنظمة الزعيم الملك المالك صاحب الرؤية التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها. الزعيم الذي يفرض عليك حبه، كأنما في الحب إكراه! الزعيم الذي يختصر الوطن في أقواله وأفعاله وسكناته وإلهاماته حتى يجعل من كل شيء سواه هباء منثورا. الزعيم الذي يقيد أنفاسك ويفرض عليك تفاصيل عواطفك وشكلها واتجاهاتها. الزعيم الذي يقتل الإنسان فيك ويحيلك كومة من الخواء والاستسلام واللامعنى.

الحرية ليست خلافاً دستورياً، ولا تسويات تُجرى وراء الجدران. ولا القضية في نقصان يسير أو بعض كماليات تزخرف الحياة. الحرية ذاتٌ تبحث عن معنى، عن حق مستلب منذ يوم الولادة. الحرية ليست مجرد رأي في السياسة بل هي موقف من الحياة، موقف تأنف فيه نفسك من ضيم أوقعه عليك من يستغبيك ويسرقك في وضح النهار.

الحرية هي أنت، هي أجندتك منذ يوم ميلادك. والذين لا يفقهون هذا المعنى يتوجسون منك ومن إصرارك على أيقونتك، ويرمونك بالأجندات لأنك صعب التفسير على مداركهم المحدودة. يختصرون حاجاتك في لقمة عيش وجرة غاز، يحشرونك داخل ما ألفوه ولُقّنوه وأُلزموه. يستكثرون عليك أن تحلق في فضاء نفسك. يشدونك إلى حبل من التبعية والتمجيد والانبهار.

الحرية مملكة أحرار، وطن للجميع، لا مؤسسة تشريفات وتمويل ورفاهية. هذا هو الأردن الذي نخاصمكم فيه، ولن نتوقف عن سعينا لتشييده.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية