قوننة صلاحيات الملك  

الأربعاء 12 كانون الأول 2012

بقلم تيسير الكلوب

في الثامن من كانون الأول، عهد الملك عبد الله إلى رئيس الوزراء عبد الله النسور برئاسة لجنة ملكية لتعزيز منظومة النزاهة. تضاف هذه اللجنة إلى الرصيد السابق من اللجان التي تشكلت ضمن توجيهات ملكية سامية، يذكر منها، على سبيل المثال لا الحصر، لجنة الحوار الوطني واللجنة الملكية لتعديل الدستور ولجنة الأجندة الوطنية، وتنضم كذلك إلى مجموعة من الرؤى الملكية السامية التي سبقتها على شكل توجيهات شفوية أو رسائل خطية أو تصريحات صحفية أو كتب تكليف سامي.

في الآونة الأخيرة ظهر مصطلح ضمن مطالب الإصلاح الحالية أخذ عنوان (أو كما راه البعض) “سحب صلاحيات الملك”. أنا هنا لا أريد أن أدعو إلى سحب صلاحيات الملك، لكي لا أتهم أنني مع الوطن البديل كما قال رئيس مجلس النواب السابق، ولا أخل بالاتزان والتوازن والشمولية التي تضفيها هذه الصلاحيات، ولا أهاجم بأنني أنصب نفسي متحدثا باسم الشعب  وأعتلي إرادته وأركب أمواج رغباته، هذا الشعب الذي ما فتئ جزء منه يرفض أن يستعيد صلاحيته هاتفاً “الشعب يريد سيدنا أبو حسين”.

لكن الحقيقة التي لا جدال فيها، أن الدستور والتشريعات الأردنية قاطبة، تخلو مين أي مواد تعنى بتشكيل اللجان الملكية وحدود عملها وأوجه تنفيذ رؤاها وإلزامية نتائجها وضمانة تطبيقها وحسن إخراجها وتفاعل جميع المؤسسات مع التوجيهات الملكية السامية التي ترجمتها اللجنة في مخرجاتها، لا بل وتخلو من الأهم وهي القوانين التي تقيم عمل اللجان وتحاسب المقصرين ممن فشلوا في مواكبة الرؤية الملكية. وبالتالي فإن الأمانة والحرص تقتضي قوننة صلاحيات الملك، فليس من المعقول أو المقبول أن تكون هنالك رؤى وتوجيهات وتوصيات ورسائل وكتب تكليف سامية تصدر من رؤية ملكية ثاقبة، يكون مصيرها الإهمال والتقاعس عن التطبيق والتنفيذ، وحتى المخالفة الصريحة أحياناً.

الهدف الأساسي من قوننة صلاحيات الملك أن نتجنب تكرار الفرص الضائعة. فلجنة مثل لجنة الأجندة الوطنية تعمل لأشهر على وضع استراتيجية طويلة الأمد في للدولة الأردنية في كل المجالات وفي صباح اليوم التالي تصبح ورقاً على الرف كأنها لم تكن. ولجنة الحوار الوطني تمضي شهوراً لإعداد قانون انتخاب ليخرج علينا بعدها رئيس وزراء ويقول بأن اللجنة لا تمتلك أي صفة دستورية لكي نلتزم بمخرجاتها. وتصل رسالة ملكية إلى رئيس وزراء قبل أكثر من ثمانية عشر شهراً توصي بإغلاق المكاتب الأمنية في الجامعات ووقف تدخل الأجهزة الأمنية فيها لحث الطلاب على الانخراط في العمل السيايسي والانتخابات، ويعد رئيس الوزراء بتنفيذ الرؤية، وبعدها ببضعة أشهر يتم إعتقال طلاب من داخل الحرم الجامعي أمام عيون الأمن الجامعي بحجة توزيع  الطلبة “لمنشورات”. أما الإفراج عن موقوفي الحراك عند أمن الدولة فلن يعد تدخلاً في السلطة القضائية ولا صلاحيات القضاة في حالة قوننة الصلاحيات، كما أن الضمانات الملكية التي تصدر لنزاهة الانتخابات ستصبح ذات معنى ولن يسمح القانون بانتهاكها من قبل جهات ما.

بالمحصلة، فإن وضع توجيهات جلالة الملك في الأطر القانونية التي تستحق تعني ببساطة ترجمة الطرح الراقي والكلام الجميل والرؤى التي نحلم بها في كتب التكليف واللقاءات التلفزيونية والمقابلات الصحفية والخطابات والرسائل الرسمية إلى نتائج على أرض الواقع، فيتم تنفيذها على أكمل وجه، وبشكل حقيقي، و بدون شبهات فساد، على طريقة مشروع سكن كريم لعيش كريم.

وضع صلاحيات الملك بقانون يحاسب المقصر والمتخاذل (وكل من قال لنفسه حينما سمع التوجيهات الملكية  “تسك”) تضمن للوطن والشعب تنفيذها بالشكل الصحيح، كما تقطع الطريق على كل من يشكك بمصداقية وإلزامية هذه الرؤى والتوجيهات، ويصبح كله قانوني، فلا تملك الفعاليات الشعبية والوطنية إلا أن تزيدها إشادة، فاقت كل الإشادات السابقة. هذا على الأقل هو النمط من التفكير والتنظير الذي يمكن للمرء أن يلجاً إليه ليضيف إطاراً وردياً أولمسة تجميلية على الواقع الحالي الذي لا يرضي الحالمين ولا الطامحين برتبة أسمى لهذا الوطن.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية