أقساط المدارس الخاصة: حل منطقي كي لا يجوع الذيب ولا تفنى الغنم

الأحد 23 كانون الأول 2012

بقلم جواد جلال عباسي

علاقة عائلتي مع المدارس الخاصة تمتد الى ثلاثينيات القرن الماضي. فالمرحوم والدي درس المرحلة الابتدائية بمدرسة الارثوذكس بالحصن باواخر الثلاثينيات وأتم تعليمه الثانوي بمدرسة المطران بعمان (القسم الداخلي) بالأربعينيات. وانا درست باللاتين بالزرقاء ومن ثم المطران بعمان حتى تخرجت في الثمانينيات. وولداي الآن يدرسان بمدرسة خاصة.

خلاصة المقدمة أننا – ككثير من الأردنييين – نعلم علم اليقين أن اقساط المدارس الخاصة ترتفع ولا تنخفض. فأقساط مدرسة المطران للقسم الداخلي الثانوي في منتصف الأربعينيات كانت 39 جنيه فلسطيني. وعلى فرض تضخم سنوي ثابت ب 5% فهي تعادل حوالي 1310 دينار من دنانير 2012. واقساط القسم الثانوي قي 1988 كانت حوالي 800 دينار اي 2580 دينار من دنانير 2012.

نتفق بداية أن التضخم المالي جزء أساسي من الحياة الاقتصادية. ومعظم المدارس الاقتصادية تفضل التضخم السنوي المنخفض المعقول (اقل من 3% عادة) على ثبات الأسعار او انكماشها. فانكماش الأسعار يفرمل الدورة الاقتصادية بتأخير المستهلكين قرارات الشراء انتظارا لأسعار أرخص في المستقبل بينما يحفز التضخم السنوي المعقول الصرف (استهلاكا واستثمارا). ولان المدارس الخاصة جزء من الاقتصاد فطبيعي أيضا ان تزيد تكاليفها السنوية بنسب التضخم او أزيد قليلاً.

في ضوء الضجة التي صاحبت قرار لمدرسة خاصة برفع الاقساط بنسبة 30% او أكثر أرى أن الدعوات إلى التدخل الحكومي في تحديد اقساط المدارس الخاصة خاطئة وأنه من الأولى النظر للموضوع بنظرة شمولية بدلاً من اتخاذ قرارات متسرعة.

التعليم الخاص في الأردن له خصائص عدة. مدارس الجمعيات الاسلامية والطوائف المسيحية معظمها غير ربحية وتخسر في المحافظات (أعلم مثلا أن كنيسة اللاتين تدعم مدارس اللاتين في القرى بعدة ملايين سنوياً). أما المدارس الخاصة الاخرى فمعظمها شركات خاصة تهدف للربح. وجميع المدارس تدفع الضرائب وتخلق الوظائف وتخفف الحمل عن المدارس الحكومية وتقدم خدمة مطلوبة من قبل قطاع واسع من السكان.

تحديد رسوم المدارس الخاصة حكومياً قد ياتي بآثار عكسية تخفف من الاستثمار في القطاع وبالتالي تخفف من المنافسة التي هي الضمانة الاهم لعدم انفلات الأسعار. مثال ذو علاقة هو تحديد أجور السكن في كثير من المدن الاميركية والاوروبية والتي تحدد الحكومة فيها الأجرة على حد اقل من سعر السوق. الدراسات التي تمت على اثار ذلك تختلف في نتائجها: فبعض الدراسات استنتجت ان تحديد الأجرة ساهم في ضمان بقاء الطبقات المتوسطة في المدن بينما دراسات أخرى استنتجت أن تحديد الاجور قلل من حوافز الاستثمار في السكن والعقار مما زاد كلفة الإيجارات في المواقع التي لا تخضع لتحديد الاجرة. أي أن قطاعاً من السكان استفاد على حساب قطاع اخر.

الحل الذي أراه منطقيا أن تكون المدارس الخاصة ملزمة بنظام للرسوم يشمل كافة فترة التعليم (الصف الاول الى الثاني عشر). أي أن ولي الامر عندما يسجل ابنه او بنته للصف الاول يحصل على لائحة رسوم المدرسة لكل صف من الصف الاول حتى الصف الثاني عشر. ويحق للمدرسة زيادة سنوية على هذه اللائحة لا تتجاوز نسبة التضخم السنوية الرسمية كما يعلنها البنك المركزي. لكن المدرسة تستطيع زيادة رسومها كما تشاء للطلبة المستجدين الذين يسجلون فيها لاول مرة على شرط تقديم لائحة رسوم المدرسة لكل الصفوف لهولاء الطلبة المستجدين والتي تستطيع المدرسة زيادتها بحد اقصى هو نسبة التضخم السنوية. المهم هنا ان كل ولي امر يعرف ان لائحة رسوم المدرسة التي يسجل فيها اولاده لن يطرأ عليها تغييرات مفاجئة كبيرة تجبره على نقل اولاده أثناء المراحل الدراسية (بل ان الزيادات ستكون بحسب التضخم كحد اقصى).

فوائد هكذا نظام تشمل عدالة الزيادة السنوية للمدرسة وللعائلات وكذلك عدم حرمان المدرسة من جني نتائج نجاحها وسمعتها بزيادة الرسوم بنسب التضخم للطلبة القدامى وبحسب وضعها التنافسي للطلبة المستجدين. بنفس الوقت نبقي على حافز الاستثمار في هذا القطاع المهم مما سيزيد من المنافسة والتي تبقى العنصر الاهم في كبح جماح ارتفاع الاسعار. كذلك يزيد التحصيل الضريبي للخزينة حيث ان خزينة الحكومة هي المقصودة بالذيب في المثل المذكور بعنوان المقال!

*مؤسسومديرعاممجموعةالمرشدينالعرب

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية