هل البعثات في الجامعة الأردنية للأغنياء فقط؟

الإثنين 11 شباط 2013

بقلم: د. بركزار الضباطي

ما هي المواصفات التي تؤهل طالب الدراسات العليا للحصول على بعثة من الجامعة الأردنية للالتحاق ببرنامج الدكتوراه في الخارج؟ الجنسية الأردنية؟ صحيح. تفوق أكاديمي؟ مؤكد. قبول في جامعات معترف بها؟ بالطبع. انحداره من عائلة ثرية؟ معقول؟ هذا هو واقع الابتعاث الذي نادراً ما نناقشه وقليل منا يدرك مدى تأثيره على حصول الطلبة المتفوقين على بعثات من الجامعة الأم.

pull quote_educationتبدأ عملية الحصول على بعثة للدراسة في الخارج  من القسم الأكاديمي المعني، الذي يتقدم بطلب منح بعثات لحملة درجة الماجستير للحصول على شهادة الدكتوراه والعودة إلى القسم للتدريس فيه. الجامعة تقوم بالإعلان عن توفر بعثات في المجالات التي يحددها القسم الأكاديمي وتتقدم مجموعة من الطلبة بطلبات إلى القسم الذي يقوم بدوره بدراسة كل طلب ومقابلة صاحبه وتقييم أهليته ثم تنسيب أسماء المرشحين الذين تمت الموافقة عليهم. بعد إبلاغ المتقدمين بنجاحهم في الحصول على البعثة يقوم المرشحون بمراسلة الجامعات في الخارج والحصول على قبول في برامج الدكتوراه. ثم تبدأ مرحلة لا يدرك المرشح في معظم الأحيان مدى حتميتها حيث تتكسر على أبوابها أحلام عامين من التخطيط والعمل للحصول على أعلى درجة أكاديمية. إذ يُطالب المرشح بتقديم ضمانات مالية لرجوعه إلى الأردن والعمل في الجامعة الأردنية، حيث تخشى الجامعة من بقاء الموفد في الدولة التي يدرس فيها أو دولة أخرى وألا يعود ليؤدي دوره من الالتزام وبذلك تفقد الجامعة استثمارها العلمي والمالي. والضمانة التي يجب أن يقدمها المرشح للبعثة هي عقار بقيمة تتجاوز المائة ألف دينار يقوم برهنه لصالح الجامعة الأردنية طوال مدة ابتعاثه في الخارج ومدة التزامه مع الجامعة بعد عودته، وهي فترة تمتد إلى إثني عشر عاماً (أربع سنوات من الدراسة وثماني سنوات من العمل في الجامعة كأستاذ بعد عودته). في حالة عدم القدرة على تقديم هذه الضمانة، على الموفد إيجاد تاجر يبلغ رأس مال تجارته المبلغ المطلوب (ليكفل المبتعث). وإذا لم يستطع الموفد تقديم إحدى تلك الضمانات، تكون نهاية الطريق ويفقد بعثته التي بنى عليها آماله الأكاديمية. بمعنى آخر فالأثرياء في الأردن فقط لهم الحق في أن يحلموا ببعثة تدخلهم العالم الأكاديمي، وهو منطق يناقض نفسه، فهل الأثرياء بحاجة لبعثة؟ وهل من لديه أملاك “فائضة” بقيمة مائة ألف دينار، مستعد لتجميدها لمدة ١٢ عاماً، بقيمة مائة ألف دينار بحاجة لبعثة؟ أين ذهب المعيار الأكاديمي والعلمي في انتقاء أساتذة المستقبل الذين سيشكلون العمود الفقري لمؤسستنا الأكاديمية؟ نظام الإيفاد هو استثمار في المستقبل تضمن الجامعة من خلاله توفر كادر أكاديمي مؤهل للتدريس والبحث لمدة تمتد على الأقل لثمانية أعوام (فترة التزام الموفد)، ولكن في ظل نظام الكفالة المعتمد أصبح هذا الاستثمار مالي بالدرجة الأولى.

ليس لدي المعلومات الكافية عن مدى فعالية هذا النظام في ضمان عودة الموفد أو عن التجارب السابقة مع الموفدين التي دفعت الجامعة الأردنية إلى تطبيقه. ما أعرفه بالتأكيد، ومن تجربة شخصية،  أن الشرط المالي من نظام الإبتعاث قد حرم مرشحين مؤهلين من الفرصة لخدمة الجامعة التي أحبوها. في عام ٢٠٠٤ حصلت على بعثة كاملة من الجامعة الأردنية للدراسة في برنامج الدكتوراه، وبعد قبولي في جامعة بريطانية مرموقة اضطررت للتخلي عن البعثة رغم إستعداد والدي، بكل كرم، لرهن كل مايملك، لأن أملاكه في ذلك الوقت لم تغط نصف المبلغ المطلوب. وقد حاولت إقناع المسؤولين في قسم الابتعاث بأن خسارة والدي لكل أملاكه، وهي الشقة الذي يسكنها مع والدتي، هو  أكبر ضمان لعودتي إلى الأردن والإيفاء بالتزامي، ولكن الرد الذي تلقيته هو إما مائة ألف دينار أو لا بعثة.

عندما أُغلق باب الجامعة الأردنية طرقت باباً آخراً وحصلت على بعثة من برنامج فولبرايت، البرنامج الأمريكي للتبادل التعليمي الثقافي بين الطلبة العرب والأمريكيين والذي يخصص بعثات لأصحاب الكفاءات العلمية وبشرط وحيد، وهو العودة إلى البلد الأم وخدمتها لمدة عامين. بفضل توفر هذا البديل استطعت إتمام دراستي والحصول على درجة الدكتوراه وها أنا أعمل كأستاذة في الجامعة الأردنية بدون أي التزام مالي أو رهن أملاك تربطني وتجبرني على العمل هناك.

رغم تفهمي لمخاوف الجامعة الأردنية من خسارة الموفدين الذين لا يفون بالتزامهم للجامعة، على الجامعة دراسة كل حالة على حدى وتقدير الحالة المادية لكل مرشح. علينا إعادة النظر في هذا الجزء من عملية الإيفاد والنظر إلى الصورة الأكبر وهي المستقبل الأكاديمي. فما هو مستوى الإنتاج العلمي (بحثاً أو تدريساً) الذي سيقدمه الأستاذ الموفد العائد عندما يُجبر على العمل في مكان ما مكرهاً، خشية من خسارة مائة ألف دينار؟ أليس من الأفضل أن يكون الدافع هو الحوافز المهنية والأكاديمية التي تجعل الأساتذة تتنافس على العمل في الجامعة الأردنية بدون إكراه؟ وبأي حق يحرم الأردنيون من الطبقات الفقيرة والوسطى من فرصة الحصول على بعثة من جامعة هي امتداد لهم ولمستقبلهم كما هم امتداد لها؟ ومن صاحب القرار الأخير بأحقية المرشح في الحصول على بعثة: الأقسام الأكاديمية التي تدرس مؤهلات المرشح العلمية أم قسم الابتعاث الذي يتخذ القرار استناداً إلى تخمينات دائرة الأراضي؟

لم يتغير الكثير منذ تجربتي مع قسم الإيفاد، إلا زيادة قيمة الرهن إلى ١٢٠ ألف للمرشحين للدراسة في التخصصات الإنسانية، وبقيمة أعلى من ذلك للتخصصات العلمية. وما زال شرط رهن العقار المعيق الأكبر لفرصة ذوي الدخل المحدود لإتمام دراستهم في الخارج، خاصةً بعد إلغاء برنامج فولبرايت لبعثات الدكتوراه وحصرها في الماجستير، وتقليص الكثير من الجامعات الأجنبية للبعثات التي تمنحها للطلاب الأجانب بسبب الأزمات الاقتصادية. للأسف مازالت قدرة المرشح المالية هي المعيار الفاصل، في حين يبقى التفوق الأكاديمي تكميل وتجميل لا يكفي بذاته!  فما هي نوعية أساتذة المستقبل، وما الذي سيحدث لمستقبلنا الأكاديمي إذا تحولت جامعاتنا إلى بنوك؟

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية