اعترافات ضريبية: خلاصة جلية من متن الميزانية والحل .. بالردية

الأحد 17 شباط 2013

بقلم جواد جلال عباسي

الميزانيات الحكومية كتاب مفتوح يتجلى فيه واقع الإدارة الضريبية للدولة. أدناه بعض الملاحظات من ميزانيات الحكومة لعام 2011 (فعلي) و 2012 (اعادة تقدير) و 2013 (مقدر).

تحصيل ضريبة الدخل من الموظفين والمستخدمين في 2012 كان أعلى من تحصيل ضريبة الدخل على الافراد (78 مليون مقابل 67 مليون). مع العلم ان 90% من الموظفين لا يدفعون ضريبة دخل لأن رواتبهم أقل من ألف دينار شهرياً. تخيلوا: كل التحصيل الضريبي من قطاع الاعمال الفردية (أطباء ومهندسين ومحامين
ومحاسبين ومستشارين وتجار أفراد الخ) أقل من التحصيل الضريبي لأقل  من 10% من الموظفين بالاردن. قرينة واضحة على تهرب واسع من ضريبة الدخل.

في 2011 حصّلت الحكومة ثلاث دنانير ضريبة مبيعات مقابل كل دينار ضريبة دخل. وارتفع الى 3.25 دينار ضريبة مبيعات مقابل كل دينار ضريبة دخل في 2012.

عند إضافة الجمارك إلى ضريبة المبيعات (كمؤشر إلى مجمل ضرائب الاستهلاك) في 2011 حصّلت الحكومة 3.5 دينار ضرائب استهلاك مقابل كل دينار ضريبة دخل. وارتفع الى 3.7 دينار ضرائب استهلاك مقابل كل دينار ضريبة دخل في 2012.

إذن:
•    تهرب ضريبي واسع من ضريبة الدخل لن يحله أي رفع في نسب الضريبة لان رفع النسب سيساهم في زيادة حافز التهرب والتجنب الضريبي. المشكلة الأساس تكمن في التهرب وليس في نسب ضريبة الدخل.

•    اعتماد كبير على ضرائب الاستهلاك التي شكلت اكثر من 76% من مجموع الضرائب في 2012 فيما شكلت ضريبة الدخل 21% من المجموع والباقي (3%) ضرائب بيع العقار.

هذا الاعتماد الكبير على ضرائب الاستهلاك له إيجابيات وسلبيات. من أهم إيجابيات ضرائب الاستهلاك أنها تطال الجميع وتطال حتى المتهربين من ضريبة الدخل. فالكل يدفعها: الأردني المقيم والأردني المغترب والسائح والعامل الوافد وغير الأردني المقيم. كذلك في ضرائب الاستهلاك (مبيعات وجمرك) يقرر المستهلك عملياً الضريبة التي يدفعها بحسب نمط حياته: فمن يشتري سيارة غالية يدفع ضريبة اكثر ممن يشتري سيارة أرخص. ومن يذهب الى مطعم فاخر يدفع أعلى ممن يشتري صحن حمص من مطعم شعبي. كذلك تشجع ضرائب الاستهلاك الادخار والاستثمار كونها لا تطال المبالغ المدخرة بل تطال ما يصرف فقط.

لكن ضرائب الاستهلاك لها سلبيات واضحة. اهمها انها ضريبة تنازلية تزيد نسبتها من مجمل الدخل في الدخول الوسطى والمتدنية وتقل في الدخول العالية. مثال: عائلة دخلها الشهري 800 دينار واخرى دخلها الشهري ستة الاف دينار.  تصرف ذات الدخل المتوسط 600 دينار على مشتريات خاضعة لضريبة المبيعات فيما تصرف الاخرى 3000 دينار. عائلة الدخل المتوسط تدفع 83 دينار ضريبة مبيعات (اي 10% من دخلها) فيما تدفع العائلة الاغنى 413 دينار ضريبة مبيعات (اي 7%) من دخلها.

ثاني سلبيات ضريبة المبيعات ان التهرب فيها أيضا عال خصوصا في الخدمات. ففي الخدمات (كالمطاعم والخدمات المهنية) ضريبة المبيعات تسمى “ضريبة الثقة” يحصل فيها مؤدي الخدمة ضريبة المبيعات من المستهلك ويتعهد بتوريدها للحكومة. لكن هذا التوريد لا يحصل دائماً: فما الذي يمنع من قدم ارجيلة وكاسة شاي لشخص من عدم بيان هذه الخدمة للحكومة في بيانه الضريبي خصوصاً وان المستهلك على الاغلب لن يقدم الفاتورة للحكومة. والأرقام قرينة على ذلك: فتحصيل ضريبة المبيعات على الخدمات شكل 17% من مجمل ايرادات ضريبة المبيعات في 2012. فيما كانت ضريبة المبيعات على السلع اكثر من 72% من مجمل إيرادات ضريبة المبيعات. كثيرا ما يدفع مرتادو المطاعم والقهاوي ضريبة المبيعات وتكون واقعياً إكرامية او بخشيش لمؤدي الخدمة لا تصل أبداً للخزينة.

هل هذا واقع لا مفر منه؟ أم أننا نستطيع بسهولة نسبية أن نعالج هذه السلبيات مع الإبقاء على الإيجابيات. في هذا لننظر إلى واقع دعم المواد التموينية والمحروقات والوحدات الحكومية المقدر للعام 2013. هذا الدعم تقدره الحكومة بالميزانية ب 421 مليون دينار اي حوالي 70 دينار لكل مواطن اردني. 

لقد اشبع موضوع عدم عدالة دعم السلع مباشرة بحثا ولكن للتلخيص نبين بعضا من سيئاته:
•    استفادة غير المواطنين من الدعم
•    عدم عدالة توزيع الدعم بحكم حصول المستهلكين الاغنياءعلى دعم اكثر (فالغني يصرف محروقات اكثر من الفقير لتدفئة بيته مثلا)
•    تشويه اليات السوق بتحفيز استهلاك المواد المدعومة على حساب مواد بديلة غير مدعومة (استخدام الكهرباء المدعومة للتدفئة بدلا من الديزل غير المدعوم مثلا).

مع ضريبة مبيعات 16% فإن الدعم المقدم لكل مواطن يوازي حصيلة ضريبة المبيعات عن 508 ديناراً. أي أن معدل دعم الفرد في 2013 وهو 70 دينار تسترده الحكومة كضريبة مبيعات عندما يشتري هذا الفرد الأردني خدمات وسلع خاضعة لضريبة المبيعات بقيمة اجمالية 508 دينار (مشتريات بقيمة 438 وضريبة مبيعات بقيمة 70 دينارا). 

هل يوجد حل قابل للتنفيذ يعكس تنازلية ضريبة المبيعات ويقلل من التهرب الضريبي و ويضمن دعم الافراد وليس السلع لفائدة الطبقات الاقل دخلاً؟ ربما يكون الحل برديات ضريبة المبيعات. ماذا لو تم التالي:
•    الغاء كل دعم المحروقات والمواد الغذائية والكهرباء واستبداله برد ضريبة المبيعات بقيمة 70 دينار سنويا لكل مواطن (عائلة من 5 اشخاص تحصل على 350 دينار سنوي رديات) مع اشتراط تقديم الفواتير الاصلية (ردية 70 دينار تكافئ انفاق 507 دينار لكل فرد من افراد العائلة)
•    الردية ستضمن ان الغاء الدعم لن يؤثر على الميزانية (revenue neutral) حيث سترد الحكومة من ضريبة المبيعات نفس المبلغ الذي كان يصرف في دعم السلع
•    الية التفيذ تشمل تقديم الفواتير الاصلية الخاضعة لضريبة المبيعات بحد اقصى 507 دينار سنويا لكل فرد من العائلة بحسب دفتر العائلة وممكن ان تقبل الفواتير بشكل ربعي او شهري وممكن تقديم الفواتير مع وقت تقديم ضريبة الدخل للافراد سواء لاجراء براءة الذمة السنوية اوتقديم كشف التقدير الذاتي حيث تحسب الردية ويتم اجراء مقاصة مع ضريبة الدخل على كل مكلف.

تشمل فوائد رديات ضريبة المبيعات التالي:
•    زيادة حصيلة ضريبة الدخل والمبيعات وذلك بسبب تقليل التهرب الضريبي من الضريبتين خصوصا في قطاع الخدمات بحكم تحصيل دائرة الضريبة لفواتير اصلية صادرة عن الشركات والمؤسسات الاردنية عن خدمات وسلع مباعة بقيمة كبيرة تتجاوز 2600 مليون دينار مما يخفف حتما من التهرب الضريبي.

•    ستساهم في عكس تنازلية ضريبة المبيعات وجعلها اكثر عدلا لان رديات ضريبة المبيعات ستفيد الطبقة المتوسطة والفقيرة بنسبة اكبر من الاغنياء.

•    يستفيد المواطنون الاردنيون فقط من الدعم الحكومي ونقلل من استفادة الاغنياء اكثر من الفقراء من دعم السلع. طبعا مع الابقاء على برامج تمكين الفقراء مثل صندوق المعونة الوطنية وما شابهه.

ملاحظة: رقم السبعين يطاردنا. الدعم الحكومي في 2008 كان 70 دينار لكل أردني وبقي 70 دينار لكل أردني في 2013!

Budget-large

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية