انتفاضة المرأة: ثورة في التعبير

الأحد 10 آذار 2013

عندما عادت لانا ناصر إلى بلدها الأردن بعد خمسة عشر عاماً في الولايات المتحدة، وضعت نصب أعينها هدفاً – المشاركة في حركة تحرير للمرأة.

“أردت أن أشارك في انتفاضة للمرأة من خلال الأشياء التي أعرفها، من خلال الفن والكتابة،” تقول ناصر، الفنانة الأدائية والكاتبة التي تبلغ من العمر ٣٥ عاماً.

بعد عودتها إلى عمّان تعرفت ناصر على مجموعة من الفنانات والناشطات اللواتي تجمعهن الرغبة في توظيف فنهن من أجل قضايا المرأة، وقمن سوية بتأسيس شبكة “آت” وإطلاق مهرجان آت للاحتفال بيوم المرأة العالمي، والذي يقام حالياً للسنة الرابعة على التوالي.

خلال هذه السنوات الأربعة، قدمت “آت” مجموعة من العروض الفنية الجريئة، بداية من “تمن بنات” التي بحثت في بعض جوانب رحلة المرأة لإدراك ذاتها مثل الحب والعيب والحق في التعبير عن الذات، و”حقيبة حمراء في قاعة الانتظار” وهي عرض منفرد من كتابة وأداء ناصر يفكك القوالب والصور النمطية التي تؤطر هوية المرأة في اللغة والثقافة والإعلام.

لانا ناصر في عرض حقيبة حمراء في قاعة الانتظار

لانا ناصر في عرض حقيبة حمراء في قاعة الانتظار

“أعتقد أننا كنا جريئين منذ البداية، منذ تمن بنات،” تقول ناصر. “إلا أننا أصبحنا أكثر جرأة عاماً بعد عام.”

بالنسبة لناصر الجرأة في الطرح لا تعني الابتذال، وهي حريصة على تقديم أعمال ذات محتوى فكري. “عندما يأتي شخص متشدد أستطيع أن أقول له أن هذا العمل فيه لغة، ومعرفة، وثقافة، وفيه أيضاً من الدين.”

تطوّر مهرجان “آت” قد يكون جزءاً من حركة أكبر من التعبير الإبداعي حول قضايا المرأة في الأردن، إذ أن هنالك جيلاً جديداً يملك جرأة أكبر في طرح القضايا ومناقشتها، حسبما ترى ناصر.

رانيا قمحاوي، نائب مديرة المركز الوطني للفنون الأدائية ومديرة مهرجان عمّان للرقص المعاصر، تتفق وتقول أن “هنالك إيقاع جديد، وجزء من الفضل يعود إلى الإعلام الاجتماعي. هناك المزيد من الوعي، وعندما تنشر شيئاً جدلياً تجد ردود الفعل مباشرة.”

شبكات التواصل الاجتماعي في الأردن شهدت ضجة في العامين الأخيرين في قضايا تتعلق بالمرأة، منها موضوع المادة ٣٠٨ في قانون العقوبات التي تسقط العقوبة عن المغتصب إذا تزوج ضحيته، أو موضوع التحرش الجنسي وإلقاء اللوم على الضحية والضجة التي أثارها فيديو “هذه خصوصيتي”، أو السلسلة النسوية التي نظمتها العام الماضي أربع حملات تحت عنوان “زيي زيّك” وما تبع ذلك من ردود فعل أيضاً.

قد يكون هنالك زخم جديد في طرح القضايا في الفضاء العام، لكن هذا لم يترجم إلى أي تعديلات في التشريعات والقوانين خلال السنوات الأخيرة لإنصاف المرأة في الأردن، إضافة إلى أن هنالك في الوقت نفسه زخماً في الاتجاه المعاكس.

“ما يحدث هو حالة من الاستقطاب،” تقول ناصر. “هناك أشخاص يتحدثون بانفتاح أكبر عن حرية المرأة، وهناك حركة مضادة تطرح أفكاراً قمعية للمرأة وتتخذ من الدين ذريعة.. ويتبعها عدد كبير من النساء.”

رانيا قمحاوي تشعر بهذا الاستقطاب في عملها، إذ في كل عام عندما ينطلق مهرجان الرقص المعاصر تجد مقالات على المواقع الالكترونية تهاجمها، مثل مقال نشر قبل عامين بعنوان “لنهز خصر الأردن عالياً”. إلا أنها تنظر للجانب الإيجابي فالكثير من التعليقات على المقال انتقدت الكاتب ودافعت عن الرقص كفن وشكل من أشكال التعبير المهمة.

قمحاوي درست في بريطانيا وتخرجت من الأكاديمية الملكية للرقص بتقدير امتياز، مما فتح أمامها الباب لتعمل في أي مكان في العالم بحسب قولها، إلا أنها عادت للأردن في نهاية الثمانينات وعملت في المركز الثقافي الملكي وثم لسنوات في مركز هيا الثقافي قبل أن تنضم للفنانة والمخرجة المسرحية لينا التل في المركز الوطني للفنون الأدائية. ترى قمحاوي أن التسعينات شهدت جواً من الانفتاح الثقافي في الأردن قبل أن يتغير الوضع مجدداً باتجاه المزيد من التشدد، إذ أصبحت ترى على سبيل المثال المزيد من أهالي الطالبات يوقفون تسجيل بناتهن في دروس الرقص بعد أن يصلن سن المراهقة.

إضافة إلى وجود فرقة باليه وفرقة دبكة وفرقة مسرح محترفة في المركز الوطني، يقوم المركز بتنظيم ورشات عمل وبرامج في المجتمعات المحلية من أجل استخدام الفنون الأدائية كوسيلة لطرح قضايا تتعلق بالمرأة. “الفكرة كانت أن ندرّب النساء ليصبحن أكثر ثقة بأنفسهن وأكثر تقديراً لذواتهن،” تقول قمحاوي. “نعلمهن أنه من المسموح لهن التحرك والابتسام والضحك”.

من المشاريع التي نفذها المركز ورشات عمل في الفنون المسرحية والكتابة الإبداعية لعشرين شابة وعشر شباب أردنيين تتراوح أعمارهم ما بين 14- 18 عاماً، نتج عنها مجموعة من المنولوجات المسرحية التي كتبها المشاركين تطرح قضايا اجتماعية تواجه الفتيات في الحياة اليومية، تم ترجمتها إلى مسرحية بعنوان “توازن”.

“بعض الأمهات في الجمهور بكين لدى مشاهدة المسرحية،” تقول قمحاوي. “وقالوا لنا نحن نعرف أن هذا ما تواجهه بناتنا ولكن لا نعرف كيف نوقفه.”

“النساء مقيّدات في أجسادهن،” تقول ناصر. بالنسبة لها فإن ورش العمل التي تقودها حول المساواة وحقوق الإنسان هي في جوهرها عن تمكين المرأة وجعلها أكثر ارتياحاً وثقة مع جسدها. تقول ناصر أن ما نحتاجه حاجة ماسة أيضاً هو تفسير الدين من قبل النساء. “لا يمكننا إنكار الدين، ولكن في الوقت الحالي الوحيدون الذين يتكلمون في الدين هم الرجال، ولديهم أجندتهم.”

ديما بوّاب في العرض الأوبرالي "صوتي طريقي وأنا" الذي قدم في مهرجان آت هذا العام

ديما بوّاب في العرض الأوبرالي “صوتي طريقي وأنا” الذي قدم في مهرجان آت هذا العام

—–

تعرض اليوم مسرحية توازن في مسرح البلد الساعة التاسعة يسبقها العرض الراقص “توكة” من تونس. تتواصل عروض مهرجان آت في مسرح البلد حتى يوم الثلاثاء، كما يعرض في مسرح الرينبو مهرجان أفلام المرأة ويستمر حتى الخميس. التفاصيل على مفكرة حبر.

(الصورة في الأعلى من عرض “دينا وفريال” ضمن مهرجان آت لهذا العام، أداء مجد حجاوي وشيرين زعمط، سيناريو لانا ناصر وجمانة مصطفى، وإخراج لانا ناصر.)

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية