احتفالية آت بيوم المرأة العالمي: صلاة وصوت ورحلة، وتنويه

الثلاثاء 02 نيسان 2013

بقلم ريما الصيفي (الصور بعدسة حسام دعنة)

لا أدري إن كان هذا العام أكثر تميزاً من الأعوام السابقة، ولا أظن أن عروض يوم الثامن من آذار 2013  طغت على افتناني بعرض آت الأول عام 2010 “ثمن بنات“. لكن من المؤكد أن وسادات هامليز التي وضعت لتسند ظهور الحضور في المسرح ومافنز كوزمو في بهو انتظار مسرح البلد كانوا بمثابة إشارة أن صوت آت قد انتشر أكثر ليحصل على دعم قطاعات تجارية بالإضافة إلى الداعمين المعتادين من هيئات أجنبية – إلا أنني لسبب ما وجدت الأمر مقلقاً بعض الشيء.

أنظر حولي، أرى بعض الوجوه التي باتت مألوفة لمن يحضر الفعاليات الثقافية في عمّان، بيد أن هناك تغيب لآخرين اعتادوا الحضور. هناك ترقب للعرض القادم. ندخل قاعة العرض هذه المرة لنجد عدداً أقل من الحضور ولكن لا نستطيع إهمال تلك الوسائد التي لم تعمل على تحسين الرؤية فهذه المشكلة دائمة في مسرح البلد – فمع غنى برامجه الثقافية وأهميتها و جهوده في إعلاء الشأن الثقافي إلا أنك تستشعر قلة الدعم من حيث إدارة المساحة.

بدأت لانا ناصر بتقديم الفعالية وشكر الداعمين. ابتدأ العرض بفيديو لعرض بعنوان صلاة، وهو مقطع موسيقي مصوّر يدمج بين الشّعر المؤدّى والعزف والغناء ويطرح موقفاً من قضيّة تعامل العالم أجمع والعالم العربي تحديداً مع جسد المرأة “كإناء لاحتواء المنيّ” وتشييئه وتجريده من كلّ قداسة. تعرض مقاطع الفيديو صوراً مختلفة من تشويه لصورة المرأة والجسد، بدءاً من اغتصابها، مروراً بالتّعامل مع جسدها كسلعةٍ أو منتج، وصولاً إلى تحجيبها عنوةً أو تعرّيها. ويأتي النص من ديوان “تاريخ يتمزّق في جسد امرأة” لأدونيس وإعداد تريز سلمان مجرداً لهذه الصور وساخرا من القدسية المفترضة للمرأة والواقع المر. تشكل تجربة المشاهدة صفعات متتالية للمتلقي لجرأة الكلمات وصدقها وقسوة مقاطع الفيديو. وتؤدي موسيقى تريز سليمان ويزن ابراهيم  بين آلة الغيتار ومؤثرات الكترونية دورها افي التمهيد والتصعيد للوصول إلى لحظات صدق تقول “أن جسدي ليس ملكي”.

DimaBawabعرض Ma Voie et moi”صوتي/ طريقي وأنا”

تتشابه الكلمتان الفرنسيتان للفظي voix بمعنى صوت وvoie بمعنى طريق. فيكون هذا التشابه باباً للبحث في قصة الخلق من الجنة والعالم حيث يتراقص آدم و حواء، من لحظات فرح اللقاء للمواجهة والابتعاد ومحاولات التحاور واللقاء مجدداً. وتكون للتفاحة معانيها فتكون تارة الفرحة والدهشة وتارة أخرى المشقة والعبء والرفض. ديما البواب صاحبة الصوت الوحيد في  هذا العرض بأدائها الأوبرالي، فتجد صوتها، تختار مسارها، تندم، ترفض وتتحدى بقالب مرح. كان العرض متكاملاً من الناحية البصرية والموسيقية والأدائية – أثبتت بواب حضورها في التمثيل بالاضافة إلى الرقص وأظهر علاء السمان قوة في أداء الرقصات و تجسيد الأحداث وكذلك كان عزف زينا عصفور متعة للسمع. لم أجد إشارة لمؤلف الكلمات والقصة في كتيب المهرجان إلا أن كون العرض باللغة الفرنسية لم يؤثر على المتلقي حيث أن الرقص ترجم الكثير من الأحداث كما ان الأغاني قد تم ترجمتها مباشرة للعامية ولا بأس من اقتناص فرص للتمتع بفنون عالمية.

 

دينا وفريال
تعيدنا مسرحية دينا وفريال للأجواء المحلية فنرى إشارة التاكسي الأصفر وتظهر فريال جالسة على المقعد الخلفي ، إمرأة ذات منظر “بلدي” يوحي ببساطتها ولتأكيد الصورة النمطية المرجوة تلوك العلكة ثم تصلح مكياجها. تقبل صعود طلب آخر يؤنس رحلتها بطريقة مرحة متفائلة. بعد اعتراضها على وجود رفيق لرحلتها، تركب دينا التاكسي حاملة “Mug” القهوة وحقيبة الظهر. تتوجس من فريال وتحاول الانشغال عن محاولاتها المتكررة لمحادثتها، قبل أن تستسلم وتتشاركا رحلة الهروب.  تخبر كل واحدة قصتها، فريال مصففة الشعر تروي قصتها الخاصة ومشاكل مجتمعية قد يتشارك بها نساء عربيات كثيرات. دينا التي تعمل بمنظمة غير ربحية تخبر توجسها من العالم حتى بعد تخطّيها لمشاكل تقليدية قد تواجهها نساء بلدها.

ممّ يهربن، ولماذا هن على نفس الرحلة؟ وهل يصلن إلى حيث تنتهي الرحل؟ هل آثرن الموت؟ هل كان جواز السفر رمزاً لكتاب مقدس لدى فريال ولم تعتقد دينا انها ستحتاجه؟ أهي وحدة مصير ويأس من إنسانية فقدت؟ لم يتبقى لهن شيء إلا أنفسهن …المال؟ العمل؟ تغيير العالم؟ الاتصال؟ هل هناك فقط ستجدان ما تشاءان بلغة تغنيهن عن الكلام بالإشارة؟ في مكان وصولهن – “المطرح” كما سمّته فريال – لم تعد الأغراض تعني شيئاً.

لإن غاب معجم لانا ناصر إلا أن نظرتها الفلسفية لم تزل وربما أعطت جمانة مصطفى النص فكاهة محلية وصدق أكثر. أما عن الأداء التمثيلي فقد كان أداء شيرين زغمط بدور فريال متميزاً جداً وأداء مجد بدور دينا جيداً وشكلتا معا ثنائياً يخدم النص بشكل ممتاز.

تنويه
لقد بدأت بكتابة المراجعة بعد حضور العرض مباشرة وكنت قد اتصلت ب”لانا اناصر” لمناقشتها في العرض إلا أنها اعتذرت لمغادرتها اليوم التالي في رحلة لم أسألها عن تفاصيلها حينها. وبدأت بصياغة المراجعة لكن سرعان ما نشر خبر مشاركة الناصر في مشروع تطبيعي تحت اسم Connecting Daughters–  وهي رحلة “حج أخضر”  ل12 إمرأة عربية وفلسطينية واسرائيلية وأجنبية من جنوب الأردن إلى القدس بغطاء نسوي للبحث عن حلول أنثوية للسلام.

هناك الكثير من الجدل حول المشاركات الثقافية في الداخل إن كانت تطبيعية أم لا، إلا أن مثل هذه الرحلة تعطي تغطية إنسانية ودينية وبيئية للمحتل الصهيوني، فهي “تجمع بنات سارة وهاجر وكيتورا” لتأخذ مصداقية دينية ونسوية في رحلة خضراء يتم توثيقها من خلال فيلم  قد تستغله اسرائيل في دعم شرعيتها و”ديمقراطيتها” خاصة أن هذه الرحلة تنتهي في القدس. مع أنني ممن يؤمنون أن نقاشاً ما يجب أن يجري بين الإسرائيليين والفلسطينيين أنفسهم ليكونوا أقرب للسلام ولحل أعدل، فهذا النقاش برأيي ليس من شأن أي آخر ومثل هذه النقاشات لا تكون عبر مبادرات تطبيعية ملتوية تستخدمها اسرائيل لتحسين صورتها.

لقد أصبت بالغضب والارتباك، فمع تقديري للانا الناصر ككاتبة وفنانة ذات حضور قوي أضاف الكثير للساحة الأردنية إلا أن هذه المشاركة تحمل أبعاداً خطيرة قد يستعملها البعض في إسقاط الشرعية عن الحركات الأنثوية الأردنية. فحتى لو قامت لانا بصفتها الشخصية بهذه الرحلة التي تعطي فيها شرعية للمحتل، إلا أنها تضرب بعرض الحائط ما تحمله منظمة آت من قيم انسانية ونضالية.

ولهذا أوجه نداء للفنانة لانا ناصر للانسحاب من قيادة “آت” فهي وإن كانت من مؤسسي المشروع النسوي الفني المتميز فإنها قد فقدت شرعية قيادته وباتت تهدده.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية