أين الحذاء الآخر؟

الثلاثاء 21 أيار 2013

بقلم د. يوسف منصور (عن موقع أردن مبدع)

تعرفت في جولة ميدانية أقوم بها في احدى المحافظات لوضع دراسة استشارية على قصة أردنية يسخط القلب من واقعها ومرارة ما تحتويه من دلالات على تقاعس المؤسسات والإجراءات والقرارات عن تحقيق أدنى ما يرجوه المواطن في الدولة الحديثة، وهي قصة قد تكون أغرب من الخيال.

تدور القصة حول مواطن أردني يقطن في منطقة خارج العاصمة، لهذا الأب ولدان يدرسان في المدرسة ذاتها في منطقة بعيدة عن بيتهما. أخبرني المعلم أن ولي أمر الطالبين يضع كل منهما في فترة من فترات التدريس، واحد في الفترة الصباحية وآخر في الفترة المسائية. يأتي طفل ليدرس في الفترة الصباحية ثم يأتي الآخر في الفترة المسائية. ولأن المعلم في المدرسة استغرب من هذا التصرف، حيث تُجرى العادة أن يكون كلا الطفلين في الفترة ذاتها ، سأل والد الطفلين عن السبب لهذا الخيار، فكانت الإجابة من الوالد كالتالي: يا سيدي، لا أملك أن أشتري حذاءين للولدين، لذا اشتريت حذاء واحدا ليتشارك في لباسه الولدين للذهاب إلى المدرسة، يلبسه أحدهما في الصباح فيذهب به إلى المدرسة في الفترة الصباحية. ثم، وحين يعود إلى المنزل، يخلع الحذاء بسرعة ليلبسه أخاه ليذهب الثاني بدوره إلى المدرسة في الفترة المسائية.

نعم، حصلت هذه القصة في الأردن، في منطقة غنية بالمعادن يشكل ما يستخرج منها غالبية صادرات الأردن من قطاع التعدين، وتدفع إحدى الشركات للحكومة ما يزيد عن 100 مليون دينار سنويا بين ضرائب ورسوم وأرباح، وتعد المنطقة من أكثر المناطق الرافدة لدخل الأردن من السياحة وتقام بها المناطق التنموية والقصور الفارهة والمنتجعات بينما لا يستفيد أبناء المنطقة من التوظيف فيها لانعدام المواصلات ولأن القرارات المركزية ما زالت تراوح مكانها فلا تسمح بخدمة السرفيس فيها.

ولضيق الحال وانحسار الأمل، تعد نسبة الطلاق فيها من أعلى النسب ليس في الأردن فقط بل في العالم أجمع، ولم ينجح قبل سنتين من الطلاب الذين تقدموا لامتحان التوجيهي من ثلاث مدارس فيها أحد، وتفتقر إلى المعلمين في بعض التخصصات، ويندرج سنويا في مقاعد السنة الأولى من المرحلة التمهيدية 1400 طالب لا يصل إلا 200 منهم إلى مرحلة التوجيهي بسبب التسرب لمساعدة الأهل وسوء الصفوف وتهاوي بعض مدارسها. وعلى المستوى الكلي لم تهبط نسبة من هم دون خط الفقر فيها عن 43% منذ سنين، وتفتقر مستشفياتها ليس للأجهزة فقط بل وحتى للمياه، ويسير فيها الطالب ستة كيلومترات ذهابا ثم يسيرها إيابا من وإلى المدرسة، وغيره، وغيره من قصص تدمي قلب البلد وأبنائه.

كل هذا يحصل في منطقة تضخ ما تضخ من موارد للخزينة والحكومة وتعتبر مفخرة وصورة جمالية في الأردن نتغنى بها في كل بقاع الأرض، بينما لا يستطيع أب إلا أن يشتري حذاء واحد لولديه. بغض النظر عن الأرقام وعما تقدمه المنطقة من خيرات، أليس الإنسان أفضل ما نملك؟ أين الحذاء الآخر إذاً؟

—-

شاهدوا فيديو عن واقع الشباب والتعليم في منطقة الأغوار الجنوبية

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية