اعتذار ورد اعتبار مطلوب من الإعلام

الأحد 09 حزيران 2013

ما أن يفرغ الإعلام من ضحية حتى يجد أخرى. ولا يعود أبدا لضحاياه لرد الاعتبار أو الاعتذار عن خطأ مهني أخلاقي ارتكبه في حقهم مهما كان الضرر اللاحق بهم جسيماً، بل ويصر أحيانا على الخطأ ويبرره لكي لا يعترف بالذنب.

قتلى في مدينة معان صورت جثثهم وهي تتعرض للإساءة والتنكيل، بثها الإعلام واعتدى على كرامتهم وجرح مشاعر أحبائهم، طلاب جامعيون اتهموا بعبادة الشيطان ولاعبون رياضيون اتهموا بالتحرش، أدانهم الإعلام وشهّر بهم وأساء لسمعهم. وعندما برأتهم المحكمة أقفل الإعلام ملفاتهم بأخبار موجزة عن براءتهم من دون رد الاعتبار لهم بتصويب ما نشر عنهم وبإعطائهم حق الرد وحق التعبير عن موقفهم، ومن دون تعويضهم عن الضرر بالاعتراف بالخطأ والاعتذار.

هذا الأسبوع نشرت مواقع إلكترونية، مثل خبر جو، وكالة رم، ونجم الاخبارية، فيديو يظهر أشخاص يسيئون إلى جثتين لرجلين من مدينة معان قتلا خلال عملية أمنية، تحت عناونين إثارية: “الفيديو الذي ألهب أهالي معان”، “الفيديو الفضيحة: هل تتحرك الدولة؟”، “معان: إنذار للحكومة لمدة 48 ساعة…(شاهد الفيديو الذي سبب المشكلة)”.

موقع خبر جو نشر الفيديو مرتين خلال يوم واحد. وحاول تبرير فعلته بأن نشر أعلى الفيديو ملاحظة تقول: “تردد موقع “خبر جو” في نشر الفيديو، إلى ان أصبح متداولاً بشكل كبير وبعد ان شاهده معظم أهل مدينة معان. وننشره اليوم من باب التوعية لخطورة المسألة”.

لكن التبرير غير مقنع. فإعادة نشر الفيديو مشاركة في الجريمة لا تعفي من المسؤولية الأخلاقية تجاه أهالي القتلى التي يتحملها الصحفي أكثر مما يتحملها المواطن الذي نشره على موقع اليوتيوب. وتأثير نشره في موقع إخباري مرفق مع تقرير إخباري وعنوان إثاري أكبر ضرراً من نشره على موقع للتواصل الاجتماعي. ومن لم يشاهد الفيديو على موقع “اليوتيوب” شاهده على المواقع الأردنية.

الضرر الذي ألحقه الإعلام بـ”أزمة معان” لم يقتصر على نشر الفيديو. فالتغطية الإعلامية اقتصرت على الأخبار الآنية عن الأوضاع الأمنية في شوارع معان وعلى نشر بيانات صحفية كما هي. وخلت من متابعات تحليلية وتقارير معمقة تعتمد على لقاءات مع أطراف القضية وشخصيات محلية في معان، تقدم صورة موضوعية، واضحة وشاملة للأزمة، وتساعد في فهم حقيقة ما يجري وقد تشجع على الحوار بين الأطراف المتنازعة وقد تساهم في حل الأزمة.

قبل “أزمة معان”، انشغل الإعلام بضحية أخرى، بجمع ونشر كل ما أمكن الوصول إليه من معلومات عن طلاب جامعة آل البيت الخمسة الذين اتهموا بما يسمى “عبادة الشيطان”، قبل أن تبرئهم المحكمة من التهمة.

تسابقت المواقع الالكترونية الصفراء في نشر معلومات متصلة بالقضية أو غير متصلة: أسماء المتهمين، صورهم، أعمارهم، خلفياتهم الاجتماعية، طبقاتهم الاقتصادية، أصولهم ومنابتهم، وغيرها من المعلومات التي دللت بشكل واضح على هوية المتهمين غير المدانين.

خلال التحقيق والمحاكمة، تصدرت أخبارهم عناوين أدانتهم قبل صدور الحكم عليهم. وبعد أن برأتهم المحكمة اكتفت المواقع بنشر أخبار موجزة عن براءتهم، من دون إجراء مقابلات معهم لإعطائهم حق الدفاع عن أنفسهم، ومن دون الاعتذار عن الأذى الذي تسببوا به لطلاب أبرياء.

وتكرر مشهد المتهمين في قضية ما عرف بـ”عبدة الشيطان” مع اللاعبين الرياضيين في المنتخب الأردني لفئة ذوي الإحتياجات الخاصة الذي برأتهم المحكمة الإيرلندية من تهمة التحرش الجنسي خلال مشاركتهم في معسكر تدريبي بإيرلندا سبق منافسات أولمبياد 2012 في لندن، بعد أن شهّر بهم الإعلام بعرض تفاصيل قضيتهم وكأنها حقائق قبل أن تثبت صحتها.

وفي كل أسبوع تطول قائمة ضحايا الإعلام في ظل غياب جهة تحاسب الإعلام وتنصف ضحاياه. ويبقى ملف مجلس شكاوى جمهور الإعلام مؤجلاً أمام الحكومات المتعاقبة المنشغلة بتعديل القوانين لحماية نفسها من نقد الإعلام. فسياسات تقييد الإعلام، أو كما يحلو للحكومات تسميته “تنظيم الإعلام”، تحمي المسؤولين من انتقاد الإعلام لأدائهم ولا تحمي المواطنين من أذى الإعلام.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية