هل نشرب مياه الديسي؟

الأربعاء 17 تموز 2013

نص موسع عن مقالة منشورة في صحيفة الدستور الأردنية بتاريخ 16-7-2013 

بقلم باتر محمد علي وردم

بدأت منذ أيام عملية الضخ التجريبي للمياه القادمة من حوض الديسي إلى عمان ومناطق الوسط، وهكذا وصل واحد من أهم المشروعات الإستراتيجية الكبرى في الأردن إلى نهايته بشكل صحيح بعد أن تعرض لعدة عثرات ولكن في نهاية الأمر تحقق الهدف. ومع ذلك، لا زالت هنالك علامات استفهام وقلق تثار حول المشروع فيما يتعلق بتراكيز المواد الإشعاعية في المياه ومدى تأثيرها على الصحة العامة.

في العام 2009 وبعد أسابيع من إعلان الاتفاق الرسمي مع شركة جاما على تنفيذ المشروع نشرت مجلة علمية أميركية مرموقة دراسة لباحثين أردنيين وأميركيين وإسرائيليين حول نوعية مياه حوض الديسي أشارت إلى وجود تراكيز عالية  من عنصر الراديوم وبمعدلات تؤثر بشدة على صحة الإنسان.

الدراسة حظيت باهتمام كبير على المستوى المحلي والإقليمي خاصة بعد أن نشرت تفاصيلها وكالة الأنباء العالمية رويترز وبالتالي تحولت من مجرد دراسة في مجلة علمية تقتصر على المتخصصين إلى حدث محوري على المستوى الوطني. مع نشر أخبار الضخ التجريبي مؤخرا عادت هذه الدراسة لتظهر في وسائل الإعلام ويتم الإشارة إليها كدليل على أن مياه الديسي ستكون مضرة جدا بصحة المواطن الأردني.

منطقة الدراسة كانت تحتوى على تراكيز أعلى بكثير من الآبار المستخدمة لضخ مياه الديسي وهي آبار متروكة منذ سنوات وغير مستخدمة لا للشرب ولا الزراعة

في ذلك الوقت لم تتمكن وزارة المياه والري من تقديم رد علمي مقنع، واكتفت بترداد نظرية مؤامرة حول مشاركة باحث إسرائيلي وأن الدراسة تهدف إلى تخريب المشروع الاستراتيجي الذي يخدم الأردنيين وأن كل أنواع المياه الجوفية في العالم تحتوي على كميات معينة من الإشعاع. ما لم تستطع الوزارة أن توصله للرأي العام آنذاك هو الحقيقة البسيطة التي مفادها أن منطقة جمع العينات في الدراسة المذكورة ليست نفس المنطقة التي يتم ضخ المياه منها إلى العقبة منذ 30 سنة وإلى عمان في السنوات القادمة. منطقة الدراسة كانت تحتوى على تراكيز أعلى بكثير من الآبار المستخدمة لضخ مياه الديسي وهي آبار متروكة منذ سنوات وغير مستخدمة لا للشرب ولا الزراعة.

مصدر مطلع في سلطة المياه أشار إلى أن خطة إدارة مياه الديسي تقتضي القيام بخلط مياه الديسي مع مياه عذبة من زي بنسبة 1:1 من أجل تخفيف كميات الراديوم إلى مستويات لا تؤثر على الصحة وتكون ضمن المعايير الوطنية. حسب المصدر فإن تراكيز الإشعاع الكلي في خليط المياه الذي يتم تجميعه من 50 بئراً مختلفة في حوض الديسي هو 0.83 ميليسيفر سنويا. في منطقة دابوق وفي منطقة أبو علندا يتم خلط 100 مليون متر مكعب من هذه المياه مع 120 مليون متر مكعب من مياه عذبة صادرة عن محطة زي بحيث يكون تركيز المواد الإشعاعية الكلية في المياه المخلوطة التي تضخ إلى الشبكة هو 0.45 ميليسيفر سنويا حسب معادلة استهلاك ليترين من المياه يوميا لمدة 70 سنة من الحياة. هذه التراكيز هي ضمن المواصفات الأردنية وأقل من المواصفة الأسترالية التي تصل إلى 1.0 ميليسيفر سنويا والتي تعتمد بشكل كبير على المياه الجوفية للشرب.

من المعروف أن معدل تعرض المواطن الأردني للإشعاع، حسب مسوحات هيئة تنظيم العمل الإشعاعي هو 1.8 ميليسيفر سنويا، وهو اقل من المعدل العالمي الذي يصل إلى 2.4 ميليسيفر سنويا ومع إضافة حوالي 0.5 ميليسيفر من التعرض عن طريق شرب المياه يبقى المعدل هو 2.3 وهو غير مضر بالصحة.

من الجدير بالذكر أيضا بأن مياه الديسي تستخدم للشرب في العقبة منذ 30 سنة، وحسب إحصائيات السجل الوطني للسرطان للعام 2010 فإن محافظة العقبة هي ثاني اقل محافظة في الأردن من حيث نسبة حدوث السرطان حيث تصل إلى 40 حالة لكل 100 ألف مواطن. هذا مؤشر مهم على أن مياه الديسي المستخدمة في العقبة منذ ثلاثة عقود، وحتى مع نسب اقل من الخلط لم تتسبب في حدوث زيادة مؤثرة في نسب حدوث السرطان.

في حال تطبيق عملية الخلط بالشكل الصحيح من المفترض أن لا يكون هنالك سبب للهلع. ولكن طمأنة الرأي العام تحتاج إلى أن تقوم وزارة المياه والري بالتعامل بشفافية أكبر مع هذا الموضوع وأن يتم طرح برنامج توعية وتوضيح لكافة المعلومات المتعلقة بتركيز المواد المشعة وذلك بالأرقام السليمة والتفسير العلمي المقنع وليس نظريات المؤامرة التي لا تفيد أحدا.

المواطن الأردني بحاجة إلى المعلومة وهو يستحقها ويملك القدر الكافي من الوعي ليتخذ القرار السليم

بالنسبة لي حصلت على معلومات مطمئنة من أربعة باحثين ومسؤولين أثق بهم بأن نوعية المياه مناسبة للشرب وأعتقد بأن الحل المناسب لهذه الحالة من القلق هو الشفافية، وأيضا المراجعة العلمية الدقيقة لدراسة العام 2009 وخاصة فيما يتعلق بمواقع العينات التي تختلف تماما عن مواقع آبار المياه المستخدمة لضخ مياه الشرب إلى العقبة وعمان. المواطن الأردني بحاجة إلى المعلومة وهو يستحقها ويملك القدر الكافي من الوعي ليتخذ القرار السليم ويجب أن لا يبقى معرضا للشائعات.

من حق كل إنسان أن يحرص على صحته من المخاطر وأن يتخذ القرار السليم، ولكن في سياق الحرص على تخفيف فرص التعرض لمرض السرطان فإن التخلي عن التدخين وعدم السماح به في الأماكن العامة سيكون أهم من تجنب شرب مياه الديسي.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية