لمحة عن معرض نون للكتاب المستعمل

الإثنين 16 أيلول 2013

بقلم خديجة مقابلة

هذا هو المعرض الثالث للكتاب المستعمل من تنظيم انكتاب، وقد استقام بثلاثين ألف كتاب تم تجميعها من منطقة الوسط في الأردن، منها ستة آلاف كتاب قدمها أصحابها تبرعًا، وقد جمعت بجهود القائمين على المعرض، عن طريق التواصل مع المتبرعين والذهاب إلى منازلهم، ما قد رفع عدد الكتب لأكثر من الضعف مقارنة بالعالم الماضي. إنه حدث ثقافي اجتماعي مميز، سنتحول إلى انتظاره كل عام، كما ننتظر مهرجان الأسرة أو معرض عمان الدولي، وقد يبدو تشجعيه على القراءة لاحقًا لتشجيعه على التبرع بالكتب، وعلى الانسياق في نمط ثقافي خيري تطوعي، بعيد كل البعد عن الانضباط الشكلي لمعرض الكتاب أو حتى لمظهر المثقف!

وباستثناء طريقة العرض التي أظن أنها مربكة، كان المعرض على تنظيم عالٍ جدًّا، واعتناء ملحوظ بالتفاصيل، يمتد على يومين بواقع ست ساعات لليوم الواحد، ويتخذ من فسحة جميلة في عمان أرضًا له، تستطيع قضاء عدة ساعات فيه، للقاء أصدقاء قدامى واقعيين أو افتراضيين، أو لتكوين صداقات جديدة، أو فقط للتأمل في سؤال  سيتطورحتمًا إلى هاجس: ما موقع الثقافة في مجتمعنا؟ وستبدأ أسئلة صغيرة بالتقافز إلى ذهنك من مثل: هل يقرأ الناس من حولنا؟ لماذا نعتقد -بدرجات متفاوتة- بأننا شعب جاهل؟ كل هذه الأعداد ولا ثقافة حقيقة يصدرها المجتمع؟ من أين جاءت كل هذه الكتب؟

في الواقع لا ينبغي أن نحاكم هذا المعرض بمثل ما نحاكم الحالة الثقافية العامة، ومن قبلها الحالة القرائية، ومن بعدها الحالة المعرفية، فهنا تتضافر عوامل عدة، تشكل “تسونامي بشري” على حد تعبير أحد المغردين، فثمن أغلى كتاب لا يتجاوز دينارين، من الروايات الأعلى مبيعًا إلى كتب التخصصات الجامعية على اختلافها، مرورًا بالقصص والمجلات وغيرها الكثير، وقد خصصت زاوية لتوقيع الكتب المتراوحة بين الرواية والشعر والخواطر، وهذا بالضبط ما يتم في معرض آخر مثلا ولكن لقاء عشرة دنانير للنسخة الواحدة! كما أن الجو العام المترقب هو المحفز الحقيقي لأشخاص لا يخصصون حيزًا كبيرًا من حياتهم للقراءة، ولكن دفعهم إليها هذا الطقس، بكل تفاصيله وغناه وأغنياته. نحن نقرأ ولا بد، ولكننا لا نفرغ حصيلتنا في أنماط الحياة والمعيشة، تلجمنا التخصصات الدقيقة، والعادات الاجتماعية، والاعتياد على النمط الاستهلاكي، نحن نقرأ ولكننا لم نصل إلى مرحلة نقول فيها بثقافتنا، نقرأ إذ يتوفر لنا كتاب لا على التعيين، قد امتدح من أحدهم، ولا ندع لأنفسنا -في المجمل- متعة التعرف على كتاب غامض لم يقترحه علينا أحد، نحن نقرأ ونسارع لتقديم الأحكام والتعميمات، وسنرى -بعد تأمل- أن للبيت الواحد خصائص محددة في القراءة، يفرضها عادة الوالدان، أو الاعتداد بالحكم الشخصي الناجم عن الشعور لا عن النقد المحض، فطائفة منا يحب درويش –ع العمياني- وطائفة أخرى يسقط كل نتاجه لأسباب لا تمت للشعر بصلة، وهذا مثال ينسحب على كل مقروء.

نحن نقرأ ولكننا سننتظر مثل هذا المعرض، قبل أن يتوجه أحدنا نحو مكتبة تعثر فيها في شارع ما، أو قبل أن يفكر في اصطحاب أحد إخوته، أو تقديم كتاب كهدية لأحد الأصدقاء.

نحن نقرأ ولكن ضمن التيار العام السائد، لا زلنا نجتر رواية كتبت قبل ثلاثين سنة، وديوان نشر قبل عشرين سنة، دون أن نقرأ ضمن السياق العالمي للقراءة، والذي بموجبه نستطيع اللحاق بركب الثقافة، ونسطيع الإيمان بالمؤلفات الجديدة، والمراهنة على كتّاب ينتظرون منا الشهادة، ولا يشترط أن يكونوا أحياء بالضرورة.

نحن نقرأ ولكننا سنتبرع بالكتب التي فُتنّا بها ذات يوم، وما امتلاء زاوية الروايات بمؤلفات أحلام مستغانمي وباولو كويلو إلاّ تصديق لهذا الطرح، فعلى أنها أكثر ما قرأنا فهي أول ما قمنا بتركه، وعلى هذا الأساس ينبغي أن تتحول عاداتنا في القراءة واقتناء الكتب، لا أدري كيف، ولا أملك وصفة سحرية لذلك، ما خلا أن نفتح قلوبنا لكل ما تقع عليه أيدينا.

إن المخزون الذي يتعهّد المعرض بتقديمه هو الذي يمكن تسميته بـ “منكم وإليكم” فمصدر الكتب هو البيت الأردني الذي اشترى مجلات ماجد والرسام لأطفاله ومجلة العربي وناشونال جيوغرافيك للكبار، وأجبر على شراء دستة من كتب الجامعة غالية الثمن، واندفع شبابه لقراءة الروايات العربية والمترجمة، وكان لا بدّ له من الاحتفاظ بكتب دينية تبدأ من تفاسير القرآن وكتب الحديث النبوي، لتنتهي بكتيبات عن الوضوء والأعور الدجال، و وبناءً عليه لا مجال لأن تخرج صفر اليدين من هذا المعرض المعتني بالفطرة بحاجاتك، إن وافاك الحظ وظفرت بواحد من بين الجموع الغفيرة.ولهذا السبب وغيره سيصعد المعرض ليتصدر المشهد الثقافي الأردني، ما إن يحافظ على تسارعه نحو الأمام واعتنائه بالاقاليم وتوزيع تركيزه على غير الوسط.

وقد تفاوتت ردود الأفعال التي اتضحت على صفحات المعرض وحسابه على فيسبوك وتويتر، فكان للاستياء مكان كما كان للحبور، مطالبات تطورت لاقتراحات حول تنظيم الكتب، من بينها فصل الجنسين وقد صدرت لمرة عن أحد الشبان! وسيل لا نهائي من تساؤلات محزنة حول مكان المعرض ووقته وامكانية تبادل الكتب والتبرع بها، قد تمت الإجابة عنها جميعًا لغير مرة في صور توضيحية أو إشعارات منفصلة، وهذه إشارة غير حسنة إلى إحدى عادتنا في القراءة والمتابعة.

على صعيد شخصي، لم أقصد المعرض لشراء الكتب، فأنا انتظر نسخة المعرض في مدينتي لأتمكن من تقديم الفائض لدي، أو للتطوع في التنظيم ربما، ولكني دفعت للذهاب بحب الاطلاع والمتابعة، وألزمت إخوتي الصغار بمرافقتي، لأني سأحمل المسؤولية إن كبروا ولم يستذكروا من طفولتهم سوى ألعاب الكمبيوتر وتطبيقات الهواتف الذكية، وقد أسعدني اختلاف أعمار الحاضرين، والعناية المبدعة بالأطفال، حتى ليشتهي أحدنا أن يعود طفلاً.

هذا جهد مبارك، يسعى لاحلال طبقة طازجة من محبي الكتب، وفتح الباب على مصراعيه أمام تجديد دماء مكتباتنا، وما تقدم كلماتي ولمحتي -أخيرًا- أكثر ما تطرح هذه الصورة الجميلة.

postpic1

الصورة من الكاتبة

nun3

عن صفحة معرض نون

non2

عن صفحة معرض نون

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية